خارج العاصمة ، سألني احد المواطنين أصحيح أن الحكومة ستحاور بعض المتهمين بالإرهاب في السجن ، فأجبت بان بعض الوزراء ومجموعة من العلماء دخلوا السجن للتو ليحاوروا السجناء سكت الرجل الستيني برهة واردف سائلا : أما بلغكم ما إذا كانت الحكومة ستحاور المعارضة وبغض النظر عما اذا كان التساؤل صادقا او ماكرا ، استفهاميا او استنكاريا.
فقد عكس الحاجة إلي مباشرة حوار مع طرف رئيس لم يطله الحوار بعد، دون تشكيك في أهمية الحوار الحالي وضرورة متابعته, والحقيقة أن المشهد الحالي تطبعه نزعة من الاستعداد لتجاوز بعض الملفات التي ورثها او زرعها النظام ، و سخر النظام لذلك آلاته ورجالاته و رجال الدين وفقهاء القانون ووساطات الخيرين ورمي بكل ثقله للتجاوز ،وهو ما يؤسس لمشروعية التساؤل عن طبيعة الحوارالمعمول والمأمول ولوجاهة استقراء غائية المسعي وطبيعة الفاعلين. رئيس الجمهورية يعطي الانطباع بالابتعاد عن الحوار و لكنه يعود اليه دون سابق أخطار تتفرس في وجه الرئيس فلا يعكس حوارا ، وتستبطن تصريحاته ـ بخلاف خطاباته ـ فلا تلمس حوارا، ومع ذلك ففي هذه الفترة القصيرة جرب كل أنواع الحوار وطنيا ودوليا مع ترتيب قابل للترتيب، يحاور الفرس والترك والفنزويليين وبينه وإياهم فضاء عربي وإفريقي بخيراته وخبراته ، بامتداده الطبيعي وطبيعية امتداده ، يحاور تنظيم القاعدة و شباب السلفية والمتضررين من أحداث 89 ورجال الأعمال و بينه واياهم سياسيون مهمتهم ـ وفق مهنتهم ـ تكريس الحوار ،فهل كان الرجل مولعا بفتح الملفات الأكثر إثارة أم مطمئنا علي طبيعة الغرماء وبقائهم علي حالهم ولحالهم لحين تفرغه؟ أم هو ترتيب بحساب الاستعجالية في ظل الاعتراف بنسبية مفعول الجغرافيا في العلاقات الدولية ونسبية ترتيب الاولويات في الملفات الوطنية ,تاريخ الوطن مع الحاجة الي الحوار قديم متجدد ، في بعض الحالات السابقة كان الحوار يعني التوافق علي تقاسم الحقائب الوزارية المجوفة ، وحينا اخر قصد بالحوار تقاسم الافكار الجوفاء ، وبالمفهوم الذي ننشده يعني الحوار التطبيع مع نهج التشاور الذي ينبغي ان تقوم عليه الدولة و التمكين للمؤسسات السياسية من اجل الاضطلاع بدورها ضمن سياق حاضن ملائم لمباشرة العملية التنموية بكل تجلياتها وفي الظروف العادية يمثل الحوار امدادا للقضايا التوافقية بالأرضية الاجتماعية وإكسابا للأعمال الخلافية بالصبغة التوافقية . واليوم كثر الحديث عن الحوار ، كلهم يؤمنون به ، لا أحد يرفضه و لا اأحد يريد ان يتحمل فعليا بداياته ، دوليا نحن امام اوروبيين يجعلونه تعويذة أو توصية قبل أو بعد كل تطبيع حسب الزمان ووطنيا نوجد أمام أغلبية تريد سرقة الحوار عبر وسائل الإعلام ومعارضة تريد سرقة النظام عن طريق الحوا في سبيل الحوار تم تنظيم الأيام التفكيرية للأغلبية، و اعتبرت المعارضة ـ التي لم يمنح لها الزمن الكافي للتدليك وتجاوز تشنج العضلة ـ ان المشاركة تعني تلميع نشاط داخلي للأغلبية، ودعت إلي مباشرة الحوار وفق روح اتفاق دكار وأعلنت جاهزيتها لمباشرته ولاحقا تمت مطاردة المعارضة لجذبها ـ بعد قصرالمؤتمرات ـ الي المنتديات في وسائل الإعلام وظلت متمنعة او رافضة، طلب الي التلفزة اجراء الحوار فاعتذر القادة ، وتقدمت الإذاعة فاعتذر النواب ، تاريخ المعارضة لا يحرضها علي الحلم والطيبوبة ، فمع مرور الزمن وتزايد الشعور بالغبن تولدت لديها مرارات حقيقية وحساسية مفرطة تجاه وسائل الاعلام العمومية ، وعلي الأخيرة ان تتحمل احتمالات اللفظ قبل النلفظ وضريبة الرفض قبل استعادة الثقة ، وهكذا تفهم مطالبة المعارضين ـ بحضور الشك في حضرة وسائل الإعلام ـ بالتحول مؤقتا وفي الوقت ذاته إلى ضيوف و إلى رؤساء تحرير وفنيين ومسيري خطوط هاتف ، فالثقة تحرض علي الشك والشيطان يكبر في التفاصيل ، والحقيقة ان الموقف من الحوار ظل مسكونا بالموقف من الانتخابات الرئاسية الاخيرة فقد تفاوت الطيف المعارض في التعاطي مع تبعاتها. بعضهم حدد موقعه وتخلص من لحظة الانتخابات بصفاء، آخرون تخلصوا منها في خفاء ، وآخرون تملصوا منها بدهاء ، وبقية المعارضة غاضبة ا ومغاضبة واليوم يبدو ان النظام حاور من لم يكن علي قائمة الحواريين ، وان منسقية احزاب المعارضة التي يقودها احد الاحزاب الحوارية لها قدم راسخة في تحاوز النقطة الأولي وعلي الاثنين ان يبتدعا صيغة جديدة للتجاوز ومباشرة الخطوة الفعلية او إكمال الحوارية التي ينتظرها الراي العام بتلهف , من واجب النظام ان يبادر فورا باطلاق الحوار السياسي واذا لم تتقدم المعارضة الي الحوار فالمحصلة في النهاية هي غياب الحوار والنتيجة واحدة يدفعها الاثنان مع تفاوت في المسؤولية ، وسبيلا لذلك علي النظام ان يتجاوز اعتبار الحوار إقرارا بوجود ازمة وان تتجاوز المعارضة حقيقة ان الحوار يعني التشكيك في شرعية النظام ، وفق رؤية تكاملية تعيد تصالح مفهوم الحوار مع ذاته ومع مباشريه وتؤمن اضطلاع الأخيرين بالمسؤوليات المناطة بهم وفق القانون , ان الحوار السياسي ضرورة وطنية ومكون اصيل من متطلبات البناء، انه الدينامية التي تسري في الجسم السياسي لتحول بينه والتكلس و مرجعيته ينبغي ان لا تقتصر علي اتفاق دكار وحده بل قبل ذلك متطلبات بناء الوطن وواجبات الفعل السياسي المتحضر.