منذ أن أسقطت تركيا "سوخوي-24" الروسية والكرملين متحير في تفسير السبب وراء ما بات يعرف في الدوائر الروسية بطعنة خيانية في الظهر. وخلافا للتفسيرات الصحفية، ومغامرات أفكار المحللين والخبراء، فإن القيادة الروسية الغاضبة، بحثت عن أسباب أبعد من العمل الأخرق أو الانفعالي. ولم يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تصفه وسائل إعلام غربية وعربية "بالقيصر" وتنعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "بالسلطان"، تفسيرا معقولا لفعلة من شريك وصل إلى مرتبة الحليف الاستراتيجي، غير تفسير واحد.
الله وحده يعلم لماذا أقدم "الرئيس المؤمن" أردوغان على هذه المقتلة. وقال بوتين بين الجد والهزل إن الله عاقب القيادة التركية على أفعالها بأنه حرمها من نعمة العقل.
في الماضي غير البعيد، تعرضت موسكو إلى طعنة في الظهر قام بها "مؤمن" أخر، الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي طرد خلال ساعات الخبراء والعسكريين السوفيت من مصر على وقع أنغام الراقصة الشهيرة تحيا كاريوكا المعروفة بأنها كانت تناصب السوفيت العداء وقدمت مع زوجها عرضا مسرحيا يتشفى بطرد الروس من مصر.
"الرئيس المؤمن" أنور السادات اتخذ القرار بعد صلاة الفجر، عقب ليلة عبأ خلالها بضع كؤوس من الفودكا، التي يقول الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل إن "الريس المؤمن" يفضلها لأنها بلا لون وأن السادات يعتقد استطرادا بأنها بدون رائحة قد يشمها المقتربون منه!
ولعل أمية الرئيس المصري الراحل النظرية بالكحول لم تؤثر على تذوقه الفودكا الروسية، لكنه لم يتردد عن طرد الخبراء السوفيت، رغم كل ما قدمته موسكو للقوات المسلحة المصرية وللشعب المصري على مدى أكثر من عقد، إلى حد القتال مع المصريين ضد الإسرائيليين وإسقاط طائراتهم فوق سيناء.
الرئيس التركي أردوغان، كما يعتقد الرئيس بوتين، أفقده الله الرشد فقام بإسقاط مقاتلة لبلد صديق كان يخطط معه لمشاريع عملاقة.
وبينما شكلت أنقرة لجنة طوارئ وزارية لمعالجة التداعيات الناجمة عن فرض روسيا المقاطعة على الشركات والواردات التركية، فإن الكرملين على لسان بوتين لن يكتفي بالامتناع عن استيراد الطماطم التي اكتشف وزير الزراعة الروسي فجأة أنها تحتوي على مواد ضارة!
الرئيس الروسي، يهدد بإجراءات ستندم عليها القيادة التركية "مرات ومرات". وربما تصل، استنتاجا من لهجة بوتين الحادة والمتطايرة شررا، إلى حد عمل عسكري لا يتوقعه الرئيس التركي الذي من غير المعروف متى يتخذ قراراته الخطرة. فجرا أم في هزيع الليل.
هيكل الذي عرف عنه كشف المستور عن أحداث الماضي، بعد رحيل أبطالها عن الحياة، أسهب في شرح أسباب قرار السادات بطرد الخبراء الروس والتي تدور عموما حول قناعة "الرئيس المؤمن" بان أوراق الحل في الشرق الأوسط كلها بيد الأمريكان. وأن لقب المؤمن نحته الإعلام المصري بناء على إيعاز من السادات لتغطية اندفاع ابن القرية "الصائم المصلي" نحو العدو الإسرائيلي.
وإذا كانت واشنطن حقبة السادات بدت وكأنها فعلا تملك كل أوراق الحل؛ فمن غير المعقول أن يعتقد أردوغان، اليوم بأنها ما تزال القوة الوحيدة المهيمنة على كل العتلات؟
الدوائر الأمريكية نفسها وفي أعلى هرم المؤسسة الحاكمة تؤكد على التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط. وأن باراك أوباما لا يريد توريط الولايات المتحدة في رمالها المتحركة. الأمر الذي يفتح أمام القوى الإقليمية كتركيا وإيران ودوّل أخرى مثل السعودية ومصر مجالا أكبر للعب أدوار قد تكون مؤثرة على سيرورة التطورات في المنطقة وتباعا في العالم.
قد يكون الرئيس التركي ما يزال يعتقد أن كل أوراق المنطقة بيد العم السام، وأن أنقرة لا تقدر ظهور معادل للقوة الأمريكية، تعتبر روسيا القطب الأكبر في بنائه.
هل هذا خطأ في الحساب أم تهويل لقوة واشنطن؟
تواطؤ أم خلاف في المواعيد بين سعي واشنطن لمعاقبة موسكو على دورها في شرق المتوسط وبين رغبة "السلطان" في إيذاء "القيصر"؟
وأخيرا هل عرفت أنقرة سلفا بالثمن مقابل إسقاط "سو-24"؟ أم انها تتنفس الندم على ضياع فرص كبيرة بفضل التعاون مع موسكو؟
أسئلة لاعجة تدور في أروقة الكرملين. ستجد أجوبة ربما في القريب حين تقرر موسكو القيام برد معادل لإسقاط القاذفة. وبالقطع فإنه لن يكون بقذف الطماطم!
سلام مسافر