وجد الإنسان على هذه الأرض واستُخلف فيها كي يكتشف أسرارها وقوانينها بما يخدمه ،كي يكافح ويقهر ويبدع ويثابر ويخوض غمار معركة الحياة الملحمية التي يستطيع الإنسان فيها ان يثبت انه قوي وخارق حين يريد ، وضعيف رخو- مستسلم حين يقرر..من بين قصص الحياة ويومياتها وتجاربها المختلفة تصادفك أحيانا قصص ريادة وتألق عنوانها صراع مرير مع صعوبات الحياة ومطباتها القاسية، لكنها تكللت في النهاية بانتصار الطموح والمثابرة والإصرار وانتحر فيها المستحيل مستسلما على أسوار العزيمة والتحدي الناضح بالعنفوان..
خاصة حين تعلم ان بطلة احدى هذه التجارب المفعمة تنتمي للجنس اللطيف الذي ألزمته الظروف الجسدية والفيسيولوجية واقعا معينا يفرض تحديات وعوائق وصعوبات أخرى جديدة ينضاف اليها وجوده بين مجتمع تحكمه العادات و التقاليد التي تنظر لبنات حواء نظرة في منتهى التقزيم وتحدد لهن دورا مستفزا ومسارا قصيرا محبطا لايتعدى الرحلة مباشرة من البيت إلى القبر...
بطلة هذه القصة اسمها مريم العذراء منت سيدي محمد اخليل من مواليد سنة 1994 في مدينة "سينسيناتي" الولايات المتحدة الأمريكية... بدات رحلتها الملحمية حين حصلت على الباكلوريا في موريتانيا وكان طموحها الاوحد هو دراسة الطب في فرنسا التي سافرت اليها..لكن دخول الطب الفرنسي تلزمه مسابقة في غاية الصعوبة نصحها الأهل بصرف النظر عن دراسة الطب الذي سيكون حصولها عليه اشبه بالمستحيل ونصحوها بدراسة المعلوماتية لكنها اصرت على الطب والطب العسكري بالتحديد الذي تجرى فيه مسابقة مشتركة مع الطب المدني في مدرسة مشهورة للطب اسمها Val de grace.. شاركت مريم في المسابقة ونجحت بتفوق حائزة على الترتيب الثالث، لتحصل مباشرة على الطب العسكري الذي اختارته.. دخلت دورة عسكرية مدتها شهرين كانت صعبة وقاسية في البداية لكنها استطاعت التأقلم معها..
وساعدتها ايضا الظروف والرعاية الجيدة وتعامل الفرنسيين الانساني معها مما اعانها على الصمود..بعد ذلك دخلت في دورة في الطب العسكري تعرضت فيها لمضايقات عنصرية هذه المرة من طرف بعض الزملاء، الأمر الذي أدى إلى نشوب شجار بينها وبين إحدى الزميلات انتهى باحالتهما معا الى السجن..تعرضت مريم لسجن انفرادي ومرت بظروف قاسية لكنها مرت وعادت العلاقة طبيعية مع زميلاتها ولتعزز صداقتهن..لكن الشيء الذي كان اكثر قسوة في حياة مريم هذه الفترة انها قضت سنتين لم تر فيها اهلها ولم تكلمهم مما اثر فيها بشكل كبير..بعد ذلك بمدة بدأ فصل الطلاب المدنيين عن العسكريين وبدأت الدولة الفرنسية تكتتب الطلاب الأطباء..
شاركت مدرستها في مسابقة المانية وفازت المدرسة لأول مرة وحصلت مريم على الرتبة الأولى كاكثرهم حصولا على النقاط..عادت الى فرنسا وواصلت دراستها ورغم النظام العسكري والصرامة الشديدة التي تطبع فترة التكوين واجواء القسوة والرعب التي كانت تحيط بها الا انها واصلت تفوقها وفي المرتبة الأولى دائما، الشيء الذي جعل الفرنسيين يطلبون اكتتابها كل مرة وتقابل طلباتهم بالرفض في البداية لكنها اضطرت للموافقة في النهاية بسبب العروض غير المغرية والهزيلة التي تلقتها من وطنها ومن الجيش الموريتاني حيث سيمنحها في النهاية رتبة الضباط القادمين بالباكلوريا بعد كل هذا المشوار... قررت اختيار الجانب الفرنسي الذي ظل مصرا على اكتتابها وقام بمنحها جواز سفر فرنسي..حيث تحدثت عنها قناة افرانس 24 كأول فتاة موريتانية تقفز بالمظلة..
بعد الاكتتاب ارسلتها فرنسا مع فتاتين إلى روسيا لتكتسب المزيد من التجربة والخبرة اكثر في انواع المتفجرات،ولتحصل على تجربة اكثر في الطب العسكري ،وذلك في مدينة "ننوفوروسيسك" الروسية المطلة على البحر الأسود على الحدود الاوكرانية حيث قساوة الشتاء وبعدها إلى مدينة موسكو لمزاولة الطب العسكري.. تدرس مريم الآن في السنة الخامسة وتفصلها ثلاث سنوات عن التخرج..
وقد تحدثت عنها عدة وساىل اعلام مثل قناة satexpat الألمانية ومؤسسة إعلامية روسية بالإضافة لقناة افرانس 24 واصوات مغاربية وعدة مواقع موريتانية قبل سنتين تقريبا... انها قصة جميلة ومعبرة من قصص الريادة وصراع الإنسان عامة مع مطبات الحياة وريادة المرأة العربية والموريتانية بشكل خاص حين تقهر الظروف وتكسر القيود وتحطم سياجات المجتمع الوهمية..
***** صلاح الدين اخيارهم
طالب يدرس بأكرانيا