لن أبالغ إذا ما شبَّهت الحياة في موريتانيا في القرن الحالي بنظيرتها بـ"العصر الحجري"؛ فهذه الدولة لديها ما يشبه "مغارة علي بابا" من الثروات الطبيعيَّة التي إن استُثمرت فستقودها لقائمة الدول الأكثر ثراء ورفاهية في العالم، إلا أن مؤشرات اقتصادها والأوضاع المعيشيَّة لسكانها هي الأكثر قسوة والأسوأ عربياً.
وتعاني الدولة الأفقر عربياً من كل شيء تقريباً؛ فاقتصادها شبه منهار، ومعدّلات الفقر والفقر المدقع والبطالة فيها الأعلى عربياً، وتواجه أزمات حادّة في المياه والطاقة والسكن، وأخرى في وسائل النقل والمواصلات.
وفي موريتانيا ما زال هناك من يحاربون للقضاء على العبودية، نعم هي ذاتها العبودية التي كانت أيام الجاهليَّة، فعائلات كبيرة ما زالت في القرن الـ21 تستعبد بشراً من أصحاب البشرة السمراء، وحكومة البلاد تصمّ آذانها.
- مؤشّرات اقتصادية متهاوية
وعند الحديث بالبيانات والأرقام؛ فإن نسبة البطالة في موريتانيا وصلت إلى 31.1%، بحسب ما أفاد تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية للعام 2016.
وهذه النسبة لا تعني أن 68.9% من الموريتانيين بحالة جيدة لأنهم يعملون، فـ89% من الشعب الموريتاني فقراء، كما ذكر تقرير أصدرته الأمم المتحدة، في مايو الماضي، أعدَّته بالتعاون مع جامعة الدول العربية وجامعة أوكسفورد.
وإضافة إلى ذلك، فإن نواكشوط تعاني من مديونيَّة عالية مقارنة بالناتج المحلّي الإجمالي للبلاد، ما جعل موازنتها السنوية في عجز دائم.
وبحسب إحصائية نشرتها صحيفة "السفير" الموريتانية، العام الماضي، فإن ديون موريتانيا وصلت إلى 4.95 مليارات دولار، وهذا الرقم تبلغ نسبته أكثر من 100% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد للعام 2016، الذي يبلغ 4.6 مليارات دولار، بحسب بيانات البنك الدولي.
ويبلغ نصيب كل مواطن موريتاني 1150 دولاراً من ديون بلاده، وهو ما يقدَّر بـ88.5% من دخل الفرد السنوي في البلاد، الذي يبلغ 1300 دولار، وفق البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة الموريتانية للعام 2016.
وضمن سلسلة المؤشّرات التي تتناول الانحدار المتواصل للاقتصاد الموريتاني، حلَّت البلاد في ذيل الترتيب بالتقرير الدولي السنوي المتعلّق بمؤشّر الرفاه والازدهار، الصادر عن منظَّمة "ليكاتوم" البريطانية.
وقد جاءت موريتانيا في تقرير 2018 متراجعة برتبتين عن رتبتها في العام 2006؛ حيث حلَّت هذا العام في المركز 144 عالمياً، وهي الأخيرة مغاربياً.
ويرصد التقرير في تقييمه لمستوى الرفاه والاقتصاد بدولة ما جودة الاقتصاد، ومناخ الأعمال، والحكامة، وجودة التعليم، والصحة، والأمن والاستقرار، والحريات الفردية.
- مغارة علي بابا
كل تلك المؤشّرات الاقتصادية السلبية كان يمكن أن تقفز إلى المنطقة الخضراء لو استُغلَّت الموارد الطبيعية للدولة مبكّراً، فموريتانيا تملك ثروات من معادن الحديد والذهب والنحاس والفوسفات والكوارتز والملح والجبس والنفط الذي اكتُشف حديثاً.
وفي بيانات أكثر دقّة حول ثروات موريتانيا فإن احتياطاتها المؤكَّدة من مادة الحديد تبلغ نحو 1.5 مليار طن.
ولا يتجاوز إنتاج موريتانيا من الحديد الـ13 مليون طن سنوياً، في حين تسعى شركة الحديد والمناجم (أسنيم) التي تعمل على استخراج وتصدير الحديد الخام في البلاد لزيادة إنتاجها السنوي لـ40 مليون طن في 2025.
وتملك موريتانيا ثروة أخرى من الذهب تقدَّر بنحو 25 مليون أونصة (845.3 طناً)، علماً أن إنتاج الذهب في البلاد لا يتجاوز الـ 7.3 أطنان سنوياً، حسب إحصاءات وزارة المعادن.
كما لدى نواكشوط احتياطات كبيرة من النحاس تقدَّر بنحو 28 مليون طن، إلا أن أعظم إنتاج لها كان في العام 2016؛ عندما أنتجت 45 ألف طن من النحاس.
الفوسفات أيضاً له موقع مهمّ ضمن كنوز موريتانيا، فهي تملك أكثر من 140 مليون طن من هذه المادّة الثمينة، في حين أن البلاد بدأت باستخراجها من منجم بمنطقة "بوفال" بولاية لبراكنة قبل عدة أشهر فقط، وصدّرت أول شحنة منها في مايو الماضي، دون الإعلان رسمياً عن الكميات المستخرجة أو المتوقَّع استخراجها.
ويضمّ باطن الأرض في موريتانيا أكثر من 11 مليون طن من الكوارتز، وقد دشّنت الحكومة الموريتانية، في العام 2014، أوّل مصنع لمعدن الكوارتز، في منطقة الحديبة شمال البلاد، وتبلغ القيمة الإنتاجية للمصنع 100 ألف طن سنوياً.
كما تملك نواكشوط أكثر من 245 مليون طن من الملح، وأكثر من 100 مليون طن من الجبس، ولا تتوفّر بيانات عن الإنتاج السنوي من هاتين المادتين.
وجميع البيانات سابقة الذكر مقتبسة من أخبار نشرتها وسائل إعلام محلية موريتانية أو دراسات صادرة عن وزارة المعادن والطاقة والبترول الموريتانية.
- ثروة سمكية ضائعة
وفي جانب آخر من الثروة الضائعة تعتبر موريتانيا ذات الطبيعة الصحراوية من أغنى دول الساحل الأفريقي بالثروات البحرية؛ فهي تتمتَّع بأحد أكبر وأغنى شواطئ العالم بالأسماك، فتحتَ مياه المحيط الأطلسي في الجانب الموريتاني يوجد أكثر من 300 نوع من الأسماك، منها نحو 170 نوعاً قابلاً للتسويق، بحسب وزارة الصيد الموريتانية.
ولكن الموريتانيين ليسو أكبر صيادي الأسماك في مياههم، فالأوروبيون هم من يحصلون على الحصّة الكبرى من الأسماك الموريتانية.
وترتبط موريتانيا والاتحاد الأوروبي باتفاقيَّة للصيد البحري تُجدَّد كل 4 سنوات، تسمح للسفن الأوروبية باصطياد 225 ألف طن من الأسماك سنوياً، أغلبها من الصيد السطحي، مقابل حصول نواكشوط على ما يقرب من 100 مليون يورو في السنة، وتتسبّب هذه الاتفاقية بخسائرة هائلة للموريتانيين؛ فبموجبها يدفع الأوروبيون نحو 445 يورو مقابل الطن الواحد من السمك، بينما يباع الطن على شواطئ موريتانيا للسكان المحليين بنحو 4934 يورو.
ويعاني قطاع الصيد بموريتانيا من تهالك سفن الصيد المحلية وقدمها مقابل السفن الأجنبيَّة التي تعمل في مياههم المتطوّرة والقوية، التي تتمكَّن من اصطياد أضعاف الكميات التي يحصل عليها الصيادون المحليّون.
ولا يوجد في موريتانيا سوى شركة حكومية واحدة لتصدير الثروة السمكية؛ هي الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك.
وتعتبر هذه الشركة المصدر الوحيد للأسماك المجمّدة من موريتانيا، منذ يونيو 1984، وتسوّق نحو 50 ألف طن سنوياً من الأسماك المجمّدة، وفقاً لمعطيات وزارة الصيد.
وبلغت إيرادات قطاع الصيد من النقد الأجنبي، خلال العام 2017، نحو 950 مليون دولار، بحسب أرقام رسمية، في حين يرى خبراء موريتانيّون أن هذا الرقم كان يمكن أن يتضاعف نحو 3 مرّات لو طُوّر أسطول الصيد البحري الموريتاني واستُغلّت هذه الثروة السمكية بشكل محلي خالص.
حنين ياسين-الخليج أونلاين