أصبح في حُكْمِ العادة أن يلجأ بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية في بلادهم إلى استعمال بلد معيّن كورقة من الأوراق التي يُرَاهِن عليها في حملته الدعائية ، عَلَّهَا تسعفه في تسجيل تقدّم على منافسه. وقد جرت العادة أيضا أن يكون بلدنا ، المغرب، موضوعا رئيسيا في الحملة الانتخابية بعدة بلدان ـ بِحُكْمِ الجوار والعلاقات ـ كفرنسا وإسبانيا والجزائر... أي أنه لا بد لهذا المرشح أو ذاك أن يمر عبر المغرب لكي يُحَقّقِ مُبْتَغَاه ومُرَاده.
نفهم دواعي هذا الاستغلال لبلدنا ، الذي يتراوح بين الإفراط والتفريط ،في خضم المعركة الانتخابية التي لا تُبْقِي ولا تَذَر لدى دول الجوار ، لكن الذي يصعب فهمه ،فبالأحرى هضمه ، هو أن يتم ليس فقط استعمال المغرب ،كدولة، بل المغاربة ،كشعب، في حملة الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية التي يفصلنا عنها بحر كبير في مستوى المحيط الأطلسي ، والتي تقول بعض الدراسات أن المسافة بيننا وبين هذه البلاد ستزداد اتّسَاعاً وبُعْداً.
في هذا الإطار ،نُقِلَ من بلد "العمّ سَام" عن دونالد ترامب ،المرشح المثير للجدل للحزب الجمهوري، الحامل لشعار الفيل ،أنه عَيَّر المغاربة ب"الحيوانات"،مع أنه لا يوجد بين المرشح ترامب والجمهوريين بصفة والمغرب والمغاربة سوى الخير والإحسان . هذا إذا كان بعض الأمريكيين يعرفون معنى الخير والإحسان.
جاءت هذه السُّبَّة من حامل شعار الفيل، وما أدراك ما الفيل،خلال تجمّع انتخابي للمرشح الجمهوري ترامب كان يتحدث فيه عن الإرهاب والإرهابيين الذين قال أنه يُسْمَح لهم بالدخول إلى أمريكا ويَفِدُون عليها من كل فَجٍّ .. قادمين من بلدان إرهابية.لكن "الفيل" سيجمح به خياله أبعد من الخيال لدرجة أنه أَقْحَمَ وحشَر المغرب في ما لا يمكن حشره، قائلا بأن المغاربة يمكن أن يقوموا بهجمات إرهابية على التراب الأمريكي. وذهب في هذيانه وهيجانه إلى حد وصف المغاربة ب"الحيوانات " حسب ما أوردت الأخبار.
وبالرغم من أنه لا ناقة ولا جمل، ولا حتى فيل أو حمار، للمغرب و المغاربة في الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية ، على اعتبار أن هذا شأن داخلي ويهم الأمريكيين في المَقَام الأول ؛ وأنه ليس للمملكة مصلحة ولا جالية كبيرة أو ذات تأثير على تغليب وترشيح كفّة "الفيل" الجمهوري على كفّة "الحمار" الديمقراطي،فإن مستشاري المرشح الجمهوري ضًلَّلُوا زعيمهم في الضلال المبين حين قَدَّمُوا له شريط فيديو عن مهاجرين أفارقة بشمال المغرب يحاولون عُبُور الحدود إلى مدينة سبتة المغربية المحتلة ، ودفعوه إلى القول بأن الأمر يتعلق بالحدود بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية . ولنا أن نتصوّر متاهة أشخاص من المفروض أنهم سيصبحون المستشارين الرئيسيين والمساعدين الأقربين ل"ترامب" في حالة فوزه ويصبح رئيسا لأقوى بلد في العالم ، وهم لا يميِّزُون بين الموقع الجغرافي للمغرب والمكسيك،عِلْماً أن واشنطن تربطها بهذين البلدين علاقات خاصة ؛ وأصحاب القرار، بدوائر القرار الأمريكي، على دراية تامة بتاريخ وجغرافية وسياسة مختلف البلدان التي لها علاقات دبلوماسية، فبالأحرى إذا كان يتعلق الأمر بالمغرب. وهذا يُبَيِّن بوضوح أن بعض مهندسي الحملة الانتخابية الأمريكية لا يعرفون حتى موقع المغرب مع أنه حليف أساسي وتاريخي واستراتيجي لبلادهم ؛ والأدهى أنهم يقودون "الفيل" و"الحمار" في الاتجاه الخطأ .
في ذات السياق ، تنبغي الإشارة إلى أن أصحاب الفيل (الجمهوريين)كان من بينهم رؤساء بارزين قادوا الولايات المتحدة الأمريكية ،وخدموا مصالحها العليا بشكل جيد .نذكر من بينهم ابراهام لينكلون ،تيودور روزفيلت، رونالد ريغان، جورج بوش الأب ثم جورج بوش الإبن وريشارد نيكسون..
بالنسبة لأصحاب الحمار (الديموقراطيين)،الذين منحوا ثقتهم لأيقونة الحزب هيلاري كلينتون للترشح باسمهم في الانتخابات الرئاسية (2016)، فإنهم أَدْلوا بدلوهم ، أيضا، في الشأن المغربي من خلال الجدل الدائر بين المرشح الجمهوري ،ترامب، ومرشحة الحزب الديمقراطي ، هيلاري، حول حزب العدالة والتنمية المغربي . ذلك أن كاتبة الدولة السابقة في الشؤون الخارجية (هيلاري) لم تُخْف التعبير عن أملها في إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ،لولاية ثانية على رأس الحكومة .وبقدر ما أثار هذا الموقف ـ غير البريئ ـ الصداع في المغرب بقدر ما أثار غضب منافسها الجمهوري ـ ترامب ـ الذي لم يتردد في اتهام منافسته بدعم الحركات ـ الأحزاب الإسلامية في شمال إفريقيا ، وتحديدا حزب العدالة والتنمية بالمغرب .. وما زالت أكثر من علامة استفهام (غليظة)مطروحة حول السياسة الخارجية الأمريكية المرتقبة بعد الانتخابات الرئاسية ، سواء فاز فيها ترامب أو هيلاري كلينتون.
وبما أن الشيء بالشيء يُذْكَر، فمن المستحسن الإشارة إلى حكاية شعار الحمار والفيل لكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا .فقد كانت الولايات المتحدة مقسمة بين الشمال والجنوب عندما قرر أبراهام لينكولن خوض غمار الانتخابات سنة 1860 بسبب تضارُب الآراء حول قضية تحرير العبيد . وعمل على توحيد البلاد وبالتالي التقليل من حدة الانقسام والتشرذم. وهو أول من اعتمد شعار الحمار كرسم معبر عن الثراء والقوة في حملته الانتخابية الثانية التي فاز بها.وبالنسبة للجمهوريين،فقد اختاروا الفيل شعارا لحزبهم خاصة بعد أن ظهر رسم لرسام الكاريكاتور الأمريكي توماس ناست لفيل ضخم هائج يحطم كل ما حوله ، وكتب على جسمه عبارة "الصوت الجمهوري" . وقال ناست أنه اختار الفيل للدلالة على كثرة المال لدى الجمهوريين ، ليتحوّل إلى شعار رسمي لهذا الحزب .نفس الرسام كان وراء نشر رَسْمٍ ساخر تحت عنوان "الحمار حي يرفس أسدا ميّتاً" يشير فيه الرسام إلى المواقف المتشنجة والمتسرعة للديمقراطيين.وأصبح الحمار رمزا للحزب الديمقراطي.
هكذا يفعل الجمهوريون ولمَّا يدخل فِيلهم بعد حديقة البيت الأبيض . أما إذا دخل إلى الحديقة، ومن تمّ إلى البيت، فلا أحد سيعرف ما يجري ويدور في رأس الفيل.. وهكذا يفعل الديمقراطيون الذين يغازلون الأحزاب ذات التوجّه الإسلامي، على الأقل في شمال إفريقيا . ومَثَلُهُم ك"مَثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا "(قرآن كريم). وهكذا يوجد المغرب بين "الحمار" الديمقراطي و"الفيل" الجمهوري. نسأل الله السلامة.
نقلا عن الموقع الرسمي لحزب الأصالة والمعاصرة المغربي