الحب في زمن الايبولا -الجزء الثاني / خديجة محمد المختار | 28 نوفمبر

الحب في زمن الايبولا -الجزء الثاني / خديجة محمد المختار

أحد, 21/08/2016 - 02:12

..من عمق اللاجدوى السيزيفية وشق الأنفس وشح التأني تظهر "وداد" جاهمة المحيا وهي تصارع في عنادِ "طائر الفينيق" ذلك الشعور الذي كلما حاولت صده ينبعث من رماده في عنفوان وكبرياء أكبر..محاولا طي المسافة الابجدية والواقعية الفاصلة بين الحاء والباء...ليتقدس الرقم"3" ويشكل لغزا غامضا خاصة أن "وداد" تذكر جيدا بقدر الانعراجات في ذاكرتها أن "فارس"يقضي سنته "الثالثة" حتى الآن وهو في"تانزانيا"حيث يعمل...فيغدو بدلك الرقم "3" هو الأغلى بين كل أرقام العالم رغم مايحمل من الكراهة والتطير في النظرة الأنثوية لنساء البلد.

ف.."وداد"لا تزال تذكر آخر لقاء لها مع"فارس" وهو ذلك اليوم الأكثر تميزا في مجموع ذكرياتها..حيث أخبرها "علي" أنها ستصبح واقعيا وإفتراضيا "وداد" بدلا من "عائشة" وسيصبح هو "فارس" بدلا من "علي" ليس فقط لأن"عائشة" تحمل في عتمة عينيها الرمادتين ذات العتمة التي سلبت بها "وداد "لب فارس "في مسلسلهما المفضل "الحب الأقوى" بل لأن عائشة  تسحب بساط شفتيها - اللتان تحملان لون "التمر الهندي" -عن قطع ثلج مفلجة  متراصة في لثة بلون "العسل"..وتقهقهُ بصوت متكسر يلهب الشعور..تماما كما تقهقه "وداد" حين يهمس لها فارس "أنه مستع لإشعال حرب عالمية ثالثة مقابل أن تحافظ على قهقهتها تلك"..فعائشة هي الأخرى لها ذات الجمال المختلف العميق.

فالناظر إلى عائشة من بعيد وبسطحية قد لا يدرك أنها تحمل كل هذا الجمال..ولأن "علي" تميز عن غيره من أترابه بحب الفلسفة التصوف وكثرة المطالعة -وهي سمات تقاسمه إياها عائشة" أستطاع بسهولة أن يوقن أن شعر عائشة "المجعد" الذي ينسدل على كتفيها كشعر الغجريات..ولونها الرمادي الفاتح وجنونها وعنادها وجرأتها وعذوبة ورقة خروج الكلمات من ثناياها وحركات يديها وعينيها وهي تحاول التعبير عن الأفكار بأسلوب أنيق كأناقتها حين ترتدي اللون "البني" وقامتها المتوسطة ووزنها الذي يطابق عمرها اليافع..يكفي لأن يجعله يتخذ قرارا بالتخلي عن فتاة صغيرة "ابنة عمه الوحيدة""التي خطبها"له أبوه وهو لا يزال في نعومة الأظافر ليضمن إستقراره في العائلة حتى بعد أن يكمل دراسته في الجامعة ويرسله لتولي  إدارة  أعماله في "تانزانيا" دون أن يحسب الأب حسابا بأن"عالي" يمكن أن يقع  في حب أخرى لم تكن يوما سوى صديقة لهما قواسم مشتركة..صديقة يناقشها في مقاهي الجامعة بكل جديد في عالم النشر والكتابة وعالم الميتافيزيقا والانطولوجيا والتصوف..لتبدأ خيوط القصة تشتبك لأول مرة حين تبادل"علي"و"عائشة" أسماء حسابيهما على "الفيسبوك "بعد جلسة نقاش أنبهر كل منها بثقافة الآخر وعمق إطلاعه وتطابقهما في الذوق والاختيار.و بعد سنتين من تعارفهما كأصدقاء يتشاجران دائما حين تذكر "عائشة"عالي بأن أبوه خطب له حتى قبل أن يتمرن دماغه على تلقي  الإشعارات الخارجية لوحي الروح والإحساس ويعيرها هو بأنها الفتاة الوحيدة التي لم تقم يوما بعلاقة حب ناجحة رغم جمال ثغرها..ليتحول الشجار إلى شجار إفتراضي يبدأ من الساعة التي تسلم فيها"عائشة" و"علي" تلّهما للأسرة إلي حين يتميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر..في سهرات تشمل الثقافة والغنج والدل..والارتقاء نحو عوالم "الأحلام" خاصة أن السهرة لا تبدأ إلى حين تشترط "عائشة" على "علي" أن يشغل موسيقى بصوت "الظاهرة أم كلثوم" لتحترق على وقع تنهدها وهمهمتها وانحناء الكلمات وتعثرها داخل حبالها الصوتية كل كبرياء يمكن أن يمنع "عائشة"و"عالي" من الاعتراف لبعضهما أنهما يشعران بالاصطفاء في هذه اللحظة .

ففي ذات ليلة أرسلت إليه رسالة صوتية تحمل. الهدوء الذي يسبق العواصف وتقطر أنوثة تخجل "الآلهة آبلو":

.."بأن لك عقدة بين الحاجبين تحمل همة تناطح الجبال .وهي أكثر ما أحب فيك"

..فرد عليها:

" صحيح لي همة تناطح الجبال لكنما تلك الهمة تصرف الأنظار إليك فأتمنى يوما أن لا تغيبي من حياتي"

.."كيف أغيب عن حياتنا..فالأقدار وحدت قلبينا كما وحدت الحرف الأول من أسمينا" قالت وداد وهي تداري جيوشا من الخجل في صوتها راسمة بالعبارات مستقبلا أكثر خطورة وتحد لكليهما..خاصة أن "عالي" إضافة إلى أنه  "مخطوب" فهو أيضا فمن  ركنين مختلفين فهو من"الزوايا"وهي من "العرب" وهذا ما لا يصح جمعه في المخيلة الجماعية لمجتمع يبيع الجنس لكنه يعادي الحب.

أخبر فارس عائشة بأن تصبر قليلا حتى يصل  هو إلى "تانزانيا" ليفكر في موضوع زواجهما وكيفية حدوثه دون أن يخسر أباه وقبيلته ودون أن يكون قد أضر بسمعة خطيبته وأبنة عمه الوحيدة ،فقررت "عائشة "الانتظار خاصة أنها من هواة التحدي والمجازفة..وهي على يقين الآن بأن "عالي"هو من كانت تتمناه دائما وهو كذلك.

..وفي منتصف العام (٢٠١٣) تخرجا من الجامعة هو من قسم الانكليزية وهي من قسم الجغرافيا..وقرر السفر إلى "تانزانيا" جنة الدنيا التي تتعلق على جيدها آمال هذين العاشقين.

فلما حانً وقت  الوداع بعد أن توغل المساء وأستتب الليل أتصلت عائشة على "علي"وأنشدته بصوت رخيم قطعة من ديوان فاروق أجويدة "لو أننا لم نفترق" الذي أهداها إياه في حفل تخرجهما...فغنت وهي تبكي:

...

لو أننا لم نفترق

 

لبقيتُ نجماً في سمائكِ سارياً

 

وتركتُ عمري في لهيبكِ يحترق

 

لو أنني سافرتُ في قمم السحاب

 

وعُدتُ نهراً في ربوعكِ ينطلق

 

لكنَّها الأحلامُ تنثرنا سراباً في المدى

 

وتظلُّ سرّاً في الجوانح يختنق

 

لو أننا لم نفترق

 

....ومع آخر حرف ينزلق من حلقها بكت بكاء مريرا كأن  القدر كشف لها عن ماينتظر"عالي" في "تانزانيا".

وبعد رحلة يومين وصل إلي "تانزانيا" حيث تبدع الجغرافيا رسوما تخلب الألباب وتجري الأنهار خريرا ينسجم مع ضفافها الغناء فتفتر عن آيات من إبداع الله في كونه تعجز عن وصفها الألسن.

لم يستطع "عالي"حط رحاله قبل أن يتصل بعائشة ويخبرها بأنه وصل أخيرا إلى "تانزانيا" لترتفع بذلك جميع إسهم التوقعات والاحتمالات خاصة أن الاحتمال الأول هو رفض"إبراهيم" والد"علي" موضوع زفافها ومحاولة التضييق على "علي" ماديا ومعنويا حتى يثنيه عن قراره...ولن يبقى أمامها غير تحمل ألم الفراق أم الموت في سبيل الحب تأسيا بروميو وجولييت.و

لم تشأ الأقدار لحيرتهما أن تتوغل أكثر ولا لأسئلتهما ان تسلك بعدا ميتافيزيقا معجزا..بل أنقشع نور هذا الصباح على خبر لم تكن "عائشة" تنظره ولا يمكن "لعلي" أن يسعد له وهو خطبة "عائشة" من قبل أبن عمها الذي كان يعمل في "أمريكا" والذي كشفت الأيام أنه خطبها من أبيها قبل ذهابه فأخفى الأب الموضوع حتى لا يذاع  خاصة مع إحتمالات عدم رجوعه في القريب العاجل..لتنضاف بذلك مسافة جديدة تبعدهما عن كليهما أكثر مع أن عناد "عائشة" يمكن أن يسمح لها برفض الخطبة ولا أحد سيجبرها عليها إلا أنها أثارت الصمت وعدم إبداء أي رد فعل لحاجة في نفسها..

أما "علي" لم يكد يتخلص من حيرته من سكوت "عائشة" حتى أدركته كارثة إنتشار الوباء "الايبولا" في تانزانيا وبدأ في حصد الأرواح وكأن الأقدار تعمدت إرسال "علي" لهذا الوباء ليكتب صفحة جديدة في حياته ويكون من المهددين به خاصة بعد الحمى النزيفية التي أردته طريح الفراش في وقت كان أحوج فيه لمؤازرة الأقدار هو من حاجته إلي تآمرها عليه... ليتقلب في آهات آلام القلب والجسم ولوعة الغربة ووجع الخيانة التي تلوح له من خلال صمت "عائشة" فمع خوفه من معرفة أهله بخبر إصابته إلى خوفه من العيش في عالم يرى فيه ملاكه في أحضان رجل آخر يبقى الأمل معلقا على مشارف المحاريب يتبل الرحمة العلوية..متكورا في أسئلة حيرى ودموع حرى لا يجد لها جوابا"

فماذا لو علمت "عائشة بإصابته" وكيف تعبّد الإيبولا طريقا جديدا في حياة العاشقين والعائلتين؟ ومادور "الإخوان المسلمين" في قصة البطلين؟؟".

هذا ما ستعرفونه في الجزء  القادم من الأقصوصة بحول الله.

مع تحياتي :خديجة/محمد المختار