نشرت جريدة “الحياة” الغراء في عددها الصادر في 2/4/2017 مقالا للاستاذ خالد الدخيل بعنوان “القوميون العرب وايران” وكنت اود نشر الرد عليه في جريدة “الحياة” لولا ان الجريدة امتنعت في وقت سابق نشر رد لي على مقالة الاستاذ خالد الدخيل بعنوان “عنصرية القوميين العرب تجاه الجزيرة العربية” في 6/7/2015 يتضمن توضيحات ضرورية لا سيما ان بين القوميين العرب قامات من الجزيرة العربية تبوأت مواقع قيادية في العديد من هيئات العمل والفكر القومي العربي خلال العقود الماضية.
1-في الشكل
1- كم كنت اتمنى ان لا يعمم الكاتب، المتخصص بتشويه صورة “القوميين العرب” ،أحكامه على كل القوميين العرب انطلاقا من مقال هنا او مقال هناك، او موقف هنا او موقف هناك، فهذا من الناحية العلمية غير صحيح، ومن الناحية الاخلاقية غير جائز.
2- حتى في المقالين المذكورين اللذين تجنب الكاتب الاشارة الصريحة الى اسماء كاتبيهما، رغم تعمده التلميح باسمائهم عبر الصفات المنسوبة اليهما، لكنني كغيري من القراء، لم اجد فيما ذكره الكاتب الدخيل جملة واحدة تشير الى صحة اتهاماته غير الدقيقة، إلا اذا اعتبر ان مجرد الاعتراض على سياسة بعض حكام الجزيرة العربية هو موقف ممالئ لايران، علما ان هذا الاعتراض موجود في الادبيات والمواقف السياسية العربية قبل سقوط حكم الشاه في ايران، بل هو اعتراض شمل كتّاباَ وسياسيين لا ينتمون الى المدارس “القومية واليسارية” فحسب، بل ينتمون ايضا الى مدارس اسلامية وليبرالية يعرفها السيد الدخيل اكثر من غيره…
3- كم كنا نتمنى لو ان الكاتب وهو الاعلامي المحنك، والاكاديمي المعروف ،قدم عرضا متوازناً وشاملا لمجمل مواقف القوميين العرب، افرادا وهيئات ومؤسسات، حتى ” تزر وازرة وزر أخرى”، خصوصاَ ان بين يدي الاخ خالد العديد من الادبيات التي يمكن الرجوع اليها لا سيما منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، والمشروع النهضوي العربي، والبيانات الختامية لـ 27 دورة عقدها المؤتمر القومي العربي منذ تأسيسه عام 1990 وهو المؤتمر المعروف بموقفه من الاحتلال الامريكي، وقبله من الحصار على العراق، كما بعده من المقاومة العراقية ، وهو الموقف الذي كلفه ايضا، وما زال، الكثير، من الحصار والضغوط والاتهامات الظالمة .
2-في المضمون
1- ان موقف غالبية القوميين العرب ، وخصوصاَ من التقى منهم في اطار هيئة جامعة باسم “المؤتمر القومي العربي” من العلاقات العربية – الايرانية يقوم على معادلة بسيطة وهي “ان ايران تشكل عمقاً استراتيجياً وحضارياً للامة العربية، كما ان القادة الايرانيين مدعوون إلى ادراك جملة الهواجس والالتباسات الموجودة عند غالبية ابناء الأمة العربية من المواقف الايرانية تجاه بعض القضايا العربية ،لا سيما في العراق والجزر الاماراتية الثلاث، بل تجاه بعض التصريحات الصادرة عن مسؤولين في طهران مثل أن” بغداد عاصمة الامبراطورية الفارسية” وان طهران “تتحكم اليوم باربع عواصم عربية “وان “البحرين فارسية “الخ…”
2- ان المشروع النهضوي العربي الذي أعده ،على مدى عشر سنوات، مركز دراسات الوحدة العربية (وشارك في اعداده مفكرون وباحثون من التيارات الرئيسية في الأمة)، واعلنه في 22/2/2010، وكل بيانات المؤتمر القومي العربي، تعتبر ان إقامة علاقات حسن جوار مع دول الجوار الحضاري للامة العربية هي من ركائز المشروع النهضوي العربي الذي دعا أيضاً إلى افضل علاقات بين العرب وايران وتركيا على قاعدة احترام السيادة الوطنية والمصالح المشتركة والعلاقات الندية المتكافئة ،فالعربي عربي، والايراني ايراني، والتركي تركي.
3- ان القوميين العرب الملتزمين بالمشروع النهضوي العربي، اعتبروا على مدى عقود ان القضية الفلسطينية، بكل جوانبها، هي جوهر القضية العربية وانها القضية المركزية للامة العربية ، وان الصراع الرئيسي في المنطقة هو الصراع العربي – الصهيوني، وان موقف أي طرف داخلي أو خارجي منه هو معيار رئيسي للعلاقة بهذا الطرف أو ذاك، بل هو معيار ينبغي ان تعتمده الانظمة العربية جميعاً في علاقاتها الداخلية والخارجية.
وهنا ينبغي الاقرار ان موقف ايران من القضية الفلسطينية، ودعمها القوى التي تقاوم الاحتلال،هو موقف ينبغي الاهتمام به من قبل القوميين العرب وتطويره والانتقال منه لتنقية كل الشوائب الأخرى العالقة في العلاقة العربية – الايرانية.
ومن المفارقات اليوم ان من يدعو إلى اعتبار الصراع مع ايران أولوية، هو من كان يعتبر نفسه بالامس حليفاً وصديقاً لنظام الشاه الذي كان يفاخر اركانه وحلفاؤه بانه “شرطي الخليج”، وسكتوا على ضمه الجزر الاماراتية اليه، ناهيك عن دوره في دعم الكيان الصهيوني وتشكيل الاحلاف الاستعمارية.
4- لقد خصص الكاتب جزءا رئيسيا من مقاله للحديث عن علاقة “الرئيس بشار الاسد امين عام حزب البعث العربي” بايران لكي يثبت صحة مقولاته، متناسيا علاقة والده الرئيس الراحل حافظ الاسدالجيدة، خلال فترة ولايته (1970-2000)بدول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، ودور هكجسر بينها وبين ايران ،ومتناسيا ايضا ان امين عام حزب البعث الاخر الرئيس الشهيد صدام خاض حربا مع ايران، مما يؤكد ان المسألة بالدرجة الاولى هي سياسية لا فكرية .
5- السؤال الخطير هنا : ” هل هذه الحملة المتصاعدة على العروبة كهوية جامعة للامة، وعلى القوميين العرب (كمؤمنين بوحدة الأمة واستقلالها وبقيام انظمة ديمقراطية عادلة ، وبناء تنمية مستقلة، وبتعزيز التجدد الحضاري، وبتعميق الرسالة الانسانية المنفتحة لهذه الأمة”) محاولة ابتزاز هدفها التأثير على “استقلالية” القوميين العرب ، ام هي جزء من عملية التمهيد لمشروع تصفية القضية الفلسطينية وتعميم التطبيع مع العدو الصهيوني، وهو المشروع الذي كان وسيبقى القوميون العرب باغلبيتهم الساحقة طليعة المتصدين له.
6- ان أي محلل موضوعي ومتجرد يدرك ان السبب الرئيسي لتمدد النفوذ الايراني والتركي (وكلاهما امم تربطنا بهم روابط عقائدية وحضارية ومصالح سياسية واقتصادية مشتركة) يعود إلى غياب المشروع العربي الذي كلما كان يبزغ فجر نهوضه في مكان ما من الأمة، سارعت قوى من الخارج والداخل للاجهاز عليه.
هل ينسى الكاتب مأساة الأمة في فلسطين ، ومأساة التسهيلات “العربية” لاحتلال العراق وشرعنة افرازاته، ومأساة ليبيا وسوريا واليمن حيث نار الفتنة، وبتمويل وتحريض وتسليح عربي واقليمي، تحرق الاخضر واليابس.
7- لقد تحامل الكاتب على القوميين العرب في مقالته السابقة حول “عنصرية القوميين العرب ضد ابناء الجزيرة العربية” قافزاً عن جملة حقائق معروفة للجميع، وهو اليوم في حديثه عن “القوميين العرب وايران” يتحامل من جديد على مشروع عروبي وحدوي ديمقراطي تنموي يضع استقلال الأمة في رأس اهدافه، واستقلالية العمل القومي في رأس التزاماته…
وربما هذه الاستقلالية هي التي تفسّر تحامل الكاتب بالامس واليوم وغداً……
كاتب عربي