أثارت تصريحات للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز اعتبر فيها أن السبب الرئيسي لتردي المنظومة التعليمة في البلاد هو توجه أغلب الشباب للتخصصات الأدبية والعلوم الإنسانية، جدلا واسعا في الوسط الثقافي لا يزال يتصاعد للأسبوع الثالث.
وقال الرئيس خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي إن الجامعات الموريتانية باتت تخرج آلاف الشعراء والأدباء وأصحاب تخصصات العلوم الإنسانية، وذلك أصبح يشكل "عبئا على البلاد"، مطالبا بالتوجه للتخصصات العلمية.
ورد شعراء موريتانيون بغضب على تصريحات الرئيس عبر معلقة من مئتي بيت، أطلقوا عليها "معلقة الغضب". وبدأت المعلقة بأبيات للشاعر محمد ولد إدومو قال فيها:
يا سيدي، أفُقُ الأشعارِ متّسعٌ .. وأفْقُك الضيّقُ الحَدِّيُّ مُنغلِقُ
لا تقفُ في شططٍ ما لسْتَ تَعْلمُهُ .. ضدَّانِ: ناشئةُ الإشراقِ والنفَقُ
واعتبر عدد من كبار الشعراء والأدباء تصريحات ولد عبد العزيز "إساءة" متعمدة للشعراء، خصوصا أنها المرة الثانية التي ينتقد فيها كثرة الشعراء في موريتانيا الملقبة بـ"بلد المليون شاعر".
فسبق للرئيس الموريتاني أن انتقد عام 2012 كثرة أعداد الشعراء والأدباء في بلاده، وحذر من أن البلاد ستظل بعيدة عن النهوض إذا لم تكن قادرة على تخريج كفاءات علمية، لا شعراء وأدباء.
واختار الشعراء الرد بشكل "غاضب شعرا"، من خلال كتابة معلقة ضمت مئتي بيت، شارك في نظمها عدد من كبار شعراء البلاد من بينهم محمد ولد إدمو، وإدي ولد آدب، ومولاي عبد الله، ومحمد الأمين ولد المصطفى.
سباق شعري
وسمى الشعراء قصيدتهم الطويلة "معلقة الغضب"، واتخذوا من منصات التواصل الاجتماعي منبرا لعرض مقاطعها تباعا.
ويبدو أن المعلقة مرشحة للزيادة، نظرا للتفاعل المستمر معها والإضافات التي يقوم بها كبار الشعراء بشكل شبه يومي عليها. وهو ما يجعل المعلقة مرشحة لأن تكون الأطول من نوعها في العصر الحديث، إذا استمر الشعراء في الإضافة عليها بالوتيرة الحالية.
تصريحات ولد عبد العزيز عن الشعراء والأدباء ليست الأولى من نوعها (غيتي/الفرنسية)
ويرى رئيس "جمعة الضاد" الشاعر والأديب ناجي محمد الإمام أن النقاش الذي دار بشأن تصريحات الرئيس حول الشعر والشعراء "حاد عن طريق النقاش الهادئ الرصين الذي تبرز من خلاله أفكار ومدارس ورؤى تسهم في وضع تصور جامع لتنظيم الخلاف وتبويب الاختلاف".
ولفت الإمام في مقال نشره على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، إلى أن مسالة موقف الحاكم من الشعر لم تكن مطروحة يوما في أي بلد في الدنيا قبل هذه "النازلة"، وأنه ليس من المألوف أو المقبول أن يحدد مسؤول موقفه من اختصاص أو فن أو مهنة أو حرفة سلبا ،"لأنه معنيٌّ حتما، برعايتها وليس بهوايتها".
وأضاف "إذا قُدِّرَ لهُ (يقصد أي مسؤول حكومي) أن يتخذ موقفا غير ذلك، فإن الرد عليه يجب أن يتم بالأساليب العصرية الراقية الحازمة التي تناسب سمو الحرف ومكانة سدنته صُنّاع الحكمة وحراس عتباتها المقدسة".
هجوم ممنهج
غير أن الشاعر والناقد الأدبي أدي ولد آدب يرى أن تصريحات ولد عبد العزيز بشأن الشعراء وأصحاب التخصصات الأدبية وعلوم اللغة العربية، ليست موقفا فرديا "بل هي هجوم ممنهج خطط له لوبي فرانكفوني سليب الهوية"، بحسب تعبيره.
وأضاف في تصريح للأناضول "هؤلاء (يقصد الفرانكفونيين) يجهلون أن الدول الغربية الأرقى في نظرهم لا تفتخر بعباقرة علومها الفيزيائية والكيميائية.. الموسومة بـالطبيعية، وإنما تزهو وتتيه بشعرائها وأدبائها وفلاسفتها...، وتختزل كل هويتها في التماهي بهؤلاء".
وذكر أن لغة الشعب الفرنسي تسمى "لغة موليير"، والشعب الإنجليزي يسمي لغته "لغة شكسيبر"، و"سرفانتس" هو رمز الثقافة الإسبانية، وأول رائد للفضاء عندما سئل عن شعوره حين وطئت قدماه جبين القمر أول مرة، أجاب في هذه اللحظة تمنيت أن أكون شاعرا.. لأعبر عن إحساسي ذاك.
وتعليقا على الجدل المثار اعتبر الناطق باسم الحكومة محمد الأمين ولد الشيخ، أن الشعراء "يمدحون ويهجون"، مضيفا أن بعض الشعراء مدح الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مرحلة معينة ثم انتقده في مرحلة أخرى لاحقا.
وقال ولد الشيخ إنه في ظل الحريات الإعلامية لم يعد النقد أو المدح مثيران للانتباه.
المصدر : وكالة الأناضول