يريد المزايدون إقناع البسطاء والعوام على طريقة الجزيرة _تزييف الوعي _ أن الموقف الموريتاني من العلاقة مع قطر جاء ضمن مزاد سياسي أعلنت عنه السعودية والإمارات، وأنه مجرد صفقة غير أخلاقية أبرمها النظام الموريتاني، لم تراعي المصلحة العامة لموريتانيا وللموريتانيين. التناقض كبير في كلام "متابعي الجزيرة" المتأثرين بخطها وتجربتها مع الشارع العربي، حيث يتحدثون عن الأخلاق، ثم يتحدثون عن المصلحة والحسابات السياسية، رغم أن غالبيتهم من مدرسة تدعي محاولة تخليق السياسة ووضع حد لقوة حضور الحسابات والواقعية الموجهة للسياسة على حساب القيم والأخلاق . بخصوص الموقف الموريتاني لو كان موقفا للبيع والشراء، لما ضيع صانع القرار الموريتاني الثمن المرتفع للسفير السوري في الأعوام الماضية، حين كانت السعودية تدفع بسخاء وكذلك قطر والإمارات وتركيا وفرنسا، والتاجر الشاطر لايضيع المواسم المربحة ليبيع في مواسم القحط والجفاف .
شواهد عديدة تفند كلام "متابعي الجزيرة" حول بيع النظام الموريتاني لمواقفه، ليس أقلها، رفض النظام للمشاركة في الحرب ضد اليمن، وهي الحرب التي شاركت فيها بلدان صديقة ومجاورة ويمكن القول أنها باعت موقفها وباعت جنودها الذين رجعوا في توابيت. الطيار المغربي رحمه الله، لم يكن يوزع الحلوى على اليمنيين . النظام الموريتاني رفض بيع المقعد السوري في قمة انواكشوط، وتسليمه للمعارضة السورية، وبلدان عديدة دفعت ثمن المقعد الفارغ، ولم ينحني النظام الموريتاني لضغط الشيك المعروض .
النظام الموريتاني لم يطرد السفير الإيراني، الخطوة التي أقدمت عليها بلدان عربية قريبة من موريتانيا وبعيدة من إيران، ولامصلحة لها في الصراع الخليجي حسب كلام متابعي الجزيرة، المتعذرين بأن موريتانيا بعيدة من الخليج والحياد افضل لها من التورط في الصراع. يصعب على أن أفهم أن الرباط طردت السفير الإيراني بسبب الحسينيات التي تحاصر القصر في حسان، وكذلك الامر بالنسبة للخرطوم. في الوقت الذي كانت فيه بلدان الخليج تشتري المواقف شمال وغرب موريتانيا وتدفع بالجميع للمحرقة اليمنية وتشكل بهم تجمع "أصدقاء سوريا"، كان الموقف الموريتاني متزنا هادئا غير قابل للتأثر بمناخ السوق السياسي والبازار المشرع أمام الزبناء.
هنا يمكن القول أننا في موريتانيا نملك نظاما سياسيا فاشلا في التجارة ولايعرف إنتقاء مواسم البيع والشراء وتسيير القوافل . أما الحديث عن التفريط في المصالح الموريتانية، فلا اعرف بالضبط، أيهم أهم من حيث المصلحة بالنسبة لموريتانيا، السعودية والإمارات، أم قطر، وأيهم أكثر إستثمارات وتمويلات ومعونات وقروض، ولا اعرف بدقة حجم الجالية في الجهتين وأيهم أقدم وأكبر واكثر مردودية على المستوى الوطني .
ربما جرد بسيط للارقام وتتبع يسير للأحداث، يؤكد أن قطر لم تدخل على الخط الموريتاني إلا في الأعوام الأخيرة حين استيقظت فجأة من رقادها الطويل على ضفة الخليج ، ومولت لحد الساحة مركز للصم بعشرة ملايين أوقية، ومستشفى في بتلميت، ووضعت الحجر الأساس لمنتجع سياحي على البحر لم تتقدم فيه الأشغال خطوة واحدة، ولايجب أن نهمل أن قطر توظف بعض الإعلاميين الموريتانيين . ربما هذا سبب للإحساس الزائد بتضييع مصالح الموريتانيين. بخصوص عدم أخلاقية الموقف، فهذا كلام لايستقيم في سطر واحد مع الحديث عن المصالح والتفريط فيها.
من زاوية اخرى، ربما ليس من الأخلاق التمسك بعلاقة مع نظام ينقلب فيه الولد على أبيه والمرأة على زوجها، إضافة لما راكم في أعوام معدودة من تآمر على الشعوب العربية وقتل وتشريد ومصائب وزعها بعدالة على مختلف جهات الخريطة العربية المنكوبة بقطر. قبل ان أنسى هناك حادثة لايجب إهمالها في محاولة قراءة الموقف الموريتاني، وهي كافية لفصله عن الموقف الخليجي _ المصري، وهي الإشتباك بين الرئيس الموريتاني والأمير القطري الأب حمد في آخر زيارة له لموريتانيا ومغادرته دون وداع، إضافة لمحاولة قطر التورط في الأحداث الموريتانية 2011، وتصدير نموذجها الثوي المعلب والجاهز، ومحاولتها بناء علاقة مع الجماعات المسلحة على حدود موريتانيا الشرقية، وتتبع تفاصيل الموضوعين قد يكون كافيا للمتابعين المنصفين لفهم الموقف الموريتاني بعيدا عن أسلوب الجزيرة ومنطق الجزيرة ولغة الجزيرة .
بقلم الباحث محمد المختار ولد احمدناه