تناسى الموريتانيون قضايا أزمتهم السياسية وخصوماتهم حول الاستفتاء وجدلهم حول تعديل الدستور، لينشغلوا بالمعركة الكبرى المحتدمة حاليا بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز وابن عمه وسنده السابق محمد ولد بوعماتو المقيم منذ سنوات في مدينة مراكش المغربية.
وزاد هذه المعركة حدة، اندلاعها مع قرب استهلال عام 2018 عام التحضير الحاسم للانتخابات الرئاسية عام 2019 التي هي أول فرصة لتجربة إمكان التناوب على السلطة بوساطة صناديق الاقتراع بين الرئيس الحالي المنتهية ولايته وخلفه الذي لم يتحدد بعد.
ومع أن الخلاف بين الرجلين أو «المحمدين» و«ابني العمومة»، كما يسميهما المدونون، يعود لأكثر من سبع سنوات إلا أن ظهور ما اعتبرته الحكومة «قرائن»، على أن تصويت مجلس الشيوخ الموريتاني في آذار /مارس الماضي ضد التعديلات الدستورية كان بسبب تلقيهم مع مجموعة من النقابيين والصحافيين رشاوى من رجل الأعمال بوعماتو، كل ذلك فجر المعركة بين الرجلين وحول القضية من نزاع شخصي إلى «قضية دولة».
فقد دفع تصويت الشيوخ المضاد للتعديلات، الرئيس ولد عبد العزيز لتنظيم استفتاء شعبي كلف الكثير، ومع كونه مكن من تمرير التعديلات إلا أن المعارضة المتشددة وصمته بـ «الاستفتاء غير الشرعي» و«الاستفتاء المزور».
وبما أن الحكومة وجدت في تسجيلات مسربة من هاتف السيناتور المعتقل محمد ولد غدة الصديق الشخصي لرجل الأعمال بوعماتو، أحاديث عن مبالغ وزعها ولد بوعماتو على معارضين وأعضاء في مجلس الشيوخ، فقد جعلت من هذه القضية «جريمة رشوة عابرة للحدود»، وبدأ القضاء في التحقيق مع المشمولين بها وصدرت مذكرات توقيف دولية ضد رجل الأعمال بوعماتو ومدير أعماله ولد الدباغ.
وتحدثت أوساط إعلامية موريتانية عن تسليم الحكومة الموريتانية مذكرة للحكومة المغربية طلبت فيها حكومة نواكشوط، قبل أيام من حكومة الرباط تسليم رجل الأعمال بوعماتو للقضاء الموريتاني.
وفي هذه الناحية تؤثر هذه القضية سلبا في العلاقات الموريتانية المغربية المتوترة منذ سنوات، حيث أحرج هذا الطلب حكومة الرباط، ورفضت حكومة موريتانيا اعتماد حميد شبار الذي اقترحه المغرب سفيرا بنواكشوط.
والغريب أن رجل الأعمال محمد بوعماتو كان أكبر داعم للجنرال السابق والرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، حيث أنه استخدم ماله بالمليارات وعلاقاته الدولية الواسعة لتمرير الانقلاب العسكري الذي دبره الجنرال محمد ولد عبد العزيز في آب/أغسطس 2008 ضد سيدي ولد الشيخ عبد الله أول رئيس مدني منتخب.
وتؤكد معلومات مسربة من هذا الملف أن الذي يخشاه الرئيس ولد عبد العزيز هو أن يدعم الملياردير ولد بوعماتو مرشحا للرئاسة في انتخابات 2019، وأن ينجح ذلك المرشح في الانتخابات، ليتمكن ولد بوعماتو من وضع يده على السلطة والثروة في موريتانيا ليصفي حساباته مع ولد عبد العزيز، وهي حسابات ستكون عسيرة.
وحسبما يؤكده المراقبون المتابعون لهذا الملف، فإن طرفي هذه المعركة قد بدءا التحضير للمبارزة النهائية، حيث وجه الرئيس جهاز القضاء ومنظومة الأمن لضرب خصمه، بينما زاد رجل الأعمال المعارض من تحركاته الخارجية لتوجيه ضربات للرئيس، كما يتوقع أن يزيد من نشاطه السياسي الداخلي باستغلال سخط أعضاء مجلس الشيوخ المعارضين على الرئيس الذي ألغى غرفتهم باستفتاء يعتبرونه «غير شرعي».
وضمن اهتمام الكتاب والمدونين بهذا النزاع، أوضح القيادي المعارض محمد الأمين ولد الفاضل « أنه من المفارقات العجيبة، أن تلقي الأموال من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو يعد خيانة للوطن إن كان المتلقي معارضا، ولا بأس به إن كان المتلقي مواليا، وبرغم كل ما قيل عن عطايا ولد بوعماتو، فقد أثبتت التسريبات والتحقيقات أن رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو كان بخيلا جدا عندما يتعلق الأمر بتقديم يد العون إلى المعارضة، وأقصد هنا بالمعارضة المنتدى ومجلس الشيوخ الذي أصبح يصنف في دولة صاحب المزاج بأنه مؤسسة معارضة».
وزاد «بعد الاستيلاء على حاسوب محمد الدباغ مدير أعمال بوعماتو، وهاتف السيناتور ولد غدة، فلا يزال المبلغ الذي يتم الحديث عنه أقل من مليوني أوقية، كانت عبارة عن مساعدة مُنحت لشيخة وفنانة أقامت سهرة سياسية وثقافية وفنية كلفت ما يزيد على خمسة ملايين أوقية».
وأضاف يقول «إن الاستنتاج الذي يمكن أن نخرج به من هذه الملحوظة هو أن الشيوخ قد صوتوا بـ «لا»، إما لدوافع وطنية، وإما كردة فعل على المعاملة غير اللائقة التي عاملهم به صاحب المزاج المتقلب وحكومته وحزبه، ولا دخل لأموال ولد بوعماتو في الموضوع، ومن الساذج جدا أن نتحدث عن مبلغ لم يصل إلى مليوني أوقية تم تقديمه لفنانة وشيخة أقامت حفلا من بعد تصويت الشيوخ بـ «لا»، على أنه دليل على تلقي الشيوخ لأموال طائلة من رجل الأعمال ولد بوعماتو».
«ربما يكون رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، يصيف الكاتب، كريما مع بعض المعارضين، ولكن الأمر هنا سيبقى يتعلق فقط ببعض الفرق الفنية أو ببعض الصحف والصحافيين الفرانكفونيين، أو ببعض الشخصيات الحقوقية أو الإعلامية ذات التأثير المحدود في المجتمع، وتلك واحدة من أخطاء ولد بوعماتو، لكن ما أنفقه ولد بوعماتو على المعارضة الموريتانية وبكل أطيافها، قد لا يصل إلى 10% مما أنفقه في عام 2009 على حملة ترشح صـاحب المزاج المتقلب (أي الرئيس عزيز).