عندما يتعرض الوطن للخطرأوللمؤامرات الخارجية فإن الانتماء الأصيل والعميق لأي بلد أو أمة سيخضع لامتحان كبير ، ذلك أن هذا الإنتماء لن يكون متجذرا إلا ذا ارتكز إلى تضحية ووفاء وجهد مشهود ، وإلا كانت جميع المساومات الذاتية الأخرى تخلفا وجحودا، لا يليق الركون إليهما ، "لأن الحب لا يوجد إلا مقرونا بالتضحية " ، وهذا ما أكدت عليه الأدبيات السياسية من خلال ذلك الشعارالثوري :" قضت الرجولة أن نمد أجسامنا جسورا فقل لرفاقي هيا اعبروا " .
كذلك فإن المحافظة على الوحدة الوطنية والسمات الأساسية ، يستدعي من كافة الوطنيين ـ أحرى في زمن تداخل الخنادق الدولي والمحلي ، والاستلاب الفكري والحضاري ـ أن يتوجسوا خيفة من وقائع التحولات الهيكلية الدولية التي تطورت إلى حروب خارجيَّة وبَيْنيَّة وَأهليَّة، واحتلال مباشر لبعض الدول .
ومع ذلك فإن تنازع البقاء على هذا النحو سيحدو بالشرفاء والغيورين للمساهمة في الدفاع عن الوطن ، ليتطلعوا حينها إلى ماهو أبعد من عرض الصفحات المطوية المليئة بالخصوصيات ، باعتبار أن الثبات أزلي فيما يخلد ويبقى ،والمرونة سمة لما يخلد ويتطور .
ومع هذا يرى كثير من المثقفين في بلادنا أن فلسفة التثبيط وسياسة القعود مع الخالفين اللتين ينتهجهما أعداء الأمة والشعوبيون ، في كل المناسبات ، ينبغي أن يتم التصدى لهما بحزم وقوة ، بعيدا عن روح الاستكانة والخضوع والخنوع ، "إذ إن الذي يضحي من اجل أمته دفاعا عن مجدها الغابر وسعادة مستقبلها، لأرفع نفساً وأخصب حياة من الذي يحصر تضحيته في شخص واحد " وهذا هو محل الإعتراف بالجميل لأولئك الشرفاء عبر الزمن الذين يرفضون مغادرة الميدان، رغم سلطة العقل المجتمعيِّ الراهن .
باعتبار أن الأفكار تستمد أهميتها، وتاريخيتها، من خلال الوعي النقدي الشمولي للواقع ، حتى ولوتم استبعاد وتهميش الطبقة السياسية الحريصة على الوحدة الوطنية ، وتم بدلا من ذلك إتاحة الفرصة كاملة لآخرين يتحدثون نيابة عن الأجنبي مثل الجمعيات لفرانكفونية وحركة "افلام" ورئيس حزب (قوس قزح ) الذي ألقى يوم 29 /9/ 2016خطابا خطيرا في قصر المؤتمرات بمناسبة افتتاح (الحوار الوطني الشامل ) ، اتسم بالكراهية والدعاية المسعورة والصيحات الحاقدة ليوغر الصدور ويزرع الحقد في حنايا بعض المواطنين من أجل تمزيق النسيج الاجتماعي وتفكيك الوحدة الوطنية .
ليصل الأمرإلى فجور في الخصومة ، وجرح متعمد وعميق للمشاعر الوطنية ، بالتجاسر الوقح على المؤسسة العسكرية المدافعة عن البلد ، والمطالبة باستئصال اللغة العربية من خلال عملية مزدوجة تتمثل في إقصائها بيداغوجيا والحط من شأنها ثقافيا، والافتيات على البعثيين الذين ضحوا كثيرا من أجل هذا الوطن حيث تم اعتقالهم في سنوات : 1970 ،1971 ،1979، 1982، 1985،1987 ، 1988 ،1995 ،2003 ، وأثناء اعتقالات 1988 تم تسريح وفصل 417 من العسكريين من مختلف الصنوف بتهمة الانتماء لهم .
ومع أن البعثيين كانوا في السجون ومسرحين تماما من الجيش الموريتاني طيلة المواجهة الحادة مع السنغال سنة 1989 فإن الموريتانيين لازالوا يتذكرون تلك المواقف النبيلة التى اتخذها حزب البعث حين ساهم بقوة في الدفاع عن موريتانيا من خلال دعمها لوجستيا ، وتزويدها بمختلف الأسلاحة التي تحتاجها ، إلى أن أصبحت من أقوى دول غرب إفريقيا عسكريا ، في وقت أوشكت فيه أن تتعرض لعدوان خطير وحرب شرسة من طرف دولة السنغال المجاورة .
ويؤكد هذا أن السنغال وحلفائها لم يغفروا للبعث أنه دافع عن هذه الأرض بقوة من داخل السجن وخارجه ، وحتى الآن لا زالت حركة "افلام" تخشى من البعثيين ، ( خطاب "بلاس" ) وتعتبرهم خطرا على مشروعها الذي يهدف إلى طمس هوية موريتانيا ، وتمزيق نسيجها الاجتماعي .
غيرأن الظام السنغالي الحالي بتصرفاته الأخيرة المعادية لمورتانيا لم يحسن في الواقع قراءة المواقف السياسية الكامنة في بلادنا ، وسبب ذلك هو تهميش الحكومة الموريتانية للنخب السياسية الحريصة على الوحدة الوطنية ، وعندها توهم النظام السنغالي ـ من بين أمورأخرى ـ أن الدولة الموريتانية أصبحت ضعيفة ، وأن البعثيين غادروا الميدان ، والحقيقة أن السلاح العسكري والفكري والنضالي والتعبوي الذي زود به حزب البعث موريتانيا مازال موجودا .
وهذا ما أشار إلى جانب منه عبد جوف الرئيس السنغالي السابق في مذكراته حيث يقول : (سعيت دائما إلى تجنب الحرب مع موريتانيا في تلك الحقبة، كما أن الحرب لم تكن ملائمة للسنغال، لقد كانت القوات المسلحة الموريتانية أفضل تسليحا من السنغالية ، لقد زود صدام حسين موريتانيا بصواريخ قادرة على تدمير سينلوي وداكار وكانت ستطلق عندما تتحرك السنغال؛ وقد نقل معلومات الدعم العراقي لموريتانيا السفير ماصمبا ساري نقلا عن سفير العراق في باريس).