مَشاهد - الحلقة الأولى / عبد الله محمد |
الثلاثاء, 22 سبتمبر 2015 20:44 |
المشهد 1 : على هامش "طاولة مستديرة" في الزمن شبه المنحرف جلس متربعا منهمكا في التهام طعامه مازجا الأخضر باليابس والمتبل بالحلو واللزج بالصلب مستخدما كل أدوات الشم و المضغ والمص واللحس، فموائد من هذا النوع لا تتكرر كثيرا إلا في المواسم في بلد مصاب بالجفاف الطبيعي ومعتلة صحته بحمى الضنك النهبية ومكسوح قعر بحره بتحالف العقيد الرقيب والمتعاقِد المراقَب افتراضيا، ومصابة بالكساح بنيته التحتية منذ النشأة ومبتلاة نخبه بشبق مغازلة السلطة ونهم أكل سحتها ميدوما بحبر الأقلام. انطلق في رحلة الأكل على طريقة الكينج بوكسينج الانفرادي كالمعوز القادم من هامش فيفاء العدم إلى مائدة أهل البذخ لا يلوي على شيء كأنما توقفت ساعة كرامته العضوية عن التحرك وتكلس ضميره الأدبي .. طفق يقضم ويرشف منقِّطاً ربطة عنقه الساتانية المخططة ببقع الصلصة وممطرا شريكه في المائدة بين الحين والحين بوابل من فتات الطعام المنطلق مع كلام الآكل الذي عجت مخارج حروفه بأصوات الصفير والغنة والإدغام فكأن شعاب حنجرته أزقة تخوم "اكلينيك" في وقت الذروة. تحدث عن الحوار والنظام والمعارضة والمطر والهجرة غير الشرعية ودرويش ومثلث برمودا والأزمة اليمنية ومرض فابيوس والغابة البوهيمية و وزرادشت نيتشه .... كل ذلك ليثبت أنه مثقف مرموق المكانة في نخب المنكب المنكوب. بعدها بدقائق، أعاد ترتيب تسريحة "أيّيَ" العتيقة التي يبرع فيها عادة بعد أن عاث هواء شرفة الفندق في خصلات شعره الآيل للإنمحاء وانطلق إلى خارج المبنى متأبطا دفتر تدوين الملاحظات الذي تم توزيعه في الجلسة الافتتاحية ومنهمكا في قراءة جدول أعمال الندوة متتبعا مواعيد الإستراحات والقهوة والأكل .. فذلك جدول أعماله هو الذي قدم أصلا للقيام بمهامه باقتدار مع سبق الإصرار والترصد !
--- المشهد 2 : لبس البدلة الرمادية مغلقا أزرار سترتها بصعوبة على جسده الممتلئ كأنما قد صرت كتلته منطادا بشريا من فئة السوبرمان متنكرا فلكلوريا كرجل أعمال من الطراز "النيويوركي" لا يختلف عنه إلا في خروجه هو للتو من شارع "الرزق" بدل "وول ستريت"، واضعا نظارة طبية لأغراض إضفاء الجدية الشكلية حاملا في يده محفظة أنيقة من جلد التمساح الأمازوني .. فهو اليوم قادم لمقابلة الوزير بعد الحصول على موعد لم يكلفه الحصول عليه غير ساعة يد وبطاقة شحن متضمنة بونسا موسميا. في الداخل، جلس الوزير كملك تاريخي في زمن الفرامانات قد وقف بعض معاونيه على جنبات كرسيه الهيلاسيلاسي وكأنهم حملة مراوح الريش يهشون حوالي جنابه تماما كما في الدراما التاريخية المصرية. خرج المساعدون لينفرد المحظي التاجر المزركش بالوزير المتذوق لفن البهرجة فتحدث الرجلان بأريحية لقاء المفسد بالفاسد. دقائق معدودة تخللها شاي ومرطبات وضحكات ابلاستيكية كانت كافية لتدين خزينة الدولة محاسبيا - في أمد قريب - للضيف الشاطر بمبلغ طائل وليدين حساب هذا الأخير بنكيا بنسبة من ذلك المبلغ لصالح الوزير الذي "يفهمها وهي طايرة"، ولتحصل الدولة على خدمة "توريد" تزيد الضغط في وريد شعبها المسكين ! أبطال المشهدين: المشهد 1 :مثقف بائع هوى في مجال التمسك بالمبادئ المشهد 2 : شهبندر تجار من فئة المفسدين ووزير فاسد |