شهادة في حق العقيد ولد بيبكر (الجزء الثاني) |
السبت, 19 سبتمبر 2015 10:38 |
بقلم بوي الحسن هارون من التجمع الجهوي رقم 1 بالنعمة، الذي كان يتولى قيادته سنة 1988، إلى وزارة الداخلية واللامركزية التي عمل بها مستشارا للوزير؛ مضت 27 سنة. أصبح الملازماولعمر ولد بيبكر عقيدا وتولى وظائف سامية. يترك البزة العسكرية اليوم، مع أن بالإمكان القول إنه خلعها منذ مدة ورتبها داخل خزانة ملابسه ليرتدي بدلة مكتملة؛ هي دون شك، أكثر ملاءمة لمنصبه مستشارا لوزير الداخلية واللامركزية. وهي الوظيفة التي تولاها إلى غاية يوليو 2015. 27 عاما، هي حياة كاملة، لا يعيشها سوى من كشفت له سيول مياه المطر عن جثث الموتى المدفونة تحت الأرض. 27 سنة كنست خلالها العواصف الرملية الأرض الملطخة؛ جارفة هياكل عظمية لمئات الزنوج الموريتانيين.. أولئك الذي يتحدث عنهم عمر ولد بيبكر تحديدا؛ ممن أبيدوا في مخلف أرجاء البلد وألقوا في مقابر جماعية.
اليوم يتحدث عمر ولد بيبكر، علنا.. فما مضمون ما قاله بالضبط، في مقاله: "لمحة قصيرة حول فلام" كي يثير كل هذا الانفعال لدى البعض، وردود أفعال مهذبة مع شيء من الإعجاب، لدى آخرين؟
1) إن عريضة الزنجي الموريتاني، التي نشرت سنة 1986 ـ كانت تحيينا وامتدادا لوثيقة الـ19 التاريخية ـ استعرضت ملامح الظلم والتمييز بحق السود في البلد. 2) إن العريضة تم تزويرها...، وتم تغويل كاتبيها ودفعهم للكفاح. 3) إنه، بفعل مطالبها وتضحياتها ونضالاتها، أصبحت حركة فلام ـ مع مرور الزمن ـ الوجه المعبر عن "قضية الزنوج الموريتانيين". 4) إن من الظلم وعدم الإنصاف رفض تشريع حزب القوى التقدمية من أجل التغيير (FPC) بدعوى أن هذا الحزب يتبنى مشروعا "انفصاليا" بينما ينشط في أعلى مستويات هرم الدولة ـ وهذا معروف للجميع ـ دعاة موريتانيا عربية صرفة، بيضاء بالكامل.
ماذا يقول العقيد عمر ولد بيبكر ايضا؟ إنه يقدم مرافعة قوية، مبنية على وقائع دامغة ضد احد وجوه المشهد السياسي والفكري الموريتاني.
أن لا تكون قراءته لبعض جوانب المواضيع المثارة موضع اتفاق؛ أمر مفهوم بالطبع. أن تثار بعض التحفظات حول هذه المسألة أو تلك، أمر طبيعي، خاصة في نقاش وطني بناء ومتحضر.
أنا شخصيا سجلت بعض النقص يتعلق بمسألة من كان عضوا في "فلام" ضمن المعتقلين المدنيين بولاتة. في الحقيقة لم يكن الحساب دقيقا. وهناك آخرون لم يتم ذكرهم ضمن تلك القائمة، خاصة صديقي با ممادو. ومع ذلك نرى جيدا أن الأمر يتعلق ـ هنا ـ بنقطة مهمة، بالتأكد، لا سيما حين نكون أمام كتابة موضوعية لتاريخ "فلاام"؛ وإن كانت تظل جانبية بالمقارنة مع مسائل جوهرية تمت إثارتها وتحيينها ضمن مساهمة العقيد عمر ولد بيبكر.
إن هذا النسيان ناجم، دون شك، عن نقص في جودة وموضوعية مصادر معلوماته، أكثر منه إرادة متعمدة من طرفه. وحول طبيعة حرب الصحراء، لا أشاطره نفس الطرح...
لكن ما دامت الوقائع والحقائق الموضوعية تم احترامها، فإن الاختلاف حول تحليلها أمر طبيعي. حول ذلك كله ينبغي أن نكون قادرين على النقاش بهدوء وأريحية وليس أن نصيح، أو نصرخ، أو نسب رجلا يقر الجميع؛ بمن فيهم خصومه الظاهرون والخفيون ممن لايجد بعضهم غضاضة في مداعبة خده الأيسر قبل أن ينتهي به الأمر بالبصق على الأيمن؛ بخصاله الجمة و أفعاله النبيلة.
ماذا يقول عن حزب القوى التقدمية للتغيير (FPC)؟ إنه يقول إن رفض تشريع هذا الحزب للأسباب المثارة وقبله (إضافة من عندي) حزب بيرام؛ ظلم وينم عن عدم واقعية جلي من قبل السلطة. ينضاف لذلك أنه، بصرف النظر عن أي اعتبار قانوني، كان من الذوق السياسي السليم أن يتم تشريع الاحزاب السياسية والمنظمات الراغبة في ذلك.
ذلك أن منع تلك الأحزاب والمنظمات؛ أيا كانت نواقص بعضها، يعني دفعها نحو "اللا مشروعية"؛ والإبقاء على توترات سياسية دائمة، وتشجيع الصدامات عبر خلق أشكال من العارضة العنيفة.
من الناحية الموضوعية، وبنظرة شمولية، أي عيب في حديث عمر ولد بيبكر جعله يثير محاولات صبيانية بقدرما هي عقيمة للتهجم عليه؟ فيم تكمن "خيانيته"؟ ما الذي اقترفه العقيد عمر ولد بيبكر؟
ألأنه امتلك الجرأة على الابتعاد عن طريق مرسوم سلفا. وحسب علمي، فإنه يظل، إلى يومنا هذا، الضابط الرفيع الوحيد الذي اتخذ، علنا، موقفا من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في موريتانيا من خلال إدانتها بشكل لا لبس فيه. هل كان ذلك مفاجئا من ناحيته؟، وهو الذي سبق له، سنة 1988، أن دان تلك الجرائم حسب ما استطاعته من خلال تصرفاته، وأفعاله، وتعامله مع معتقلي ولاتة؟
كلا ! هل كان الأمر غريبا من جانبه، مع العلم أنه طيلة ممارسة مسؤولياته لم يفتأ ـ قط ـ يعمل على أن يستعيد جميع الحرسيين المفصولين بطريقة تعسفية خلال أحداث 89/91 كامل حقوقهم، وذلك رغم العقبات والمناورات المثبطة التي لاقاها؟ وبالإمكان تعداد أضعاف ذلك من الأمثلة على التزامه ضد كافة أشكال الظلم.
لديه ثبات في صلابة، واستمرارية في السلوك الممتاز والعمل المتقن؛ دوام في الوفاء لقيم العدل، والمسواة، واحترام الكرامة الإنسانية. لم ينتظر عمر ولد بيبكر أن يترك البزة العسكرية ليشير بإصبعه إلى الداء. لم ينتظر أن يكون هو ـ نفسه ـ ضحية لظلم ما كي يتحدث أو "يقوم بتصفية حسابلت". علينا أن نقولها بصوت عال ومجلجل: هذا الرجل أسمى من تلك الحسابات السخيفة وتلك الاعتبارات المنحطة والأنانية. حين يتم التحامل، بهذه الدرجة، على العقيد عمر فذلك لأنه امتلك؛ دون لف أو دوران، الشجاعة على تسمية الحقائق ذات الصلة بممارسات الظلم الصارخ التي شوهت، أو تم التعتيم عليها، أو أثيرت بشكل سطحي أو مجتزأ.
هذا الواقع، وعلينا أن نقولها، متجذر في بلد تعاني الغالبية الساحقة من نخبته السياسية، فيما يبدو، من تشوه وراثي في الرؤية؛ وبالتالي "خًلقي"؛ ما ولد محاولات التعزير اليائسة. ما يقوله عمر ولد بيبكر يحدث انفجارا، بلا ريب، نظرا لوضعه. لكن ما يقوله ليس بدعا تماما. فبالنسبة للمضمون، ما يندد به في مداخلته سبق التنديد به من قبل سلطات عليا في الدولة، أيام حكم الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله. "عندما تقوم دولة ما بقتل أو إبعاد مواطنيها، يتعين قول ذلك والاعتراف به. (...) لا يمكن الصمت على مشاكل تشكل تهديدات دائمة بالنسبة للوحدة الوطنية". ليس هذا كلام العقيد عمر ولد بيبكر، ولا مثقف عادي، ولا متطرف "فلامي".. هذه العبارات صدرت عن الزين ولد زيدان؛ الوزير الأول في عهد الرئيس سيدي ولد السيخ عبد الله (تصريحات نشرت في أخبار نوكشوط، العدد 1275 بتاريخ 15 يوليو 2007. المصدر: الشيخ توري)..
"قتل"، "إبعاد مواطنيها"، "يتعين الاعتراف" (ماهي تلك الجرائم؟)". جرائم "تشكل تهديدات دائمة بالنسبة للوحدة الوطنية". تلكم هي الكلمات المحورية، الواضحة والصريحة للوزير الأول للرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله.
ما قاله هو ما لاحظه العقيد عمر ولد بيبكر، سنة 1988 في ولاته وأماكن أخرى، بأم عينه وحاول التصدي له بالوسائل التي كانت لديه. وهذا ما يقوله ويدينه اليوم، علنا. وحول "شيطنة" فلام التي تحدث عنها عمر، ألم يعترف الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ـ شخصيا ـ وهو يلتقي في نيويورك مع من كان مسؤولها الأول؛ باسم الدولة الموريتانية، بمناضليها كمواطنين أصليين للبلد؟
أولم يعترف، عبر قراراته القوية؛ وهو يدعوهم إلى العودة للوطن ويطرح على الطاولة، للمرة الأولى، ملف الإرث الإنساني بعد 18 سنة من ارتكاب الجرائم؛ بأن الدولة أخلت بواجبها، وبأن جرائم خطيرة قد تم اقترافها؟
ما الذي يقوله عمر ولد بيبكر حول هذه القضية وهو يتحدث عن حزب القوى التقدمية للتغيير (المنبثق من فلام)؟ نفس ما قاله الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله: "أما فلام فعبارة عن مواطنين موريتانيين أصيلين...".
ملاحظة تفرض نفسها، تشع وضوحا: العقيد عمر ولد بيبكر من فصيلة نبيلة.. فصيلة ما تزال ممارساتها الفاضلة بحاجة لأن تنتشر بشكل أوسع، وتعمم وتستدام لتكون تقليدا: إنها الشجاعة على كسر التابوهات؛ الشجاعة على شجب ممارسات الظلم؛ مهما كان مرتكبوها وضحاياها: عربا بربرا أو زنوجا موريتانيين. علينا أن نقر بأنه لايوجد كثير من الناس ضمن فصيلة النبل هذه التي تشرِّف البلد؛ لكن يمكن أن نجد أناسا رائعين، مرجعيات جديرة بالتقدير: ـ حركة الديمقراطيين المستقلين (MDI) ومنعشوها المبدعون (بشيسر مولاي الحسن، عبد الله ولد الكبد وجمال ولد اليسع). إنهم من أوائل من امتلكوا الجرأة في بداية التسعينيات، على تسمية الشر، والتنديد بالفظائع التي نجمت عنه. (ولاأريد أن يسألني أحد عما أصبح عليه بعضهم. فالأمر يتعلق بسرد وقائع تاريخية، وإعطاء قيصر ما يستحق).
ـ حبيب ولد محفوظ، الفقيد الغالي جدا، الذي سخر قلمه الرائع والحاد والمفعم بالموهبة كي يعري الوضاعة.
ـ هند بنت عينينا، الوزيرة في الحكومة الحالية؛ والتي ندين لها بواحد من أجمل المنابر وأكثرها جرأة حول قضية الهوية... ـ الإمام بداه ولد البصيري رحمه الله؛ وهو رجل يحظى بتقدير واسع؛ وقد رثاه عبد الله سيري با؛ أحد ألمع كُتاب البلد وأكثرهم صراحة وتماسكا في الأفكار؛ من خلال مقال رفيع البنية ـ كالعادة ـ بعنوان (رجل من أجل الإنسانية). ـ المساعد أول الشيخ فال. ضابط صف رفيع، ساهم كثيرا سنة 1991، من باريس، في تعريف الرأي العام الدولي ـ عبر إذاعة فرنسا الدولية ـ بممارسات التعذيب وإعدامات العسكريين السود في قاعدة اجريده (قرب نواكشوط) حيث كان موجودا هناك سنة 1990؛ وقت حدوث تلك الوقائع.
ـ أمنة بنت المختار رئيسة جمعية النساء معيلات الأسر. سيدة عظيمة، شجاعة ومحبوبة؛ كانت ـ من خلال جمعيتها الرائعة ـ على كل جبهات مناهضة جميع ممارسات التمييز والظلم.
يمكن أن تضم هذه القائمة، البعيدة من أن تكون محصورة، شخصيات مستقلة بارزة أخرى أو مسؤولي منظمات غير حكومية منبثقة من آفاق شتى.
ما القاسم المشترك بين هؤلاء الرجال والنساء الذين تدين لهم موريتانيا بجميل لا مراء فيه؟ الشجاعة، نبذ الكراهية، الظلم، التهميش، والإقصاء العرقي والاجتماعي. الشجاعة والذكاء لكونهم كشفوا عن وجوههم ليقولوا ـ بصوت عال ومدوي ـ لا للجرائم والظلم، في وقت بدا (ويبدو) فيه الكثير من الناس قد فقدوا النطق والسمع والبصر، فجأة.
لقد عرفت هذه الفصيلة من الموريتانيين، واستطاعت، في فترات مؤلمة أو في ظروف كان فيها الضعفاء والمضطهدون بحاجة للتضامن الفاعل؛ أن يسموا للنأي بأنفسهم عن أي اعتبار ذي صلة بالهوية، المجموعة، العرق، القبيلة، أو الجهة ويجسدوا الضمير الجمعي: أي موريتانيا في تنوعها الفعلي.
لقد فعلوا ذلك ويفعلونه عن قناعة، وتشبث بقيم العدل والمساواة... فعلوه ويفعلونه حبا لبلدهم الذي رفضوا، ويرفضون، أن يروه يهوي في قاع النذالة أو يتعرض للإنفجار. فعلوه ويواصلون فعله دون حساب، بتواضع. دون أن ينتظروا مقابلا.
لماذا، إذن، كل هذا التحامل ضد عمر ولد بيبكر الذي انخرط في هذا المسار النبيل؟ لماذا شكل هدفا توجه له جميع تلك الطلقات الكثيفة، من كل الجهات...؟
لدى عمر ولد بيبكر خصوصية مبعثها وضعه. فهو ضابط سام، وبالتالي ينتمي للمؤسسة العسكرية التي تقود البلد منذ 1978، مع استثناء فترة سيدي ولد الشيخ عبد الله الوجيزة.
وكما أشرنا لذلك في الجزء الأول من هذه الشهادة، فإن عمر ولد بيبكر؛ بالنظر إلى وضعه ومساره المهني، عاش الأحداث التي يتحدث عنها ، شاهد أموراوسمع ـ دون شك ـ عن أخرى...، لا محالة. إننا ـ إذن ـ أمام شخصية من الطراز الأول؛ إن جاز التعبير، تستند مصداقية ومتانة حديثها على الخصال الإنسانية والمهنية الجمة التي يتحلى بها الرجل. وهذا يزعج. خاصة حين تزف ساعة الحسابات. ذلك اقل ما يمكن قوله. والأكيد أن في الأمر ما يثير اضطراب السكينة ويقض المضاجع بالنسبة لكثير من الناس، خاصة جميع من تلطخت اياديهم بالدماء. لايمكن أن تبقى ضمائرهم مرتاحة. وهذا مفهوم.
علينا أن نمتلك الشجاعة ونقولها عاليا: لسنا في وارد توريط أحد. ولا نبحث عن أي انتقام. لكن حين يتم تدوين ذلك، لابد ـ أيضا ـ أن نكون قادرين على أن نسمع أنه أنه من المستحيل؛ وهذا من باب الحرص على مصلحة البلد، دفن ملف الإرث الإنسانيهكذا، فجأة وبجرة قلم؛ كما دفن؛ من قبل، مئات المواطنين السود ممن أبيدوا في جهات البلد الأربع. . يتعلق الأمر بمعالجة الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في وضح النار. حتى لو حاولنا التكتم عليها، فإن الأخبار الوطنية (مبعدون عائدون تركوا مثلالنفايات في وطنهم، إحصاء تمييزي، أراض في الجنوب يتم سلبها يوميا) لا بد أن تذكر بتلك الجرائم وتحفزنا على الحديث عنها.
إن تلك الجرائم تولد تساؤلات، رهيبة لكن يستحيل القفز عليها، ولا بد من الإجابة عليها يوما من الأيام. من قتل ورحّل؟ ومن، في مختلف دوائر القرار بالدولة، أمر بتنفيذ المجازر وعمليات ترحيل السود الموريتانيين..؟
من قُتلوا؟، في أية ظروف، وأين تم دفنهم؟ ماهي الممتلكات(كل الممتلكات) التي تم سلبها أثناء الترحيل، إلخ. المسألة مسألة إحقاق العدالة. عدالة لا تسبعد، بالضرورة، العفو؛ إن عبر الضحايا، بحرية، عن إرادتهم في الصفح.
ينبغي أن تتخذ إجراءات صائبة ومستدامة من طرف الدولة من أجل استحالة تكرار مثل تلك الجرائم في البلد. إن قول ذلك ليس، بالتأكيد، "تحريكا للسكين في موقع الجرح"؛ فالجرح لا يحتاج ذلك لأنه ما زال مفتوحا. وتأكيد ذلك يعني، ببساطة، السعي لإرساء ظروف العدالة الصحيحة.
ضمن امتداد معالجة ملف الإرث الإنساني في كافة أبعاده، ستكون المسالة إطلاق نقاش وطني؛ بعد تحضيره بدقة، سبيلا إلى ضمان حسن سيره. نقاش وطني ينبغي أن يكون جامعا، بمعنى أنه يجب أن تدعى له كل الأحزاب، المنظمات، الهيئات غير الحكومية، والشخصيات المستقلة...
كل القضايا التي تهيكل العيش معا يجب أن تناقش: تعايش مجموعاتنا، الرق، تسيير وتوزيع الموارد الاقتصادية، الأسس المؤسسية لبناء دولة القانون حول مبدأ فصل السلطات الثلاث، إلخ. بذلك يمكننا التوجه نحو بناء أمة قابلة للحياة كما عرفها بيير نورا الذي يمنحها ثلاثة معاني: 1) "معناها الاجتماعي: شعب يعيش في ظل نفس القوانين، يتواجد على نفس الإقليم وينتمي لنفس الهوية"؛ 2) "معناها القانوني: جمع من المواطنين المتساويين أمام القانون وتحكمهم سلطة سيادية". 3) "معناها التاريخي، الأهم: تجمع يوحده شعور باستمراريته، ماض متقاسم، مستقبل مشترك، موروث ثقافي يتم تناقله".
عندما نحلل، بكل موضوعية، وضع البلد على ضوء هذا التعريف للأمة؛ لابد أن نلاحظ بكثير من المرارة أننا بعيدون جدا عن إكمال تلك الأسس.
ولعل ما نجح فيه العقيد عمر ولد بيبكر هو كونه؛ وذلك ما لم يسبق لشخص من مرتبته أن فعله قط؛ قام بتحيين جميع تلك المسائل بجلاء، إذ لم تثر ـ أبد ـ بشكل تشاوري، وما تزال تثقل البلد. إن انضمام العقيد عمر ولد بيبكر لصفوف الموريتانيين والموريتانيات الذين امتلكوا الشجاعة والبصيرة وبعد النظر لتسمية الظلم والتأكيد، بصوت عال، على أن موريتانيا متنوعة ومتعددة، فهذا ما يجب تثمينه وتشجيعه. حين يحل اليوم الذي لا مناص منه، يوم يتوجب الجلوس لمناقشة ماضي وحاضر البلد بهدف بناء موريتانيا الغد، سيكون حضور وصوت رجال ونساء مثل العقيد عمر ولد بيبكر تزكية كبرى، وفرصة أكيدة للتوصل إلى حلول تؤمن البلد. أجل.. تحية إكبار للعقيد عمر ولد بيبكر، إبن البلد الشريف. تحية إكبار لجميع الموريتانيين والموريتانيات من أمثاله. ويوم يشكلون جمعا معتبرا سنرى موريتانيا المشعة، العادلة، القائمة على المساواة والديمقراطية. موريتانيا فخورة بتنوعها وتعددها المثري. |