مخاطر الخلافات الاجتماعية/اسغير ولد العنيق |
الخميس, 13 فبراير 2014 16:44 |
من اجل الرقي والتقدم والازدهار تحتاج الأمم والشعوب في بناء مستقبلها لتنمية شاملة لكل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية ،والتنمية بمفهومها الشامل والكبير تحتاج هي الأخرى للاستقرار الذي يعتمد في الدرجة الأولى على وحدة وطنية قوية ولحمة اجتماعية صلبة وسليمة، لتكوين القاعدة التي تشكل أسس ونقاط الارتكاز الأولى للبناء الصلد المقاوم لعاتيات الزمن، من عوامل تعرية المجتمعات ذات الطبقات الاجتماعية هشة التكوين وضعيفة المقاومة لعناصر التعرية المتمثلة في (الصراعات الطائفية،العرقية،القبلية،الإتنية،الانقسامات السياسية السلبية،الصدوع والتشققات الأهلية والحروب العنصرية)، كل هذه العوامل والمسببات تبقى عناصر نشطة قابلة للاشتعال في أي وقت، ومن أكثرها نشاطا وحيوية لإلحاق الضرر بالنسيج الاجتماعي،ممارسة العبودية الناتجة عن القراءة العكسية للأحداث والوقائع التاريخية وتأويل الدين لخدمة المصالح .
إن الأسس المشتركة عند منظري علم الاجتماع تؤكد أن تأثير البنية الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع هو الذي يحدث الصراعات داخله، حيث يرى ابن خلدون أن الانقسامات (التصدعات) تكمن وتنتج من البيئة الاجتماعية المتسمة بالتمايز في العمران ،بينما يميل المفهوم الماركسي إلى أن أسباب الانقسام في المجتمع تعود للتفاوت الطبقي وبالتفاوت في المكان والتراتبية الاجتماعية والثقافية يقول فيبر.
إن تطور التصدع الاجتماعي يؤدي حتما للانقسام في الحقل السياسي لأن الخلافات الاجتماعية تشكل التربة الخصبة لنمو التصدعات السياسية السلبية على لمجتمع (بغض الفئة للأخرى،الكراهية ،الحقد)كما أنها نتيجة حتمية لتطور الانشقاقات الاجتماعية من مرحلة الكمون أو السبات إلى البروز السياسي، وقد تتخذ هذه التطورات أشكالا مختلفة للتعبير عن رفض الفئة للواقع المفروض عليها كمجموعة فئوية تعاني الأمرين التمييز اللوني و الظلم الممنهج والمطور عبر المراحل الزمنية وحسب الحاجة تتطور أساليب ممارسة العبودية، التي نعيش في حاضرنا كما عاشها أجدادنا في الماضي،رغم نمو الوعي واتساع دائرة المطالبات وتعدد ونشاط المنظمات الحقوقية المطالبة بإنهاء هذه الظاهرة ، ورغم مساهمة قادة ومنظري هذه الشريحة الاجتماعية وسيعيهم في إيجاد الحلول المناسبة و السلمية . تمثل الأحزاب السياسية في الغالب نموذجا للشرخ الاجتماعي الطائفي والإتني حيث تعبر في مرحلة تالية ومتقدمة عن هذا التحول (تحول التصدع ألاجتماعي إلى انقسام سياسي) خاصة أنه يساعد في تهيئة التربة للتفكير في ضرورة الحصول على أدنى مستوى من القدرة على التحكم في التنظيم الداخلي للفئة الاجتماعية، حيث يمكنها من العمل على تعبئة أفرادها حول مصالح معينة تتميز بخصوصيتها ومن ثم يكون من السهل إيصال الفكرة لتشمل أفراد المجموعة ليتكون لديهم نفس الإحساس والشعور بوطأة المظلمة ومخلفاتها (العبودية) وبالتالي تتبلور هوية جماعية تدفع أفراد المجموعة لحماس زائد لانتزاع المزيد من الحقوق الضائعة والمسلوبة ، الشيء الذي يفرض وجود قيادات ونخب داخل المجموعة نفسها تقوم بمسؤولية الموجه المدافع عن المصالح المشتركة للمجموعة لدفع عجلة المشروع إلى الأمام، تستغل القيادة في ذلك حماس وتعاطف وطموح وتطلع الطبقة و رغبتها في التغيير حتى ولو اقتضى ذلك التضحية بالنفس. قد يؤدي هذا لاحقا_ بل لابد وأن يؤدي حتما في يوم ما ومهما كانت العوائق و محاولات تجزئة الشريحة _ إلى انخراط أعضائها جميعا واشتراكهم في الفعل الجماعي الصراعي العنيف ضد مجموعة اجتماعية أخرى أو السلطة أو أي اتجاه سياسي آخر من اجل تحقيق الأهداف ورفع الظلم.
إن الظلم الممنهج والموجه ضد شريحة معينة يؤدي لتقسيم المجتمع إلى مجموعات اتنية تختلف في موقفها ودرجة ولائها للدولة، وعلى أساس هذا التقسيم يستقر نسبيا التصويت للأحزاب على تلك المعايير التي تكرس فكرة الانقسام المستمر والصراع المستديم داخل نفس المجتمع، نتيجة لأن الطبقية والذاتية والنظرة الاستعلائية والدونية تؤدي إلى حصر كل مجموعة وانعزالها عن الأخرى، وقد يعتاده المجتمع ويستمر لفترة كسلوك انتخابي ديمقراطي، لكن مهما كان الحصيلة فالعواقب وخيمة وخطيرة. نفس الخطورة يظلل شبحها إذا ما تعلق الأمر بملف القومية الزنجية (المبعدين وملف الإرث الإنساني)وإن قبلنا بالمصارحة مع النفس، نقول بأن التصدع داخل مجتمعنا يزداد يوما بعد آخر، مشكلا لوحة سياسية قاتمة ومخيفة لا تبشر بأفق الوحدة التي يسعى البعض منا لتحقيقها ،فالخريطة الانتخابية للأفراد وانتماءاتهم الحزبية، تعكس عمق مستقبل الخلاف وحتمية نشاط البركان الكامن الذي يجلس على فوهته منذ فترة غير قصيرة مناضل وزعيم منذ بداية الوعي المدني (التمدن)ورغم التمايز الكبير والإقصاء والغبن ضد هذه الشريحة ورغم الإحساس الذي حصل عند طليعتها بكل أشكال الظلم ظل هذا الرجل يهدأ الأوضاع و يسوق القضية آملا في إيجاد الحل السلمي الذي يحافظ على الوحدة والترابط، فهذا الجهد الذي ربما لا يقدره الكثير من المجتمع، خصوصا الفئة المسيطرة على منابع الرق والمتحكمة في السلطة والمستأثرة بخيرات البلد لنفسها، بعضها يسفه هذا الجهد و الآخر يتجاهله وكثيرون يقللون من شأنه وأهميته، وهناك من يظن أنه اتخذ من أجل الحصول على مزايا ومكاسب مادية، حيث يصف البعض، المناهضون للعبودية بسماسرة للخارج وقد يندم هؤلاء وألئك وحين لا ينفع الندم على تفريطهم وتساهلهم وتغاضيهم عن حل المعضلات، التي ظل هذا المناضل يدعو لحلها في جو سلام وسلم أهلي يحافظ على وحدتنا القومية والدينية وعلى تنوعنا الثقافي وخصوصية كل منا ،فالنغتنم الفرصة قبل فوات الأوان وليس كل أفراد الشريحة كمسعود ولد بلخير في الحرص على الوحدة والإخاء والحفاظ على البلد من ويلات الصراعات الطائفية، ولشعبنا في ذلك تجربة مرة وأليمة الكل يتذكرها -لا أعادها الله علينا- الهزات العنيفة التي سبق وأن عشناها بين قوميات ومكونات شعبنا بذورها مازالت تطفوا على السطح كل يوم ويكفيها أبسط الأسباب (أحداث الجامعة السنة قبل الماضية وكيهيدي السنة المنصرمة والمناوشات ضد العبودية والحدة في الخطاب والخطاب المضاد وأحياء النعرات الفئوية والعرقية كلها بوادر لاحتكاك اجتماعي وشيك متعدد الأبعاد والأطراف. إن مصدر التصدع الاجتماعي هو الانقسام بين المجموعات الاجتماعية الناتج من التباين في الموقع الاجتماعي والمصالح الجماعية والفردية ثم الاختلاف في الخصائص العامة ،وتتعدد المصادر المسؤولة عن التصدع إلى مستويات مختلفة اجتماعيا، فهي تنشأ من دوائر انتماء متعددة :المراتب الاجتماعية، اللغة ،الثقافة الإجمالية لفئة من السكان، العرق ،السلالة، الدوائر الاجتماعية المعزولة، ولهذا أهمية منهجية لصياغة المفاهيم الإجرائية والمؤشرات الدالة على التصدع وطبيعته ومستوياته ومظاهر التنوع في النشاط الاجتماعي والسياسي والمجال الذي يدور حوله الصراع الذي تنقسم على أساسه الجماعات.
|