بصفتي من أهل المنطقة"المشروع" أعتقد أن هذه هي حقيقة ما جرى |
الاثنين, 03 مارس 2014 20:17 |
في حي المشروع بتيارت قرب مخبزة ولد سبرو بالعاصمة انواكشوط يوجد مسجد صغير ولكنه يستوعب مرتاديه من حينا الشعبي الذي أقيم فيه، شيد المسجد بجهد بعض الخيرين حوالي 2004 على قطعة أرضية لم يسمح تخطيطها واتجاه مساحتها بتوجيه البناية نحو القبلة؛ لذا كان الحل أن يكون المحراب في زاويته تكيفا مع الضرورة ويتساوق الصفوف تصاعديا ثم تنازليا بحكم اتجاه القبلة وضوابط القطعة التي شيد عليها مسجدنا المبارك. وإن كان أغلب المصلين خارجه يعفون أنفسهم من استقبال القبلة ويصلون إلى وجهة البناء. يقع المسجد على شارع فرعي محجوبا بالبنيان عن الشارع المعبد، ومئذنته قصيرة، وزاد من قصرها أن بينه وبين الشارع (الفوقاني) بناية من طابقين. لذا يصعب على غير السكان أو زوار الحي الانتباه إليه. إمام المسجد هو الأستاذ محمدن ولد محمد سالم، رجل فاضل هادئ ضليع شفع العلوم الشرعية واللغوية في نسختها المحظرية بشهادة جامعية. أما مؤذنه الحالي فشاب غيني قد يستنيب صديقا له من بني وطنه. جرت العادة أن يُدَرِّسَ الإمام طلابه بين المغرب والعشاء في غرفة تقع خلف المسجد وتصعب مراقبته منها (أحرى مراقبة الشارع) وقد ينضم إليهم من يريد الاستفادة من غير الطلاب، وقد يبقى بعض المرابطين في المسجد بانتظار العشاء، وقد يخلو المسجد.. كل ذلك قد يقع.
قبل مدة وجيزة جئنا لصلاة الجمعة ففوجئنا بآخر ما يمكن توقعه في المسجد؛ مستخرجات من مستودع مرحاض ألقاها شرير أو أشرار بباب المسجد. يومها ركز الإمام في الخطبة على حرمة المسجد ومكانته الشرعية وتجريم تدنيسه وتقذيره. ونسينا الأمر حتى الليلة الماضية. بعيد صلاة المغرب من الليلة البارحة ألقت جماعة من التبليغيين حلت بمسجدنا المذكور منذ ليال بيانها الختامي إيذانا بانتهاء مهمتها به، وانصرف الإمام وطلابه إلى غرفة التدريس، وغادر باقي المصلين إلى حال سبيلهم، ويبدو أن المسجد بقي خاليا ومفتوحا مضاء على غير عادته! وحين حان أذان العشاء جاء نائب المؤذن إلى الإمام حاملا مصاحف شريفة قال إن أطفال الكُتَّاب الذي يضمه المسجد وجدوها مرمية عند الميضأة (وليس داخل مرحاض، وليست محرقة) لم تبد بشاعة الأمر على حقيقتها للوهلة الأولى لأن الأوراق الممزقة أعيدت بشبه عناية بين دفتي كل من المصاحف الشريفة، ولم يبد إلا أن متسللا حاول اختلاسها فعاجله دخول المؤذن المساعد فألقاها ونجا بجلده. ولكن حين حانت الصلاة كانت نظرة واحدة على تمزيق أوراق المصاحف الملقاة على المنبر تبعث على اليقين بأن وراء الأكمة ما وراءها. كانت الأخبار شحيحة إلا ما كان من مراهق أفاد بأن سيارة توقفت أمام المسجد قبيل أذان العشاء وولج أحد ركابها المسجد فيما بقي آخرون على الباب يستعجلونه ثم خرج إليهم وانطلقوا مسرعين. أحد الحاضرين اتصل بالرئاسة مشعرا إياها بالأمر وفعلا تحدث الرئيس بعيد الحادث إلى الإمام وطمأنه على أن البحث عن الفاعل –أو الفاعلين- سيجري وسينال من ثبت تورطه جزاء وفاقا. ويبدو أن الرئاسة أشعرت الجهات المعنية فتحول حينا الهامشي إلى مورد للمسؤولين من أمثال وكيل الجمهورية وحاكم تيارت وعمدتها ومسؤول في جهاز الشرطة القضائية وتولت المفوضية المعنية الجانب المتعلق بها من الموضوع. وأوفد التلفزيون الرسمي زوال اليوم (الاثنين) بعثة منه لتسجيل مقابلة مع فضيلة الإمام ربما تبث هذا المساء. انطلق الخبر على الشبكة العنكبوتية بأشكال تعوز الدقة أكثرها. وخلال أقل من ساعتين كانت الجماهير قد خرجت إلى الشوارع مستنكرة (وحق لها ذلك) وبعيد طلوع شمس اليوم كان الأمر قد وصل إلى سقوط قتيل في ريعان شبابه أرجو له رحمة ربه، وجرحى أرجو لهم الشفاء العاجل. وعاث مندسون فسادا في محيط السوق المركزي والأسواق الممتدة جنوبا إلى "وقفة المشاكل" وشمالا إلى إدارة "ماتل" مرورا بنقطة ساخنة.. والبقية تترى. إن من المفروغ منه أن الاعتداء على الوقف جريمة تستوجب التعويض والتعزير، وأن تدنيس كلمة من القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو أي مكتوب يحوي أية مادة ذات قيمة محترمة شرعا بأي لغة كانت وبأي شكل كان تدنيسها وأينما وقع وممن وقع.. ارتداد عن الإسلام وجرم عظيم يستدعي الإنكار وكل أشكال الإدانة، ويستوجب البحث عمن قام به وتقديمه إلى عدالة مستقلة لا تعرف المحاباة ولا الوساطة، لينال جزاء ما اقترفته يداه كما شرعه الباري جل شأنه، وإلا فكلنا شركاء في الجريمة. فكيف والأمر يتعلق بأربعة مصاحف على الأقل، وقف على بيت الله وفي حوزته، ومن طرف أشخاص من صميم هذا المجتمع حسب رواية المراهق التي لا يوجد سواها حتى الآن. لكن ركوب الموجة واستغلال بشاعة الجريمة (أو افتعالها) وإتلاف الأموال والأنفس أمور مدانة أيضا؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة. ومن البديهي في علم الإجرام أن وراء كل جريمة مستفيدا، وهو ما يدعو إلى عدم الاقتصار على الجانب الشكلي للجريمة (على بشاعته!) فبدل التركيز على "من فعلها؟" ينبغي أن نبحث عن جواب السؤال الجوهري: "لماذا فعلها؟" لننفذ إلى لب الموضوع بسهولة ونجد الجواب الشافي عن السؤال الشكلي (من فعلها) علاوة على ذلك. إذا أردنا فعلا تشخيص الداء ومن ثم علاجه الذي يجب أن ينصب على حماية مقدساتنا وأمن مجتمعنا وسلامته ووأد الفتنة التي تطل أفاعيها من مداد بعض المعالجات. وما زال الداء قابلا للعلاج –فيما أرى- إذا أبعدنا هذه الثلاثة (المقدسات والأمن والسلامة) عن المزايدات والاستغلال الرخيص؛ وإلا فالأيام حبلى. هذه هي الحقيقة ما جرى الليلة البارحة بتيارت (ولا يعني هذا أبدا تقليلا من حجم الجريمة) لا كما هوله مدونون وإعلاميون ولا كما أراده متربصون، ولا كما استغله ساسة ومتكاتبون ومندسون. وأبرأ إلى الله تعالى من هؤلاء، ومن أولاء، ومن أولئك.
بقلم: محمدُّ سالم ابن جدُّ .. |