ورأيت اغوانتنامو!!/ مختار بابتاح |
السبت, 22 نوفمبر 2014 17:57 |
بدت الحياة هنا في حي "بوحديده" شرقي عاصمة الملثمين خافتة.. كل شيء يهدأ ويتراخى مع الليل المدلهم.. وكعادته انقطع التيار الكهربائي تماما عن الحي.. كل شيء مظلم شموع الدكان المجاور قد طفئت قبل قليل.. وخشعت الأصوات فلا تسمع إلا أزيزا متقطعا للسيارات.. أنظر من تشققات كوخنا فتقع عيناي على مصابيح بعيدة تتراءى وتتراقص أنوارها الذهبية على شكل حبات سبحة.. أتأملها بتمعن.. وأنا الذي أحمل في رأسي هما لا أدري ما هو: فلا أنا مصاب بمرض ولا أعلم عن مريض في المستشفى ولكن.... هنالك شيء يؤرقني وأعجز عن ذكره إطلاقا.. ويا ليتني علمته حتى أتخلص منه وأستريح.. عبثا أحاول النوم فأعجز يتنازعني النعاس والتعب الجسدي من جهة، والهموم والأحزان المجهولة المصدر من جهة أخرى... أعود إلى الفراش بتلك الهموم التي غلبتها أتعاب الجسم المرهق بالعمل المتواصل ويستلم جسمي لذلك النوم المرعب ذي الكوابيس المخيفة.. أنا في عالم آخر غير عالم الإنسان أنا في كوكب آخر غير كوكب الأرض.. أنا في جزيرة يقطنها بشر لا كالبشر بل لا كالوحوش المعهودة في عالم البشر.. لا أدري متى وصلتها ولا كيف وصلتها ولا من أين قدمت إليها.. ولكنني واقف فيها.. وسط أشباحها.. حتى كلابها تختلف عن كلاب البشر التي توصف هنالك بالأليفة.. أحاول جاهدا أن أرى الدنيا كما هي.. أحاول أن أتلمس إنسان بشكله المعهود، أحاول وأحاول.. ألتفت ذات اليمين فأرى أشباح بشر لم أستطع التمكن من عدد أياديهم ولا عدد أرجلهم فالجميع مربوط في الرأس، ألوانهم برتغالية، ظهورهم إلى الأعلى يحاولون الزحف على رؤوسهم المختلطة بأرجلهم فيعجزون، وألتفت ذات اليسار فأرى وحوشا يتغذون بدماء زواحفهم لا يبتسمون إلا عند صراخ الزواحف التي يتلذذون بإهانتها بكرة وأصيلا. أقطع خطوات عدة علي وعساي أصادف إنسانا قادم من عالم الدنيا فأرى الزواحف تسير على رؤوسها فتنقلب وتسقط، أسمعها وهي تحاول الصراخ لكن أصواتها مبحوحة، أفواهها مكممة، أياديها مقيدة، أحاول عدّ أصابع يد إحدى الزواحف فإذا هي مبتورة تماما، حلت مكانها سلاسل فولاذية صدئة..!! أشعر أنه لا أحد يعلم بقدومي، أرى أن أبناء هذه الجزيرة لم يسمعوا عن الإنسان ولن يتعرفوا عليه في يوم من الأيام، فلي أن أتحرك كيف أشاء وما الذي يضر نملة تسير في حي بأكمله!!.. أتقدم خطوات فأبصر أحد الوحوش يغذي زاحفة برتغالية عن طريق أنفه المزكوم بالروائح الكريهة، تحاول الصراخ فتكمم وتقيء مرات ومرات.. سوف إمسك قلبي المرتجف لهذا المنظر غير المعهود في حياة البشر.. سوف أدور إلى جهة الغابة الأخرى.. أرى الآن بأم عيني زواحف جمعت في صعيد واحد.. نعم في صعيد واحد ألقي بعضهم فوق بعض كأكوام قمامة في مساحة صغيرة جدا.. وأخذ الكلاب ينهشون من أجسادهم والسياط تنهش ظهورهم صرخ أحدهم فانهالوا عليه بالضرب.. أغمي على أحدهم فغرقت الوحوش المخيفة بالضحك المستفز لمشاعرهم.. ماتت ضحية فسمعت الموسيقى الصاخبة ورقصت الوحوش على وقع تلك الموسيقى الشاذة في عالم الإنسان.. تحولت الغابة في طرفة عين إلى أصوات قهقهة تصاحبها صرخات لم تعد الزواحف تتحمل إخفاءها.. تشجعتُ وتماسكتُ هذه للمرة اثانية قلت لا بد أن أتعرف على هذه الضحايا الزاحفة.. اقتربت من أحدهم وقد كشف عن جزء من وجهه بعناء رأيت لأول مرة لحية إنسان تأملته كأني رأيت ابتسامته من قبل سألته: هل تعرف الإنسان؟ ـ أنا في الأصل كنت إنسانا قديما عشت على كوكب الأرض، في بلاد اسمها موريتانيا ومنها نزحت إلى الإمارات فدولة الهند آخر محطة من محطات الأرض تزوجت فيها من سيدة نسيت اسمها أنجبت منها ورحلت إلى هذا العالم.. وإن عدت إلى الأرض فبلغهم سلامي قالها وقد ذرفت عيناه وهو يتحدث عن طفل لم يره منذ أن ولد.. ويتساءل: ـ هل يمكن أن يحل الإنسان بهذه الجزيرة ثم يعود يوما من الأيام إلى الأرض.. بكيت وأنا العاجز عن أي جواب.. سرت خطوات فإذا شبح إنسان يحاول التماسك رغم سنوات التعذيب الطويلة.. بقي فيه من علامات الإنسان صلع في رأسه قلت له: كأنني رأيتك في عالم الأرض فهل تتذكرني؟ ـ قصتي أنني إنسان طفتُ في مشارق الأرض ومغاربها، حتى تحدثت الْـسنةً عديدة من لغات الكوكب الأزرق، ونلت منها شهادات بتفوق عال جدا و لكن أهل الأرض أخرجوني منها وفرقوا بيني وبينهم عذبوني ورحلوني و"باعتني بلادي كما لو كنت قطعة حلوى" ذات يوم كنت في كنف أمي .... أمي..... وبكى وغرق في البكاء دون أن يكمل حديثه.. التفتُ عن يساري فإذا أحد الوحوش يباغتني ويقترب مني بشكله المخيف وسلاحه المدجج الآن بدا يقترب يتبعه كلب جائع، لا بد أنه يستهدفني، من أخبره بوجودي؟!! كلبه يشم يبحث عن صيد.. بدت نظراته مخيفة جدا.. لم أستطع النظر إلى ذلك الوجه الذي يتطاير شررا .. يفزعني ذلك الصدر العريض التفت عنه قليلا فإذا الوحوش قد دارت بي ورفعت عصيها نحوي الكلاب قد اقتربت ولا مست جسدي.. الكلاب تعضني .. العصي تضربني.. فزعت وقمت من نومي وأنا أصرخ وأصرخ، استيقظت الوالدة مذعورة وهي تسمع صرخاتي واستغاثتي: أنقذيني من الكلاب.. أنقذيني من الكلاب.. |