رقصة “الكدرة” الصحراوية.. أهازيج مغربية تتغنى بالخيمة والترحال |
الخميس, 12 سبتمبر 2013 00:40 |
الرباط ـ من سارة آيت خرصة ـ على وقع قرع الطبول، والأنغام المتتالية الصادرة عن “الكدرة” (آلة إيقاعية تشبه الطبلة) المصنوعة من إناء طيني والمغلفة بجلد الإبل المطلي بالحناء، يتهادى الراقصون رجالاً ونساء على ألحان الأغاني التي يرددونها من وحي الثراث الحساني (تراث أهل الصحراء بالمغرب)، وقد تفنن في نظم أبياتها شعراء من أهل القبيلة. فــ”الركيص” (أي الرقص وفق اللهجة الحسانية المحلية) احتفال لا يستقيم إلا وقد نصبت الخيام وأعدت أباريق “أتاي” (الشاي المغربي) وتحلق أهل القبيلة صغارا وكبارا حول الفرقة لمتابعتها وهي تنتقل بسلاسة من لحن إلى آخر، وتتعالى صيحات مغنيها لتضفي على أجواء الصحراء بعدا روحيا فريدا، فيما ينغمس الراقصون في أداء “شطحات” تعتمد أغلبها على حركات الأيادي، وتتغنى بالخيام والترحال. وتعد رقصة “الكدرة” أحد أبرز التعابير الفنية التي يشتهر بها أهل الصحراء بالمغرب، فولعهم بالشعر وإتقانهم لموازينه سواء باللغة العربية الفصيحة أو باللغة الحسانية (لهجة بدوية مشتقة من العربية التي كانت تتحدثها قبائل بني حسان الذين سيطروا على أغلب صحاري موريتانيا وجنوب المغرب بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين)، يجعل من الرقصة مناسبة يبدع فيها المغنون ارتجال الأشعار، حيث يتحلق الرجال في شكل دائري وقد وضع في الوسط قدر طيني غالبا ما يستعمل لحلب النوق وفيه يوضع حليبها وقد غلف بجلد الإبل. وما أن ينطلق أحد العازفين في دق إيقاع مرتجل، حتى يتلوه تصفيق المجموعة، مرددة ما يقوله من أشعار، وفي بعض الأحيان ترد عليه هي الأخرى بأشعار مرتجلة أو بغناء أهازيج من الثرات الحساني القديم. أما “الكارة” فهي “حلقة الرجال” التي يؤثثها رجال يتقنون نظم الشعر ولحنه، مرتدون اللباس الصحراوي والذي يطلق عليه أهل المنطقة “الضراعة” وهو لباس فضفاض واسع غالبا ما يكون بالأبيض أو الأزرق الفاتح انسجاما مع طبيعة مناخ الصحراء الجاف والحار، وقد شدوا رؤوسهم بعصابة يلفونها بطريقة خاصة. وحين يرتفع حماس الإيقاع داخل “الكارة”، تدخلها إحدى “الطفيلات” (الفتيات) وقد التحفت بـ”ملحفة” صحراوية وغطت وجهها على استحياء، لتبدأ في الرقص مستعملة بشكل خاص يديها، وبحركات وئيدة وبطيئة تنتقل الراقصة وسط “الكارة” دون النظر لمن حولها من الحاضرين فيما يتعالى دق الطبول، وتصفيق المتحلقين حول “الكدرة” (الإناء الطيني المغلف بالجلد)، دون أن تتوقف “الطفيلة” (الفتاة) عن تحريك أصابعها بطريقة متقنة، بينما تتهادى يداها يمنى ويسرى في تناغم تام مع إيقاع قرع “الكدرة” الهادئ. طبيعة الصحراء الإفريقية الكبرى، وتنوع قبائلها من طوارق وبدو رحل وقبائل استقرت منذ زمن على أطراف بعض الواحات ومنابع المياه، جعلت الثرات الحساني الصحراوي يختلف من منطقة إلى أخرى، وتتنوع روافده وسط صحراء شاسعة مترامية الأطراف، كانت منذ الأزمان الماضية نقطة التقاء للقوافل التجارية القادمة من جنوب الصحراء في العمق الإفريقي في اتجاه الشمال. لكن رقصة “الكدرة” وما يصاحبها من فلكلور شعبي لباسا وغناء وشعرا يجعل منها أحد أبرز أشكال التعبير التي أبدعها الإنسان الصحراوي، وبها يخرج من رتابة حياة القبيلة، ويحتفي بأفراحه وانتصاراته. (الاناضول) |