تكثف الحديث مرة أخرى مع مرور النصف الأول من شهر فبراير 2016 عن مخاطر تحول الحرب المتعددة الأطراف التي تخوضها قوى دولية وإقليمية على أرض الشام منذ زهاء خمس سنوات في نطاق مخطط إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، إلى حرب عالمية.
هذا الإحتمال طرح بإلحاح رغم سلسلة من التفاهمات أساسا بين موسكو وواشنطن، بعض المحللين يقدرون أن واشنطن أذعنت للضغط الروسي المترجم عمليا على ساحة المعارك والمتمثل في الإنتصارات المتتابعة للجيش السوري وتقدمه على كل الجبهات، آخرون يرون أن واشنطن التي لا تريد التورط بقواتها في حرب جديدة بالشرق الأوسط تناور فتظهر القبول بإفرازات ونتائج التدخل العسكري الروسي لدعم دمشق في حين تخطط وتشجع من خلف الستار على إنغماس أكبر ومباشر لعدد من حلفائها في الحرب الدائرة بسوريا، وبذلك تضرب عصفورين بحجر واحد فهي لن تسمح بإنتصار الجيش العربي السوري على المليشيات التي تقاتله وستجر موسكو إلى حرب طويلة ومكلفة وفي نفس الوقت ستضعف عسكريا وأمنيا وإقتصاديا القوى الإقليمية التي ستدخل بجيوشها الصراع وبالتالي ستكون معرضة لأخطار داخلية سواء من تذمر شعبي أو تعزز قوة أقليات عرقية ودينية ستجد الطريق أسلك لدعم مشاريعها الإنفصالية، وهذا بالتالي يتطابق حرفيا مع متطلبات نجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد في واشنطن من أجل إنشاء ما بين 54 و 56 دولة جديدة في المنطقة على حساب الكيانات القائمة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
إتفاق وقف المعارك
ليلة الخميس إلى الجمعة 11 إلى 12 فبراير اتفقت روسيا والولايات المتحدة على “وقف المعارك” في سوريا في غضون أسبوع بهدف إحياء مفاوضات السلام ووقف نزوح المدنيين.
واثر مفاوضات مكثفة استمرت خمس ساعات في ميونيخ قرر البلدان وابرز حلفائهما على السماح بوصول اكبر “وفوري” للمساعدات الإنسانية للمدنيين.
وأعلن وزير الخارجية الامريكي جون كيري اثر اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم 17 دولة “اتفقنا على وقف للمعارك في كامل البلاد في غضون اسبوع″.
واضاف محذرا “النتائج ستقاس بما سيجري على الأرض (..) وليس بالكلمات التي حبرت هذا المساء”.
واعتبر نظيره الروسي سيرغي لافروف انه على الحكومة السورية والمعارضة “اتخاذ الاجرءات الضرورية” مضيفا “علينا على الارجح ان نستخدم نفوذنا على الاطراف”.
واوضح لافروف ان روسيا والولايات المتحدة ستشرفان على “ترتيبات” تطبيق وقف المعارك مشيرا الى ان هذه الهدنة “ستشكل خطوة اولى” باتجاه وقف اطلاق نار اكثر استدامة.
ويطالب الغربيون بالخصوص بوقف حملة الغارات الجوية الروسية التي تواكب منذ عشرة ايام هجوما واسع النطاق للقوات الحكومية على مواقع المسلحين في محافظة حلب شمال سوريا.
واوضح الوزيران وقف المعارك يشمل أطراف النزاع كافة باستثناء مجموعتي “داعش والنصرة الإرهابيتين”.
ويدعم الغربيون المعارضة السورية التي توصف بالمعتدلة.
وأكد لافروف من جانبه ان مفاوضات التسوية التي ستستأنف يجب ان تجرى “دون انذارات ولا شروط مسبقة”.
وترفض روسيا بالخصوص جعل رحيل الرئيس بشار الاسد شرطا مسبقا للمفاوضات في حين يواصل الغربيون تاكيد انه بوجود الأسد لن يكون هناك حل دائم في سوريا.
وجاء اتفاق ميونيخ بصعوبة وعلى خلفية اتهامات متبادلة وتحذير من حرب عالمية.
ونبه رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في مقابلة نشرتها صحيفة المانية الجمعة 12 فبراير انه “ينبغي إرغام جميع الأطراف على الجلوس الى طاولة المفاوضات بدل التسبب باندلاع حرب عالمية جديدة”.
سوريا وخطر الفوضى
وأعلن دميتري مدفيديف أن الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يبقى في منصبه حتى تحديد شكل النظام السياسي المستقبلي لسوريا. وفي مقابلة مع قناة “يورو نيوز″، أكد مدفيديف انطلاق روسيا في موقفها من ضرورة أن يشارك الرئيس السوري الحالي في جميع الإجراءات والعمليات الجارية في بلاده، أما مصيره السياسي فيعود تقريره إلى الشعب السوري، وهي حقيقة يدركها بشار الأسد تمام الإدراك.
وذكر رئيس الحكومة الروسية أن بشار الأسد أعلن أثناء زيارته إلى موسكو أنه في حال عدم تأييد الشعب له فإنه لن يشارك في إدارة شؤون بلاده.
وشدد مدفيديف على أن موسكو تنطلق من كون سلطة الأسد سلطة شرعية وحيدة في سوريا، وإذا تم “خلعه من هذه الهياكل فستكون هناك الفوضى”. وبهذا الصدد، أعاد رئيس الوزراء الروسي إلى الأذهان الأوضاع المضطربة التي تعانيها بعض دول الشرق الأوسط، بما فيها ليبيا، بعد سقوط أنظمة الحكم فيها.
كما عبر مدفيديف عن رفض بلاده التام لخطط بعض الدول التدخل البري في سوريا، محذرا من أن خطوة كهذه قد تثير حربا حقيقية ومستدامة.
وأضاف: “لا أحد يريد حربا جديدة، فيما أن التدخل العسكري البري لن يسفر إلا عن حرب حقيقية طويلة الأمد”.
وفي توضيح موقف روسيا تجاه الرئيس السوري بشار الأسد أكد أن “روسيا لا تدعم الرئيس الأسد شخصيا، وإنما تقدم الدعم للدولة السورية”.
وتابع: “نحن ننطلق في موقفنا هذا من حقيقة أنه لا يوجد في سوريا في الوقت الراهن أي ممثل شرعي لها سوى بشار الأسد، بغض النظر عما إذا كان هذا يعجب البعض أم لا”.
تأكيدات رئيس الوزراء الروسي اعتبرت كرد على تصريحات أمريكية، حيث أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أعاد في كلمة ألقاها بمؤتمر ميونيخ للأمن، يوم السبت مطالب واشنطن حول الرئاسة السورية، فذكر إنه من غير الممكن إيقاف الحرب في سوريا ما دام الأسد في السلطة.
بريطانيا التي تحيد عن اتباع نفس سياسة إدارة البيت الأبيض ذكرت على لسان وزير خارجيتها فيليب هاموند في بيان ان اتفاق ميونيخ لا يمكن تطبيقه بنجاح الا اذا حدث “تغيير في سلوك” سوريا وروسيا.
وفي بروكسل، دعا وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر التحالف ضد تنظيم داعش إلى تكثيف جهوده في العراق وسوريا لتحقيق “تقدم ملموس″ سريعا. واكد كارتر ايضا ان الحلف الأطلسي الذي رفض حتى الآن المشاركة مباشرة في هذا التحالف، “يدرس إمكان” الانضمام إليه، إضافة إلى أعضائه الذين يشاركون بصفة فردية.
وكرر السعوديون عرضهم نشر قوات على الارض ضد الجهاديين. وقال المتحدث باسم وزير الدفاع السعودي احمد عسيري أن “المملكة مستعدة لتنفيذ عمليات جوية أو برية (…) في إطار التحالف وبقيادة الولايات المتحدة”.
ميدانيا، باتت قوات النظام السوري الخميس على مشارف مدينة تل رفعت، ابرز معاقل الفصائل المقاتلة في ريف حلب الشمالي، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
من جهة أخرى، ألقت طائرات شحن روسية مساعدات غذائية فوق الأحياء التي تسيطر عليها قوات الجيش السوري في مدينة دير الزور في شرق البلاد والمحاصرة من تنظيم الدولة الإسلامية، بحسب المرصد.
القصف التركي
قبل أن يجف مداد إتفاق ميونيخ لوقف إطلاق النار ويوم السبت 13 فبراير أخذت مدفعية الجيش التركي المرابطة على الحدود المشتركة مع سوريا تقصف مواقع وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا التي كانت قد طردت مقاتلي النصرة وداعش منها. ورغم نداءات غربية عدة وجهت لأنقرة لوقف هذا التدخل العسكري واصل الجيش التركي الأحد، لليوم الثاني على التوالي، القصف المدفعي.
ورفض حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري طلب تركيا بانسحاب المقاتلين الأكراد التابعين للحزب من مواقع قرب الحدود تتعرض لقصف من جانب الجيش التركي، مؤكدا عزمهم على صد أي تدخل تركي في سوريا وعدم السماح للنصرة أو داعش بالعودة بل وواصلت قوات الحزب تقدمه بدعم من الطيران السوري والروسي.
ونقلت وكالة رويترز عن صالح مسلم رئيس الحزب قوله إنه ليس من حق تركيا التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، مضيفا أن القاعدة الجوية التي قصفها الجيش التركي يوم 13 فبراير كانت في السابق تقع تحت سيطرة مسلحي “جبهة النصرة”، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، لكن وحدات حماية الشعب الكردية السورية التابعة للحزب تمكنت من انتزاعها منهم قبل أسبوع.
من جانبه أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن قوات بلاده قصفت أهدافا لوحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا وستواصل ذلك، وطالب هذه الوحدات بالانسحاب من المنطقة التي استولت عليها مؤخرا بالقرب من الحدود التركية.
فرص ضعيفة للنجاح
أمام هذه التطورات صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء اجتماع لمسؤولي وخبراء السياسة الخارجية والدفاع في مدينة ميونيخ الألمانية إن الهدنة التي اتفقت عليها القوى العالمية ستفشل على الأرجح. وقال لافروف أثناء كلمته في مؤتمر ميونيخ الأمني يوم السبت إن هناك فرصة “بنسبة 49 في المئة” لنجاح الهدنة المؤقتة بين القوات السورية والمليشيات المسلحة.
وكان وزير الخارجية الروسي قد أعلن في وقت سابق أن التنسيق بين عسكريين روس وأمريكيين يشكل أساسا لحل مشكلات إنسانية في سوريا وشرطا لا بد منه لتحقيق هدنة في البلاد.
وأشار لافروف على هامش فعاليات مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن إلى أهمية ضمان التعاون والتنسيق المستمر بين عسكريي موسكو وواشنطن التي تقود تحالفا دوليا “مع الأخذ بعين الاعتبار أن العسكريين الروس يعملون في سوريا تلبية لطلب من دمشق الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والعضو في الأمم المتحدة”.
وذكر لافروف إن طرح شروط مسبقة للحوار بشأن سوريا، “يعد استفزازا”. ودعا إلى عدم “شيطنة” دور الرئيس السوري بشار الأسد فيما يتعلق بالأزمة الإنسانية في سوريا، وحمل ما وصفهم بـ “الإرهابيين” المسؤولية عنها.
واشار لافروف إلى أنه على الرغم من نجاحات معينة تم تحقيقها في مواجهة تنظيمات إرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة، إلا أن محاولات تشكيل جبهة فعالة مناهضة للإرهاب لم تكلل بالنجاح بعد.
وذكر الوزير الروسي أن من أبرز أسباب هذا الوضع “عجز بعض الدول عن ترك القضايا الثنائية جانبا، وبقاء حسابات لاستغلال ما يجري في محاولات للإطاحة بأنظمة حكم، وتحقيق مطامح جيوسياسية أخرى”.
الفائزون والخاسرون
يقول محللون أنه مع تراكم التحركات المتباينة للأطراف التي تتدخل في سوريا تعززت مؤشرات قوية جدا عن قرب إحتمالية إندلاع صدام عسكري تركي روسي شمال سوريا.
ونقلت تقارير روسية ظهر الأحد 14 فبراير معلومات عن قصف القوات التركية لمحيط قاعدة عسكرية روسية شمالي سوريا بعد قصف معسكر سوري تواجدت فيه ميليشيات حزب العمال الكردي.
في هذه الأثناء طلبت الخارجية الروسية في تطور لافت من المواطنين الروس المتواجدين في تركيا مغادرتها.
وترجم التوتر نفسه بعد ظهر الأحد عندما إستعرضت طائرات تركية وأخرى روسية قدراتها وطارت على إرتفاع منخفض فوق المناطق الحدودية.
بينما ذكرت مصادر تركية أن قوات الجيش السوري، أطلقت قذائف هاون، على منطقة مخفر، جالي بوغازي، بولاية، هطاي، الحدودية مع سوريا جنوبي البلاد، مضيفة أن القوات المسلحة التركية، ردت بالمثل، في إطار قواعد الاشتباك.
في لندن كتب المحلل السياسي باتريك كوبرن يوم الأحد 14 فبراير مقالا في صحيفة “الاندبندنت” حول مكاسب وخسائر الأطراف التي شاركت في اتفاق وقف اطلاق النار في سوريا.
يقول الكاتب إن اتفاق ميونيخ جعل من الواضح أن روسيا قد عادت إلى الساحة الدولية كقوة عظمى. فالتدخل الروسي يعني أن الرئيس بشار الأسد لن يخسر الحرب، ومن الصعب معرفة ما يمكن أن تحققه قوات المتمردين بمفردها ضد الجيش السوري الذي تدعمه روسيا وحزب الله.
يقول الرئيس بشار الأسد أنه سيسعى لتحقيق النصر، لكنه من غير المتوقع أن تقبل الولايات المتحدة وحلفاؤها بالهزيمة الكاملة، على حد قول الكاتب.
ويرى الكاتب أن التدخل الروسي قلب الموازين في سوريا لصالح الجيش السوري وأن هذا لا يمكن تغييره دون التدخل المباشر للجيش التركي.
ولكن حتى هذا قد يكون متأخرا فقد قطع الجيش السوري الطريق بين حلب وتركيا. واقترب السوريون والروس من عزل شمال سوريا عن تركيا بنوع من الاتفاق الصامت مع الأكراد الذين يتقدمون من الشرق.
ويرى الكاتب أن تركيا والسعودية لم تعد لهما السيطرة السابقة على السياسة الغربية بشأن الموقف في سوريا بعد أن تبين أن القوات الموالية لهما ليست قادرة على الانتصار وعلى اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
وكان تدفق اللاجئين على اوروبا وهجمات باريس سببين رئيسيين في عدم قدرة الغرب على احتواء الموقف في سوريا.
ويقول الكاتب إنه كانت هناك أخبار دعائية عن قيام روسيا بقصف العناصر المعارضة المعتدلة فقط، لكنه ينفي ذلك ويقول إن روسيا كانت تقصف كل الجماعات المسلحة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام.
وكانت تلك دعاية ملائمة ترددها المعارضة “المعتدلة”.
ويقول الكاتب إن الطريق إلى نهاية الحرب لا تزال طويلة، لكن من الواضح أنه لن يكون هناك تغييرا جذريا في الحكم في سوريا.
ويختتم الكاتب المقال بقوله إن مراقبين تنبأوا أن روسيا ستندم على دخول الحرب في سوريا لكن من الواضح الآن أنها قد أصبحت تملك قرار من يفوز بتلك الحرب.
تل أبيب
يشير عدد من الملاحظين أنه إذا اعتبرنا أن حكومة تركيا هي أحد كبار الأطراف الخاسرة في الحرب الدائرة على الأرض السورية خاصة وأنها كانت تريد إحياء نظام الإمبراطورية العثمانية، فإنه يجب وضع إسرائيل في نفس الخانة من التصنيف حيث أنها تعتبر هزيمة المليشيات بما فيها داعش ضربة لمصالحها وأمنها وتعزيزا لحزب الله الذي أصبحت عاجزة عن ضرب قوافل تموينه من الأراضي السورية. ويسجل الملاحظون أن تل أبيب تلعب نفس ورقة واشنطن في تأليب أطراف ضد أخرى في المنطقة لإضعاف الجميع وجني المكاسب لنفسها كقوة مؤثرة وكبيرة في المنطقة.
يوم الأحد 14 فبراير كتب الخبير الصهيوني والمحلل اليكس فيشمان في صحيفة يديعوت أحرونوت:
لخمس سنوات وإسرائيل تجلس على الجدار حيال ما يجري في سوريا، تستمتع بوضع السير مع والشعور بدون: لا تتدخل بيد فظة، ولكن تهتم وتنبش قليلا، ولا سيما في ما يجري على حدود الجولان. هذا آخذ في الانتهاء. ليس بعيدا اليوم الذي ستضطر فيه إسرائيل إلى النزول عن الجدار واسماع موقف علني وواضح في المسألة السورية. ومن ناحيتها فان المسألة السورية ليس فقط من يجلس في دمشق بل وبالأساس من يجلس في هضبة الجولان، من هي القوات التي ستنتشر هناك، في أي ظروف، تحت أي اتفاقات وماذا سيكون تأثير روسيا وحزب الله في هذه الجبهة.
عيون العالم تتجه الآن نحو المعارك التي يخوضها الجيش السوري، بمساعدة روسية، حول مدينة حلب. فللمعركة في هذه الجبهة سيكون تأثير حاسم على وضع المعارضة وعلى مصير نظام الاسد. لقد تحدث الأسد في نهاية الاسبوع عن استمرار القتال، رغم الإعلانات عن بدء محادثات مع المعارضة ووقف للنار، إذ أنه يوجد في حالة زخم في مركزها محاولة استعادة الحكم في المدن الاربعة الكبرى: دمشق، حلب، حماة وحمص. عودته إلى المدن الكبرى ستعيد له السيطرة على سوريا كدولة.
إلى جانب الجبهة الأساس في حلب ادلب في شمال سوريا، يجري جهد ثانوي، سوري روسي في جنوب سوريا. فالجيش السوري يقترب الآن من مدينة درعا، ويهدد بمحاصرتها. أما من ناحية إسرائيل فان هذا الجهد الثانوي هو القلق الأساس. فدرعا باتت عندنا، في الساحة الخلفية.
اذا عاد الجيش السوري إلى درعا فستكون هذه هزة أرضية، الحجر الحاسم في الدومينو الذي سيسقط الواحد تلو الآخر معاقل قوات المعارضة التي تسيطر اليوم على معظم هضبة الجولان.
يستهدف الجهد السوري الروسي في جنوب سوريا السيطرة على محور دمشق درعا. الجيش السوري، نجح في أن يحتل حتى الآن بلدتين أساسيتين على المحور: الشيخ مسكين وعثمان. وبالتوازي، سيطر الجيش السوري مجددا على إحدى القواعد المركزية في المنطقة، والتي كانت تعود للواء 82 السوري والتي مكثت فيها قوات المعارضة حتى الآن. إذا سقطت درعا في أيدي الجيش السوري، فان كل الفكر السياسي الإسرائيلي في سوريا سيكون تحت الاختبار.
بين إسرائيل وروسيا يوجد تفاهم حول العمل العسكري للدولتين في هذه الساحة، وهدفه منع الصدام جراء الاخطاء. واذا لم يكن لإسرائيل وروسيا، منذ الآن، تفاهمات حول مستقبل هضبة الجولان بعد أن يستقر الوضع في سوريا فان السياسة الإسرائيلية تساوي في قيمتها قيمة قشرة الثوم.
اذا لم تكن اسرائيل والولايات المتحدة منسقتين في الموقف الذي ستعرضه الولايات المتحدة في محادثات المصالحة في المسالة السورية، ولا سيما بالنسبة للشروط العسكرية التي ستسود في هضبة الجولان السورية، فهذا ليس مجرد قصورا سياسيا بل دعوة لمواجهة مسلحة. فالامين العام لحزب الله وانصاره لا يخفون نيتهم لتوسيع الجبهة حيال اسرائيل: من البحر المتوسط وحتى جنوب هضبة الجولان. لقد هاجمت اسرائيل حتى اليوم كل محاولة من حزب الله للسيطرة في هضبة الجولان وأخذت عن وعي مخاطرة التدهور الى مواجهة شاملة في جبهة لبنان.
اذا لم يكن لاسرائيل تفاهما مع القوى العظمى حول الجولان، فلا يوجد سبب يمنع الا يصل في اعقاب الجيش السوري الى هذه الجبهة رجال حزب الله. تماما مثلما يوجد سبب يبقي اتفاقات الهدنة وفصل القوات التي سادت في الحدود السورية حتى اندلاع الحرب السورية على حالها كما كانت في الماضي.
تنسيق تركي إسرائيلي
تؤكد مصادر رصد في عدة عواصم أوروبية أنه تم تعزيز التنسيق التركي الإسرائيلي فيما يخص الأزمة في بلاد الشام، وأن الجيش الإسرائيلي قام منذ أكتوبر 2015 بتعزيز برامج دعمه للقوات المسلحة التركية التي لم تتوقف رغم أزمة الأسطول التركي إلى غزة قبل سنوات. وتفيد هذه المصادر أن أنقرة حصلت على 6 طائرات بدون طيار من أحدث أنتاجات صناعة الطيران الإسرائيلية طراز سوبر هيرون ومعدات تشويش على الرادارات سواء الأرضية أو الجوية وأخرى لتضليل الصواريخ المضادة للطائرات.
يشار أن وكالة فرانس برس ذكرت يوم الأحد 14 فبراير أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أكد لمسؤولين يهود أمريكيين عزمه على تحسين العلاقات مع إسرائيل وقال أن محادثات بهذا الشأن تجري في جنيف.
وكانت تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، حليفة قريبة لإسرائيل. إلا أن العلاقات بينهما توترت في 2010 بعد اقتحام القوات الإسرائيلية لسفينة مساعدات تركية كانت متجهة إلى قطاع غزة. ولكن تبين في ديسمبر 2015 أن الجانبين التقيا واجريا محادثات سرية لإعادة العلاقات العلنية الودية بينهما.
أفول نجم أمريكا
يوم الأحد كذلك سلط الإعلام الإسرائيلي الأضواء على مؤتمر ميونيخ، وتراوحت التحليلات بين التوجس والتخوف والقلق من الدب الروسي، وبين اتفاق التنسيق الأمني، الذي تزعم تل أبيب أنه تم التوصل إليه بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عشية قيام موسكو بتقديم المساعدة العسكرية لحليفتها الإستراتيجية، سوريا، علاوة على ذلك، شدد المحللون للشؤون السياسية والأمنية في وسائل الإعلام العبرية في سياق تقاريرهم على أن مؤتمر ميونيخ، شكل ويشكل علاقة فارقة في الحرب الباردة الثانية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين روسيا، في ظل فرض روسيا الوقائع على الأرض، وتحولها إلى أهم لاعب في منطقة الشرق الأوسط، على ضوء أفول نجم أمريكا كليا من المنطقة.
ومن الجدير بالذكر، أن محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، أكد قبل عدة أيامٍ، نقلا عن مصادر رفيعة المستوى في تل أبيب، قولها إن التواجد الروسي في سوريا سيستمر طويلا، وأنه يتحتم على كل دولةٍ تخطط للعمل العسكري في بلاد الشام أن تفكر مرتين، بسبب الرد الروسي الذي لن يكون متساهلا، كما قالت المصادر عينها.
د. رونين بيرغمان، الذي يعتبر مرجعية في الشؤون الأمنية في الدولة العبرية، اعتبر يوم الأحد 14 فبراير، أنه تم يوم السبت الإعلان رسميا ومن على المنصة في ميونيخ عن بدء الحرب الباردة الثانية. وتابع قائلا، في تحليل أرسله لصحيفة “يديعوت أحرونوت” من المؤتمر، إنه لم يجد أي قضية أو موضوع لم يتخاصما حوله الروس والغرب، إذ أن كل طرف يتهم الطرف الآخر، وهكذا دواليك، على حد وصفه. وتابع قائلاً إنه من المؤتمر في ميونيخ لم نسمع سوى الأخبار السيئة، الأمر الذي يدخل الإنسان العادي إلى حالة من اليأس، على حد وصفه.
وشدد د. بيرغمان على أنه إذا أراد هذا أو ذاك أن يعرف بأن الروس يعملون ما يشاءون، ما عليه سوى الاطلاع على اتفاق وفق إطلاق النار في سوريا، الذي تحول إلى ورقة بيضاء بعد التوقيع عليه، لأن موسكو ليست معنيةً بوقف إطلاق النار على وقع الانتصارات التي تحققها في سوريا مع الحلفاء من الجيش السوري وحزب الله.
ونقل د. بيرغمان، عن مصادر استخباراتية غربية وأمريكية تحديدا قولها إن اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا سينهار كليا خلال عدة أيام، ومن الناحية العملية، أضافت المصادر عينها، لم يكن منذ البداية هناك أي احتمال لنجاح الاتفاق، الذي تم التوقيع عليه عشية بدء مؤتمر ميونيخ لإضفاء جو من الارتياح على المؤتمر. ونقل المحلل الإسرائيلي عن مصدر غربي آخر قوله إن الاتفاق يظهر كم أن وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، هو إنسان ساذج وبسيط، الذي اعتقد أنه بإمكانه إقناع الروس بوقف إطلاق النار في سوريا.
وساق قائلاً إن الاتفاق يتيح للروس والأمريكيين تحديد الأهداف الي يمكن ضربها، وتلك التي يجب الامتناع عن ضربها، مشددا على أنه قبل أن يجف الحبر عن الاتفاق استمر القصف الروسي بدون توقف. ونقل عن مصادر في المخابرات البريطانية والأمريكية قولها إن الروس والسوريين وحزب الله لم يتوقفوا ولو دقيقة واحدة عن القصف.
وبحسب د. بيرغمان، فإن اتفاق وقف إطلاق النار هو التوقيع الرسمي والنهائي للفشل الأمريكي الكامل في سوريا، وأنه يتيح للروس مواصلة العمليات العسكرية في سوريا من دون أن تتجرأ دولة أو أخرى على الاعتراض، لافتا إلى أن الجيش الروسي حصل عمليا على تصريحٍ رسمي للعمل العسكري على الأراضي السورية بدون إزعاج.
ولفت المحلل الإسرائيلي إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يتطرق بالمرة إلى مسألة ماذا ستفعل الولايات المتحدة الأمريكية في حال مواصلة روسيا أعمالها العسكرية في سوريا بالرغم من وجود الاتفاق. وخلص المحلل الإسرائيلي إلى القول إنه عندما ستتهم أمريكا روسيا للمرة بعد الألف بأنها تخرق اتفاق أطلاق النار، فإنه لن يحدث أي شيء، كما حدث في المرات السابقة.
في السياق عينه، نقل موقع “ديبكا فايل” العبري عن مصادر سياسية وأمنية في تل أبيب قولها إن تلعثم الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كل ما يتعلق بسوريا سيؤدي في نهاية المطاف لاندلاع حرب بين روسيا ودول في المنطقة، وأضافت المصادر عينها إن سياسة أوباما بالنسبة لما يجري في سوريا تتسم بالارتباك والبلبلة والتلعثم.
الفشل الأمريكي
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أشارت في تحليل لها يوم 13 فبراير، إلى أن “العملية العسكرية الروسية في سوريا تؤدي إلى تقسيم حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط إذ أدركت بعض الدول ضرورة التعاون مع الكرملين بشأن الملف السوري”، لافتةً إلى أن “هذا التطور الجديد يأتي بالمزيد من المشاكل بالنسبة للدبلوماسية الأمريكية التي قد واجهت العديد من المواقف المحرجة بسبب اتخاذ حلفائها الأساسيين في المنطقة مواقف مختلفة جذريا في كل مرحلة حاسمة تقريبا”.
وأوضحت الصحفية أن “الغارات الروسية في شمال سوريا أضعفت قوى المعارضة المسلحة بقدر كبير، فيما يعزز الجيش السوري مواقعه”، مضيفة أن “الدول التي أسهمت بأكبر قسط في الحرب ضد حكومة الرئيس السوري، ولاسيما تركيا وقطر، تضغط على المعارضة السورية لكي لا تقدم على أي تنازلات في المفاوضات، بالتزامن مع مواصلة القتال”.
ولفتت إلى أن “وزير الخارجية المصري سامح شكري قال في مقابلة صحفية إن الجانب المصري يتفهم من مناقشاته مع الجانب الروسي أن التدخل العسكري الروسي في سوريا يستهدف التنظيمات الإرهابية مضيفا أن القاهرة تدعم أي جهود دولية لاجتثاث الإرهاب في سوريا”، مشيرة إلى أن “وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زار خلال شهر فبراير الإمارات، حيث بحث الحملة الروسية في سوريا مع ولي عهد أبو ظبي ومسؤولين إماراتيين آخرين. وفي ختام المحادثات دعا الجانبان إلى إيجاد مقاربة موحدة من أجل إنهاء الحرب وإلحاق الهزيمة بالإرهاب”. وبشأن موقف الأردن، أفادت الصحيفة أن “عمان قد أنشأت مركزا مشتركا مع موسكو للتنسيق بشأن العمليات في سوريا”.
وأشارت إلى أن “السعودية والإمارات قد أعلنتا عن استعدادهما لإرسال قوات خاصة إلى سوريا لمساعدة العمليات الأمريكية الموجهة ضد تنظيم “داعش” هناك، لكنهما لم تلمحا إلى احتمال اتخاذ أي عمل أحادي بدون مشاركة واشنطن”.
حرب تبدو عالمية
جاء في تحليل إخباري نشر في بيروت يوم الإثنين 15 فبراير 2016:
يحتدم النزال في سوريا والعراق. الحرب تبدو عالمية في ريف حلب الشمالي. كل المتقاتلين يصرون على التقدم بلا توقف. الأكراد يتلقون القذائف التركية، فيحظون بغطاء روسي. الجيش السوري وحلفاؤه مصرون على المضي نحو أهدافهم.
ليس بإمكان محور تركيا إسرائيل إعلان الاستسلام أمام التطورات العسكرية السورية. تقدم الجيش السوري، مدعوما بحلفائه، على معظم جبهات القتال. ويقترب من تحقيق خطوة استراتيجية بتطويق الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، وفصل المدينة عن ريفها والحدود التركية.
وهذه المدينة كانت المنطلق الأساسي في الخطط التي يضعها هذا المحور، ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية، لمستقبل سوريا: من إسقاط النظام بالضغط، إلى تقسيم سوريا بالأمر الواقع.
استعادة حلب، أو الاقتراب منها إلى هذا الحد، معطوفة على تقدم في ريفها الشرقي في مواجهة «داعش»، وفي أرياف اللاذقية وحمص ودمشق ودرعا، وضعت الجيش السوري في مسار تصاعدي صار معه منطقيا أن ينسب إلى وزير الخارجية الأمريكية جون كيري قوله إن المعارضة المسلحة ستهزم في غضون أشهر قليلة، بصرف النظر عن صحة نسبة الكلام إلى كيري. مسار تصاعدي سلكه الجيش السوري، ولا يمكن إيقافه سوى بحدث كبير.
ما العمل؟ ليس بإمكان محور إسرائيل تركيا الوقوف مكتوف الأيدي. بدأ التهويل بتدخل بري.
تريد تركيا احتلال جزء من شمال سوريا، بذريعة منع الأكراد من السيطرة عليه، واستكمال وصل كانتوناتهم الحدودية. ويعطف إردوغان قضية “أمنه القومي” هذه على شعار إنساني هو إقامة منطقة آمنة للنازحين السوريين، يدغدغ به رغبات الأوروبيين بإيقاف سيل اللجوء من سوريا إلى دولهم. وبعدما بدأ الأتراك في الأيام الماضية بقصف المواقع التي حررها المقاتلون الأكراد السوريون من سيطرة تنظيم القاعدة وحلفائه، تدخلت الإدارة الأمريكية. كلام نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حمل المعادلة الآتية: فليوقف الأتراك القصف، وسنمنع الأكراد من التمدد على طول الحدود. لكن مقاتلي “الوحدات الكردية” لم يوقفوا تقدمهم، بغطاء جوي روسي.
حرب بدون إنذارات
روجر بويز المعلق في صحيفة “التايمز″ يرى من جانبه أن الحرب العالمية الثالثة بسبب سوريا قد تأتي بدون إنذارات يعلن عنها ويتم تحديها. وعوضاً عن ذلك فقد تتطور الحرب بطريقة تدريجية حيث يحاول كل طرف حماية وكيله المحلي في سوريا ولهذا السبب وضعت تركيا أهمية على حماية ممر أعزاز، المنطقة التي تخدم كمعبر للإمدادات المقبلة من تركيا وتذهب إلى المقاتلين في شرق حلب.
ويتحدث الكاتب عن تداعيات محاصرة المعارضة في شرق حلب، أولها الموقف التركي حيث تراقب أنقرة الوضع بقلق، خاصة أن سياستها في المنطقة تتداعى بسبب الضربات التي تعرض لها المقاتلون المعارضون لنظام الرئيس بشار الأسد. ويشير الكاتب إلى احدى التبريرات التي تقدمها أنقرة لتبرير تدخلها حيث تقول أنه لو سيطر الأكراد السوريون على ممر أعزاز سيكونون في وضع جيد لإنشاء كيان معاد لأنقرة على الحدود الشمالية السورية. وسيناريو كهذا قد يستدعي تدخلا بريا تركيا لمنع حدوث هذا الأمر. وهو ما سيضع حلف الناتو أمام معضلة، فهل سيتدخل للدفاع عن دولة عضو فيه؟.
ويشير الكاتب هنا للعامل الثاني في معادلة حلب وهو الدور الروسي أو “بوتين ضد أردوغان”، فقد عززت موسكو من جهودها لمنع تركيا من تنفيذ سياستها في سوريا ولهذا قدمت أسلحة لخمسة آلاف مقاتل كردي وقام الطيران الروسي بضرب قافلة أسلحة كانت في طريقها للمعارضة السورية في حلب.
وفي حال سقط ممر أعزاز فستساعد روسيا النظام السوري كي يقطع الطريق على الممر الأخير المفتوح للقوى المعارضة بما فيها داعش والنصرة.
إذا كان بعض المحللين يرجحون فرضية تدخل تركي عسكري كبير فإن آخرين يستبعدون ذلك لأن ذلك سيوفر لموسكو فرصة ذهبية لضرب حكومة أنقرة وأردوغان لا يريد أن يثير الجيش التركي عليه إذا تكبد هذا الأخير خسائر كبيرة على يد الروس. وتقول مصادر رصد في برلين أنه خلال لقاءات بين عسكريين أتراك وأمريكيين أبلغ البنتاغون بشكل واضح قيادات الجيش التركي أنه لا يجب ركوب مغامرة عسكرية في سوريا واعتبروا بيان مجلس الأمن الذي طلب من أنقرة احترام القوانين الدولية ووقف أي قصف مدفعي على الأراضي السورية مؤشرا كافيا لمواقف حلفاء تركيا. ويشار إلى أنه ورغم الإنذارات التركية المدعومة من طرف الرياض، واصلت “قوات سورية الديموقراطية” التي تضم مقاتلين عربا وأكرادا التقدم في ريف حلب واقتربت يوم الثلاثاء من المواجهة المباشرة مع تنظيم “داعش” بعد سيطرتها على معقل آخر للمعارضة قرب حدود تركيا بينما يتقدم الجيش السوري على كل الجبهات تقريبا في وقت حذرت فيه أوساط مقربة من السعودية من إحتمال إنهيار كامل وسريع للمليشيات التي تقاتل على الأرض السورية.
المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن والمحسوب على خصوم النظام في سوريا، ذكر أن مفاوضات جرت بين “قوات سوريا الديموقراطية” ووجهاء مدينة مارع لدخول المدينة من دون قتال، بعد أن سيطر التحالف الكردي العربي على بلدة الشيخ عيسى المجاورة لمارع والتي كانت المعارضة قد دخلتها عام 2012 وتقابلها خطوط “داعش” من الشرق.
وهكذا لم يبق أمام الفصائل “الإسلامية” والمقاتلة في مارع سوى طريق واحد من الجهة الشمالية الشرقية يصل إلى مدينة أعزاز الأقرب إلى الحدود التركية، أهم معاقل الفصائل المتبقية في ريف حلب الشمالي.
في موسكو حرص الكرملين على كشف علاقات أنقرة ودول حليفة لها مع التنظيمات المسلحة في سوريا حتى تلك الموصوفة غربيا بالإرهابية. وزارة الخارجية الروسية ذكرت يوم الثلاثاء 16 فبراير، إن تركيا تعهدت بأنها لن تسمح بسقوط بلدة أعزاز السورية لأنها “تقع في خط إمداد تستخدمه أنقرة لدعم تنظيم “الدولة الإسلامية” داعش. الناطقة بإسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا صرحت: “بعض شركائنا ناشدنا حرفيا عدم المساس بممر هو أقصر قليلا من مئة كيلومتر على الحدود السورية التركية حول أعزاز″. وزادت: “من الواضح أن هذا يهدف إلى ضمان استمرار وصول إمدادات يومية لتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية من السلاح والذخيرة والغذاء من تركيا عبر هذه المنطقة وأيضا السماح لها بأن تكون ممرا للإرهابيين الجدد”.
تركيا تتراجع
في مواجهة التطورات على الساحة خفضت حكومة أنقرة توقعات إمكان شن هجوم بري في سوريا عبر ربطها بالتنسيق مع الحلفاء.
وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو صرح إن بلاده والسعودية وبعض الحلفاء الأوروبيين يرغبون في شن عملية برية في سوريا، لكن لا يوجد إجماع في التحالف ولم تتم مناقشة استراتيجية بهذا الخصوص بشكل جدي.
وأضاف أوغلو في مقابلة في أنقرة “بعض الدول مثلنا والسعودية وكذلك بعض الدول الأخرى في غرب أوروبا تقول إن من الضروري شن عملية برية.. لكن توقع هذا من السعودية وتركيا وقطر فقط فهذا أمر غير صائب وليس واقعيا”.
وأضاف “إذا جرت مثل هذه العملية فيجب أن تتم بشكل مشترك على غرار الضربات الجوية للتحالف” وتابع “لم يجر التحالف نقاشا جادا بخصوص هذه العملية البرية. هناك معارضون وهناك من لا يرغبون في المشاركة لكنهم عبروا عن رغبة في أن تقوم تركيا أو دولة أخرى بذلك”.
وحتى الان استبعدت واشنطن تماما اي سيناريو للتدخل على الارض في سوريا.
مسؤول تركي رفيع أكد لوكالة رويترز يوم الثلاثاء 16 فبراير انه من غير الوارد بالنسبة لتركيا ان تنفذ وحدها تدخلا على الارض. وذكر “لن تكون هناك عملية عسكرية احادية تركية في سوريا” مضيفا “لن نقوم باي شيء يكون ضد ارادة التحالف”. وتابع “لكن بالتأكيد من الصعب التكهن ما قد يحصل خلال 10 ايام. في حال تغيرت الشروط يمكن درس خيارات اخرى لكن ليس لدينا مثل هذه النوايا حاليا”.
وردا على سؤال حول الاهداف التي قد تطالها عملية برية اجاب المسؤول التركي “كل المجموعات الارهابية في سوريا”.
واضاف ان هذه المجموعات تشمل تنظيم الدولة الاسلامية ونظام دمشق واكراد سوريا.
دعم لدمشق في مواجهة الناتو
موسكو زادت من ضغوطها ليس عسكريا فقط بل سياسيا حيث لوحت بأن سوريا قد تصبح جزء من تحالف أوسع يعادل عضوية تركيا في حلف الناتو.
وهكذا حذرت منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم روسيا ودولا حليفة، من مخاطر انزلاق الوضع إلى “صدام عسكري مباشر بين دول المنطقة”، مبدية الاستعداد لضم سوريا إليها.
وقال نيكولاي بورديوجا الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تتزعمها روسيا، إن “انتشار الصراع الدائر في سوريا بدرجة أكبر في مناطق قريبة من نطاق مسؤولية منظمة معاهدة الأمن الجماعي يشكل خطرا على أمن أعضائها”. والمنظمة التي تأسست في 2002 تضم كلا من روسيا وأرمينيا وروسيا البيضاء وكازخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، وكانت أعلنت استعدادها لدرس ضم سوريا إليها إذا قدمت دمشق طلبا رسميا بذلك.
عمر نجيب