عبد الباري عطوان
ثلاثة تطورات رئيسية يمكن رصدها على صعيد المشهد السوري عززت موقف الرئيس السوري بشار الاسد وموقعه في قمة السلطة، واضعفت خصومه في المعارضة السورية في الوقت نفسه، وهي تطورات ستكون عاملا مؤثرا في رسم خريطة المستقبل السوري سياسيا وعسكريا:
الاول: تفجيرات بروكسل التي ابرزت قوة وخطر “الدولة الاسلامية” من حيث نجاحها في نقل الحرب الى عواصم الدول الاوروبية، واثبات قدرتها على اختراق القلاع الامنية الصلبة المكلفة بحماية المطارات ومحطات القطارات، وتجنيد خلايا محلية انتحارية، لتنفيذ هذه التفجيرات، وتأكيد وجهة النظر السورية الروسية المشتركة بضرورة اعطاء الاولوية لمحاربة الارهاب، والتسريع في ايجاد حلول سياسية للازمة السورية.
الثاني: بدء حملة الربيع العسكرية في كل من سورية والعراق، ونجاح قوات الجيش العربي السوري النظامية في استعادة مدينة تدمر وقلعتها الاثرية، وتقدم قوات الجيش العراقي المدعومة بقوات البيشمرغة الكردية، وغطاء جوي امريكي في التقدم نحو الموصل.
الثالث: عدم وجود اي نص في وثيقة المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا التي تضمنت 12 نقطة حول مستقبل الرئيس السوري، والتأكيد على علمانية الدولة السورية، ووحدة اراضيها وسيادتها، وهذا يعني انه لن يكون هناك اي دور في مستقبلها، اي الدولة السورية، للجماعات والحركات الاسلامية المعتدلة او المتشددة.
***
وما يؤكد هذه الخلاصة التي ذكرناها في مقدمة هذا المقال، اعلان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي في تصريح صحافي نقلته وكالة انترفاكس الرسمية “ان الولايات المتحدة تفهمت موقف موسكو بأنه ينبغي عدم مناقشة مستقبل الرئيس الاسد في الوقت الراهن”.
هذا التأكيد جاء بعد اجتماع مطول استمر اربع ساعات في الكرملين حضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف من ناحية، وجون كيري وزير الخارجية الامريكي والوفد المرافق له من الناحية الاخرى.
وما يمكن استخلاصه من هذا الاعلان الروسي والظروف المحيطة به، ان ما اعلنه السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري في مؤتمره الصحافي الذي عقده قبل بدء مفاوضات جنيف بيومين من ان “مقام” الرئيس الاسد خط احمر لا يمكن، بل غير مسموح، المس به لانه ملك للشعب السوري هو الذي تحقق، بل تأكد، في ختام الجولة الاولى من محادثات جنيف في الوقت الراهن على اقل تقدير.
تفجيرات بروكسل، وندم الرئيس باراك اوباما على تدخل بلاده العسكري في ليبيا، واتهامه الصريح للمملكة العربية السعودية بنشر التطرف والارهاب في مقابلته مع مجلة “اتلانتيك” كلها مؤشرات تصب في مصلحة بقاء الرئيس الاسد في المستقبل المنظور، وباتفاق وجهات نظر الدولتين العظميين على وجه الخصوص.
اذا تأملنا مسيرة مفاوضات مجموعة فيينا للتوصل الى حل سياسي في سوريا نجد انها تتضمن تراجعات تدريجية عن كل ما جرى التوافق عليه حول المرحلة الانتقالية لمصلحة تعزيز وجود النظام السوري والتسليم بمعظم شروطه ومطالبه، فهيئة الحكم الانتقالي، تحولت الى “هيئة حكم سياسي”، وصلاحياتها تآكلت عندما اصبح الحديث السائد عن حكومة موسعة من السلطة والمعارضة ثلثها من النساء، ولا نص على رحيل الاسد سواء، في بداية هذه الهيئة او في نهايتها.
ولا نعرف من اين سيأتي وفد الهيئة العليا للمفاوضات القادم من الرياض الى جنيف، حيث غير مسموح للمرأة السعودية قيادة السيارة، ناهيك عن المشاركة في الوزارة، على عشر نساء مثلا او حتى خمسة، وجميع اعضاء وفده الى مفاوضات جنيف من الرجال باستثناء سيدة واحدة، وكبير مفاوضيه السيد محمد علوش يتزعم تنظيم “جيش الاسلام” المتشدد ويرفض العلمانية ويعتبرها كفرا.
***
باختصار شديد نقول ان الجانبين الروسي والامريكي اتفقا على انهما بحاجة ماسة الى الجيش السوري النظامي للمشاركة في الحرب للقضاء على التنظيمات الجهادية الاسلامية المتشددة، و”الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” على وجه الخصوص، وتقدمه المفاجيء نحو تدمر، ومعاركه الطاحنة في دير الزور هي بداية تنفيذ الاتفاقات السرية في هذا الخصوص.
هذه هي الحقيقة التي يجب ان تسلم بها المعارضة السورية التي بدأ حلفاؤها يتخلون عنها تدريجيا، ابتداء من تركيا التي وصلت التفجيرات الارهابية الى عاصمتها السياسية والاقتصادية، ودمرت صناعتها السياحية التي تدر 36 مليار دولار على خزينتها سنويا، ومرورا بقطر التي اختارت البقاء في الظل، وتخلت عن دورها القيادي في بداية الازمة السورية، وانتهاء بالمملكة العربية السعودية التي تورطت في حرب اليمن، وما زالت تعيش صدمة اتهامات اوباما لها بدعم الارهاب، وتبرئة ايران، خصمها الاستراتيجي منه، ومطالبتها بسلام بارد معه، ورفضه الانجرار الى خوض حروبها الطائفية نيابة عنها مثلما تريد.
لكل هذه الاسباب، وغيرها، لم نعد نسمع السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي وتصريحاته “الصقورية” بحتمية رحيل الرئيس الاسد بالسلم او الحرب التي اشتهر بها، واصبحنا نسمع في الفترات الاخيرة عن شائعات بقرب حدوث تغيير وزاري سعودي يكون احد ضحاياه، والله اعلم.