في هذه السلسلة الرمضانية، "حوار مع سجين غوانتنامو"، نتوقف مع قراء جريدة هسبريس عند مسار أشهر معتقلي السجن الأمريكي في الخليج الكوبي، المغربي يونس شقوري، الذي قضى 14 عاما في "غوانتنامو" الذي اعتقلت فيه أمريكا العشرات من المعتقلين العرب والأجانب ممن كانوا يتواجدون في باكستان وأفغانستان إبان الغزو الأمريكي لهذه الأخيرة، رداً على الهجمات الإرهابية التي طالت صبيحة 11 شتنبر 2001 برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك.
هسبريس زارت شقوري في منزله وسط مدينة آسفي؛ حيث يقضي فترة نقاهة بعد أن منحه قاضي التحقيق المكلف بملفات الإرهاب، في فبراير الماضي، السراح المؤقت بعدما قضى قرابة خمسة أشهر وراء قضبان سجن سلا2، مباشرة بعد تسليمه من الولايات المتحدة الأمريكية إلى سلطات الرباط، يوم 16 شتنبر 2015، قادما من "غوانتنامو" على متن طائرة عسكرية، معصب العينين ومكبل الأطراف.
في الحلقة السادسة من الحوار، يتحدث شقوري عن مكوثه في اليمن بغرض الدراسة، وتفاجئه بأن عميلا في الموساد ينجز موضوعا يشبه موضوع بحثه الميداني حول التصوف في العالم الإسلامي، فيما سرد لنا توجهه صوب سوريا وتركيا بغرض التجارة، بعدما تردد مرة أخرى على باكستان، مضيفا أنه تزوج من سيدة جزائرية تعرف عليها عن طريق أخيها التاجر، ليتوقف بنا هذا الجزء من الحوار عند دخوله إلى كابول الأفغانية.
وفيما يلي اللقاء مع يونس شقوري في جزئه السادس:
كيف ترى لعبة "داعش" في العراق وسوريا؟
السؤال الذي يطرح مع "داعش" هو أين هو حزب البعث في العراق وجنرالات جيش صدام حسين والجهد الشيعي؟ كما لا يمكن أن ننسى أن الحرب في العراق ليس سنية، بل فيها قسم شيعي كبير.. صحيح، هناك ناس صادقون مخلصين لكن كم عددهم في الحقيقة؟ أين هم المحسوبون على الاستخبارات السعودية التي تشتري رجالها كما هو السيناريو الذي حكيت لك عنه في أفغانستان؟
كيف كانت تشتري السعودية رجالها بحسب ما قلت أنت؟
في أفغانستان، كانت السفارة السعودية تشتري الجنرالات الأفغان وكنت أعرفهم، حتى أني دخلت عند السفير السعودي لغرض الفيزا، فوجدت رجلا سعوديا بلباس رث ويحمل حقيبة معه، ومن رآه منا كان يقول بأنه من المجاهدين الصادقين ويثنون عليه.. فأخبرت من بعد بأن مهمته هو حمل حقيبة محملة بالأموال وشراء "الكوماندارات" في أي مكان فيه جهاد حتى يصير لهم الولاء التام للسعودية.
وفي برنامج على التلفزيون، أطل جنرال سعودي يقول إن مخابرات بلده باتت تعلم بكل شيء يطرأ في الميدان، ولا شك أن هذا واقع ليس فقط مع السعودية، بل حتى مع مخابرات الكويت والإمارات وقطر، كما كانت المخابرات التونسية من أكبرها مع نظام زين العابدين بن علي وكان لها دور كبير في القضية الجزائرية، أما الأردن فحدث ولا حرج.
فالجميع كان يشارك في اللعبة، وهذا حاصل الآن في العراق وسوريا، كما أن إيران وحزب الله يتواجدون بقوة في سوريا والعراق لتصفية الحسابات، دون أن ننسى التدخل الغربي.
إذن أنت ترى أن "داعش" ليست كما تظهره وسائل الإعلام على أنها تريد إقامة دولة إسلامية.. بل طرف يمارس دورا في لعبة غير مكشوفة للجميع؟
نعم، تنظيم "داعش" يمارس اللعبة نفسها، وما يحصل من قتال بين الجماعات الجهادية من تصفية رموز ليست عبثا، بل كل شيء هناك مخطط ومنظم. أو ليس بإمكان الغرب إيقاف الحرب في سوريا والعراق مثل ما حصل في ليبيا؟ هي لعبة لتغيير خريطة المنطقة بغرض السيطرة وتصفية حسابات بين كل الأطراف فيما بينها، فالإنسان الساذج يصدق ما يقال له ويعيش في الأحلام.
وبالله عليك، كيف يعقل لعراقي يدخل سوريا ليحكم السوريين تحت شعار الدولة الإسلامية؟ هذا ضرب من العبث والشعب السوري لن يوافق سوى على سوريين يحكمونه ضمن حكومة توافقية وبرنامج سياسي واضح.
باختصار نحن أمام لعبة قذرة يتاجر فيها بالدماء ويستغل فيها الناس من كل الدول بقوة فيدفعون هم الثمن.
لنعد إلى اليمن.. كم لبثت هناك.. وما كانت وجهتك القادمة؟
سبق لي القول إن غرض تواجدي في اليمن كان البحث عن فرصة لمتابعة الدراسة؛ حيث كانت الجامعات الدينية متواجدة بكثرة هناك، وكانت جامعة عبد المجيد الزنداني وقتها حديثة وفي طور الإنشاء، ولا أخفيك أن الأوضاع في اليمن لم تعجبني حيث غلاء المعيشة، وكانت المخابرات اليمنية في صراع مع المهاجرين العرب القادمين من أفغانستان، كما اتخذت الجماعة الجزائرية الإسلامية المقاتلة من اليمن حينها قاعدة لها واندلعت المواجهة بينها وبين المخابرات.
كانت اليمن فاتحة لأبوابها في فترة الحرب بين الشمال والجنوب التي عرفت تعاطفا كبيرا من لدن الأجانب، ولما استقرت البلد بدأت في تصفية المهاجرين.
هل كنت أيضا من المستهدفين بهذه التصفية؟
كما قلت لك، كان هدفي هو الدراسة، وكانت أوضاع الفترة التي دخلتها غير مناسبة، فذهبت بعد وقت وجيز لطلب الحصول على الفيزا للخروج، فاشترطوا علي الحصول على رسالة من معهد الدراسة والبحوث في صنعاء، فتوجهت إليها حيث وقعت لي حكاية يمكن أن أطلق عليها اسم النكتة.
أمتعنا بسماع تفاصيل هذه النكتة
كان من يسيّر ويدير المؤسسات في اليمن مسؤولون ذوو رتب عسكرية، فالتقيت بعقيد في الجيش داخل معهد صنعاء، فشرحت له وضعي ليرسلني إلى فتاة مكلفة فرِحتْ كثيرا لما عرفت بجنسيتي المغربية، قبل أن تسألني عن الغاية وراء تواجدي في اليمن، "أنا هنا لأنجز بحثا ميدانيا عن التصوف في العالم الإسلامي"، هكذا أجبتها، قبل أن يفاجئنا رجل أجنبي يتقن اللغة العربية الفصحى أخبرني أنه ينجز بدوره بحثا ميدانيا عن النهج الإداري في اليمن.
المفاجأة كانت حين أخبرتني الفتاة أن الرجل لم يكن سوى عميلا من عملاء الاستخبارات الغربية، وازدادت مفاجأتي لما علمت بأنه عميل للموساد الإسرائيلي وأنه ينجز بحثا ميدانيا عن الموضوع نفسه الذي أشتغل عليه، فقلت مع نفسي: "والله هذه تهمة جديدة، لن أخرج منها، بأن أكون من الموساد لتشابه موضوع بحثي مع العميل الإسرائيلي".
كيف كان انطباعك عن اليمن ومتى غادرته؟
اليمن بلد متخلف جدا بشكل غير طبيعي، وكأنك تعيش وقتها سبعة قرون إلى الوراء، ويتكرر الأمر نفسه الذي حكيت لك عنه في السودان، فالقول بأن هناك تحكيما لشريعة الإسلام في اليمن، كان مجرد إشاعات ولم أجد سوى الكذب والدجل، وتأكدت عندي قناعة بألا يغتر الإنسان بالشعارات، وحتى لو هاجر إلى بلاد وعلم بأوضاعها الحقيقية، فليس من العيب أن ينسحب بكل كرامة ويحتسبها لله تعالى.
فقررت إثر ذلك التوجه إلى سوريا عام 1996، بعدما سمعت عنها الكثير، خاصة وأن الدخول إلى ترابها لا يحتاج إلى تأشيرة.
من أقنعك بسوريا وماذا سمعت عنها وقتذاك؟
تعرفت على سوري أفزعني في البداية حين أخبرني بأن سوريا مليئة بالنصيريين والشيعة ويجب علي ألا أتناول اللحم لأنه حرام.. فتوجهت إلى سوريا وأنا مرعوب، لكن حين دخلتها وجدت العكس تماما، فالبلد منفتح وفيه حرية ومعاهد دينية ومساجد كثيرة ومشايخ كثر، ولمست كيف أن الناس يحبون الأجنبي، خاصة المغاربة. وجدت في سوريا، صراحة، بلدي الثاني، فكل ما كنت أصبو إليه وجدته في سوريا.
أين اخترت الاستقرار في سوريا؟ وما كانت الغاية هذه المرة؟
عشت في دمشق مدة قصيرة، وأخذت وقتا لأدرس السوق في سوريا، بغرض مزاولة التجارة، ثم بعد ذلك سافرت إلى تركيا بحكم قرب المسافة بين البلدين.
دخلت تركيا وقضيت بها شهرا، ووجدت فيها سوقا كبيرة للتجارة التي كان يمارسها العراقيون والسوريين، إلى جانب الأتراك الذين ساعدوني على التعرف على السوق والتعامل مع فكرة التجارة. مضت فترة ثم عدت أدراجي إلى سوريا.
هل تخليت وقتها عن فكرة متابعة الدراسة نهائيا؟
كان هدف الهجرة إلى أوروبا لا يزال حاضرا في ذهني، خاصة ألمانيا، لكني لما عدت إلى سوريا مكثت هناك حتى عام 1998، وسمعت عن امتحان حر لاجتياز الماجستر في باكستان، فسافرت مرة أخرى إلى بيشاور وإسلام آباد، واجتزت الامتحان ولم أوفق في ذلك ولله الحمد (يضحك).
رجعت إثر ذلك إلى تركيا، وانشغلت بالعيش في حياة جديدة، تزوجت من سيدة جزائرية تعرفت عليها بعد لقائي بأخيها الجزائري في ميدان التجارة، جلسنا فترة في تركيا ثم عدنا إلى سوريا، فرحلنا إلى السعودية لأداء مناسك الحج.
كنت كثير التنقل إذن بين سوريا وتركيا؟
نعم، كان ذلك بغرض التجارة، ثم إني سمعت بالأوضاع المستجدة في أفغانستان إثر طرد باكستان لكل الأجانب الذين كانوا يقيمون على أرضها إلى أفغانستان، كما حكى لي العديد ممن أعرفهم أن الأوضاع باتت ممتازة ومستقرة في أفغانستان، خاصة في كابول وجلال أباد. فكان بإمكان الإنسان أن يهاجر ويعيش مع أهله.
ولا أخفيك أن فكرة الهجرة في سبيل الله ومساعدة المحتاجين كانت في مخيلتي، وكانت زوجتي أستاذة في اللغة العربية والتربية الإسلامية وكان بإمكانها الذهاب إلى هناك، كما كانت لدي خبرة معتبرة في مجال العمل الإغاثي، بمعنى أنني ذاهب إلى أفغانستان "رابح رابح"، كما أن عملي التجاري في سوريا كان محدودا، فعزمت على الذهاب إلى كابول.
هسبرس