منذ تأسيس موريتانيا على يدي الرئيس المخطار ولد داداه وهـي تطمح للقيام بدور أكبر على حلبة السياسـة الاقليمية والدولية، وحتى عندما دخل بين رحى القطبين الجارين كان يقدم مصلحة بلاده أولا ثم يحاول تحقيق التوازن بينهما، في الأولى حقق مراده ديبلوماسيا وفي الثانية فشل في التفاهم مع كل منهما على حدة !!!.
لكن موريتانيا ظلت تدور بشكل مُتكلف بين التبعيـة للمغرب تارة وللجزائر تارة أخرى وفق مقاربـة تستند على "وصاية "الأخ الأكبر" ! لقد كان من نتائـج هذه السياسـة أن موريتانيا تعرضت كثيرا للتهميش وفي بعض الأحيان ظهرت كمـن لا يستمع له جيدا ان هــو قرر التحدث كنظير. لم تؤسس موريتانيا لثوابت مغايرة في سياستها الخارجية ولم تعتمـد كثيرا على خصوصية التاريخ الموريتاني، كما لـم تظهـر بما فيه الكفايـة لجيرانها أن سياستها انما ترتكز على مصالحها الاستراتيجية.
تقوم السياسة الخارجية لموريتانيا، منـذ اقرار السلام مع جبهة البوليساريو، على خيار "الحياد الإيجابي" ومن المرجح أن لا يحدث -خلال السنوات والعقود القليلة القادمة- تغيير جوهري في هذا الصدد، اذ تتبع موريتانيا "نهجا" يعتمــد على الاقرار بالحقائق على أرض الواقــع فإتفاقية السلام مع البوليساريو تقتضي الاعتراف بالدولة الصحراوية التي تسيطر على 1570 كلمترا على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية الموريتانية، وتتعزز تلك النظـرة بالعباءة القانونية التي تضفيها الأمم المتحدة على الاقليــم الصحراوي المتنازع عليه. موريتانيا فــي هذا الصدد لا يمكنها فعل الكثير.
تبدي الأوساط الديبلوماسية المغربية قلقــها البالغ من تنامي دور اللوبــي الصحراوي على الساحة السياسية والقبلية في موريتانيا بل وتغلغله داخل الأوساط الاعلاميــة بشكل أساسي، على حد تعبير هؤلاء، كما أفرزت الأزمة الحاليــة تخوفا آخر كان الى حد قريب مسكوتا عنه اعلاميا وهو التجنيس الموريتاني للاجئين الصحراويين، والذي يدفــع المغرب الى عدم التفكيـر في الغاء التأشيرة بين البلدين ويزيـد من تخوفه من أن تتسلل عناصــر "انفصالية" الى مجاله الترابي. فــي هذه لا تظهــر موريتانيا كثيرا من التعاون، بل ان العوامل العرقية والقبلية هي الأكثر تأثيرا وهيمنة على مسار الخيارات التضامنية.
تصاعد التوتر بين الحكومة الموريتانية والمغربية، يعود أساسا الى أسباب ترتبط بالتنافس الديبلوماسي داخل المنابر الدوليـة وهو التنافس الذي انزعجت منه انواكشوط وتعزز من خلالها شعورها بوجــود "أخ كبير" يمارس نوعا من الوصاية الناعمة، ولا يود للتنسيق الديبلوماسي بين البلدين أن يعكس وجـود مستويات معينة من التكامل الاستراتيجي. ثم إن استضافة الرباط لمناوئين رئيسيين لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز مثل رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو ومواطنه الدولي مصطفى الامام الشافعي، شكل ازعاجا بالغا للرئيس الموريتاني الذي اعتبره تحريضا موجها لشخصه. ومن المفيــد التأكيد على ان القصــر الملكي استلـم سنة 2014 رسالة الاتحاد الافريقي التي تتضمن اعتماد السيد جواكيم شيسانو كمبعوث مكلف بملف الصحراء الغربية، واعتبرها رسالة مبطنـة تم تمريرها موريتانياً من خلال قيادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز للهيئة القارية.
ومهما يــكن فإن رفض استقبال القصر الملكي لوزيرنا للشؤون الخارجية السيد اسلكو ولد ازيد بيه يشي بأن المغرب بات يأخذ الأمور على محمل الخلاف الشخصي وهو يحمل الرئيس ولد عبد العزيز مسؤولية التدهور الملاحظ على مستوى العلاقات بين البلدين.
فــي رأيي
ان الديبلوماسيــة الناجحة هي التي تقوم أساسا على الزخم الشعبي والحاضنة الشعبية وبواسطتهما يمكن للحكومات أن تضمن ديمومة نظرتها التي تستند الى عوامــل وطنيـة ثابتة وشاملة، وتشكل قوة لها وطنية وخارجيا..، لقــد اتخذ الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع العام 1998 قراره الأحادي بالانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وفي الوقت الراهـن فان الموريتانيون يكتشفون باستمرار ان افريقيا هم عمقهم الاستراتيجي والاقتصادي والمالي؟ وان القرارات الديبلوماسية يجب أن تتخذ بناء على المصالح الوطنية وليس فقط قرارات آنية، ثم إن التصلب الذي لا يستند الى قوة وطنية لا يمكن له إلا و أن يكون بمثابة فقاقيع بالونية في الهواء.
ان التحولات السياسية والديبلوماسية التي طرأت على الانظمة الموريتانية لم تطـل في يوم من الايام نظــرة كسب الصداقة وحسن الجوار، مـع كل الجوار، باعتبار تلك الانظمة والحكومات غير متفرغة للتفكير في منطق الربح دون الخسارة وخاصة وفقا للحسابات التي لا تتفق مـع الواقـع وقــد لا يطول مداها، ومع هذا يجب الاقرار بأن النظام الحالي استطاع اخراج السياسة الموريتانية من تقوقعها المحلي لتتبوأ عديد المواقع الدولية وخاصة داخل عمقها الافريقي ثم العربي. وبات مواطنونا يتقدمون تباعا للمناصب والوظائف الدولية والأممية ويحظون بها أيضا.
المغرب، ليس بعبئا ولن يكون عبئا على السياسة الخارجيـة لموريتانيا، ولا يتوجب استعداؤه الا من قبل أولئك اللذين بودهم ان تنخرط موريتانيا في المنازعات الاقليمية التي خرجنا منها ولا يمكن ان نقبل العودة لها، مجددا، ثم نه من أجل قطع الطريق على هؤلاء يتوجب أن نتحرك تجاه الرباط من أجل طمأنة أشقائنا الى أن بلدا اسمه موريتانيا يبحث عن "التكامل" مع بلدهم، وأننا منذ 1969 لـم نعد نستمع لصحافة التحريض الصادرة من المغرب.
المغرب، هــو بلد جميـل وبه شعب طموح وذكــي، وتدير سياسات ملكه حكومـة عبد الاله بن كيران، الرجل الجنوبي والذي يتميز بخفة الظل وسرعـة الاستجابة وسبق لـه وان تحدث عن أصوله الموريتانية، يجب أن نعرف أن تلك العوامل جاذبة وليست "تعاركية".
أنا أعرف أن أغلب من يحيط بنا يسيء الى بلدنا وينهش من خيراتنا ويتدثر بشعبنا في النهاية. لكــننا نحن من يفتــرض فيـه، أن يرســي القواعد الديبلوماسية التي لا تتكئ علـى أحد، ولا تضيـع حقوقنا الثابتة من أجل "خاطــر" أحد الأطراف، مهما كانت مستويات قربه منا، ويجب أن يضرب جيشنا الأبي بيـد من حديد كل عامل خارجي يفكر في العبث بأمننا الاستراتيجي. وهذا دوره؟
بقلم عبيد اميجن
** مهتم بالشأن الافريقي