كمال خلف
لا أعتقد أن ما كتب عن لقاء بين الأسد وأردوغان هذا الشهر دقيق ، وأرجح بدلا من ذلك أن يحصل اول اجتماع علني قريبا بين الجانبين السوري والتركي ولكن ليس على مستوى القمة، إذ أن مقدمات أي لقاء بين الرئيسين الخصميين مازالت في بدايتها ولم تنضج بعد وتحتاج إلى مزيد من الاجراءات على الأرض وفي السياسية، كما أن الحوار بتقديرنا الذي يجري بعيدا عن الأعين بين حركة الإخوان في اسطنبول، وكلا من أي ايران وحزب الله، مازال هو أيضا في البداية ينتظر خطوات متدرجة. لكن كل ذلك يحتاج إلى تهيئة الرأي العام وبعض الأطراف التي بحاجة لهضم هذه المستجدات في اللعبة الدولية وليس الهضم فحسب بل والانخراط في متطلبات التسوية الجديدة.
صحيح أننا في زمن تنفيذ تفاهمات اولية ظهرت تجلياتها في التدخل التركي بجرابلس والتواصل المباشر بين الحكومة السورية وفصائل مسلحة دون وسيط ولأول مرة في ابرام الاتفاق وفي تنفيذ خروج المسلحين من داريا والمعضمية في ريف دمشق وحي الوعر لاحقا في مدينة حمص، وهو تواصل جرى لأن الخطوط بين الحكومة السورية وتركيا فتحت فلم يعد الأمر بحاجة لوساطة الأمم المتحدة سنشهد في الأيام المقبلة أيضا تطورات هامة في الغوطة الشرقية. الا انه مازال تقييم ذلك في إطار البداية فقط فالمسار لازال طويلا ولا تحل ازمة معقدة كالتي مرت بها سوريا (بتبويس الشوارب) أما الوضع في حلب فينتظر الاتفاق الأمريكي الروسي خلال ايام بعد أن أنجز التفاهم الروسي التركي.
الائتلاف السوري المعارض يعيش أقسى أزماته فهو رحب بالدخول التركي إلى جرابلس معتقدا حسب تصريحات أقطابه أن المنطقة الآمنة أو العازلة التي طالما طالب بها تتحقق. لا نعرف أن كان الائتلاف يدري أو لا يدري حقيقة الدخول التركي وآلياته وكيف تم وبالتنسيق مع من. نجزم انه لا يخفى على أعضائه هذا، ولكنه يصر على تصدير خطابه القديم ولا نعلم الحكمة من عدم مصارحة الرأي العام السوري بالحقيقة التي بات يعرفها القاصي والداني. لكن الأهم هو في خيارات الائتلاف ، هل سوف ينخرط بالتسويات الكبرى (هو لا يمهد في خطابه لذلك)، أم سوف يبقى ينتظر موقف الرياض؟ هل سينقسم بين مؤيد ومعارض ؟ تجربة السنوات الماضية أثبتت أن الائتلاف لا يملك استقلالية في قراره وإنما يتبع سياسيات داعميه لأن خلق الائتلاف وقبله المجلس الوطني جاء بقرار من دول إقليمية غذت استمراره بل وتماسكه وضبط تناحر أعضائه، وحتى الفصائل العسكرية لم تتبعها الدول الداعمة لها لقراره، انما عزلتها عنه وصارت هي الجسم السياسي ولكن دون ثقل عسكري مباشر، اذ ان هذا الثقل يخضع لدول التمويل بشكل مستقل. لا يملك الائتلاف والمعارضة عموما خيارا سوى الذهاب حيث تقتضي التسوية الكبرى، وإلا فهوية جديدة تنتظره وربما اسم جديد بقيادات جديدة .إذن هي البداية لخطاب وهيكل وخيارات المعارضة.
الأبواب وان كانت قد فتحت على التسويات بين القوى الدولية والإقليمية و بات الجميع يتلمس الحل السياسي في سوريا بعد سنوات عجاف من الحرب المدمرة، إلا أن فتح الأبواب وقنوات الاتصال لا يعني أن هذه الأطراف قد انجزت كل شيء وعلينا انتظار قطاف ثمار الاتفاقات سلاما في أرض الشام . فهذه التسويات مازالت في خطوطها العريضة ولم تلج إلى التفاصيل التي لابد أن تتباين الأطراف حولها ، كما أن امتحان التنفيذ قد يكون الأصعب والاعقد، لا يمكن أن نغفل أن تنظيم الدولة ما زال لاعبا في الميدان العسكري، وأن جبهة النصرة سابقا فتح الشام الآن هي القوة الضاربة شمالا وهي لا تؤمن بالحل السياسي، وأن التنظيمات الأخرى المسلحة متعددة الولاءاتوليس من السهل فصلها عن النصرة أو إقناع مقاتليها بالاندماج مع جيش نظامي، لأنهم متشبعين بافكار الجهاد ضد الطاغوت والنصيرية والشيعة ايران المجوسية وروسيا الملحدة وكل المفاهيم الأخرى التي يرددونها كل يوم بساحات القتال والمساجد ووسائل التواصل الاجتماعي وهذا ينطبق على الجميع حتى تلك المحسوبة على الجيش الحر والتي تصنيفها واشنطن بالمعتدلة فهذا خطابها المعلن والواضح والمكرر. إذن هي بداية خيارات التعامل مع قوى الميدان المحلية والأجنبية. هناك الكرد في الشمال هل انجزت أنقرة المهمة؟ وماذا عن مصير تحالفهم مع واشنطن وهل انتهى دورهم العسكري ضد تنظيم داعش؟ وماهو موقعهم بالتسوية بعد أن أجمعت الأطراف على منع الفيدرالية والتأكيد على سوريا موحدة. إنها البداية ولا يمكن الحديث الآن عن النهايات السعيدة التي يتوقعها البعض. الصورة لابد أن تكون أوضح مع نهاية هذا الشهر وعندها سنرى أن كانت البدايات تسير إلى خواتيمها.
كاتب واعلامي فلسطيني