1-لا مشكِلة كبيرة أن يصفَ النائب الوزيرَ بالكذب. وقد آن للأرستقراطية البيضانية (الزوايا وحسان) أن تعرِف أن قيّمَها المضاربية لا تشتغِل في المجال العام. ويجب عليهم طوي حصيرهم والارتحال عن المجال العام إذا أصّروا على استصحاب أعرافِهم القبائلية. المجال العام الوطني هو التداول العام للعقل ولا تشتغِل فيه "الدصارة" و"الشيب" و"كَِدك ماني كَِدك". قيّم "اتعاصير" ومثيلاتها هي قيّم الندرة وتنظيم علاقات القوى بين العشيرة؛ وهي بالذات ما يُعيقُ حواراً عقلانياً واستخداماً واضِحاً للغة. في الفضاء العام لا يوجد أحدٌ أكبر من أحد؛ ويجب فيه تسمية الاسماء بِمُسمياتها. الكذب، بغضِّ النظر هل حدث أم لا، هو ممارسة سياسية ويَجُب أن يُساءل، لا أن يُستَر أو يُغمّض.
2-مداخلة النائب غلام هي، للمفارقة، مداخلة جيّدة (وخصوصاً في السياق النِسبي للبرلمان الجاهِل الحالي). أوَلاً هي مُلتزِمة، وحقوقية، ووطنية. وثانياً صادقة. وثالثاً، راهنة. يمكن انتقادُه أنه كان بإمكانِه تعميق مداخلته. فالمداخلة البرلمانية يجب أن تكون أعمق من المداخلة الفيسبوكية. ويجب أن تتضمّن مُعطيات رقيمة وقانونية مؤصّلة، وليس فقط شهادات وصور متواجِدة أصلاً. ولكن: 1-ليس هذا البرلمان، الذي يكون فيه نائب "انبيكت لحواش" و"الأغلبية الصامتة" متكلِّماً بما يُطلَب به العُمق. و2-يُحسب له أنه على الأقل أدّى حقّ التحقيق الميداني ومقابلة المعنيين. 3-هو قادم من بعيد.
3-ردود الفعل البكائية ضد مداخلة النائب غلام كانت ديماغوجية. والواقع أن هذه، مرّةً أخرى، مرة من المرات التي يكون فيها الإسلاميون ضحية الديماغوجية بعد أن كان كثيرٌ منهم يقومُ بالديماغوجية، بما فيهم النائب غلام نفسه. لقد شاهدنا هذه الظاهرة تقع منذ فترة (حضور جميل منصور نشاطاً لحركة "أفلام"؛ ما اعتبِرَ، شعبويةً، وصفاً من النائب غلام للعلماء بالديوك، الخ). ونُشاهِد هذه الظاهرة حالياً عندما تجاوزت الديماغوجية الدينية، التي أسّسها الإسلاميون، ممارساتِهم في ما يُسمّى حالياً بـ"النصرة". صحيح أن النائب بالغ، أو خانته العبارة، عندما وصف نفسه بـ"خريج سجون إسرائيلية" (كان بالكاد مُداهماً أو موقوفاً أحرى أن يكون معتقلاً وأحرى من ذلك أن يكون سجيناً، وأبعَدَ من ذلك أن يكون "خِرِّيجَ سجون"). وكما يقولُ محمد غلام نفسه "احنا فاكرين نفسِنا إيه؟!.
4-لا توجد نقاشات في برلمان "الملاحة" و"الشباكة" هذا. ويجب ألا ننسى أن عمدة كَرو التاريخي مُنتخبٌ شعبي! وأن نائب انبيكت لحواش مسؤول عن أصوات مئات الناخبين وليس فقط عن خُويصة نفسه. ويُظهر نقاش "النوع" أن هذا البرلمان البائس سرعان ما يُغلِق الحوارات الجدية جملةً وتفصيلاً. وفي المقابل ينخرِط في نقاشات "الدصارة" و"الشيب ما يِحمل العيب" وغيرها من التفاهات.
5-البرلمان الموريتاني، في غياب واحِد، صارَ الفيسبوك. الفيسبوك هو ديوان الموريتانيين. ولكن بعكس ما فرِح بذلك أحدهم، مُعتقِداً أنه نوعٌ من الديمقراطية المُباشِرة، فإن هذه ظاهرة تمييع وإماطة للتخصّص وللاحتراف. هذه مُقدِّمة لحُكم الجاهل، إرهاصة لِحُكم الأحمق.
"إني راحل غداً فارتحِلوا".
------------------
من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك