كثير من المغاربة حائرون اليوم حول سؤال علاقة الملك ببنكيران وعلاقة المخزن بالعدالة والتنمية: لماذا يحارب المخزن حزب العدالة والتنمية إن كان بنكيران سهّل عليه تمرير كل توصيات صندوق النقد الدولي التي كانت عالقة فوق مكاتبه خائفا من أن ينفذها فتقوم ثورة شعبية؟ لماذا يشكل حزب العدالة والتنمية تهديدا لسلط المؤسسة الملكية والمحيط الملكي من ديبلوماسيين ومستثمرين وسلطويين إن كان بنكيران ساهم بشعبيته المبنية على الاتجار بالدين وشعارات محاربة الفساد في حمايتهم من رياح الربيع العربي وساعد النظام على تهدئة الشارع والحراك؟ لماذا يريد المخزن إحداث التوازن اللازم مع العدالة والتنمية داخل المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وبذل لأجل ذلك النفس والنفيس من ملاييير الملايير التي بذرت على حزب الأصالة والمعاصرة وأذرعه الإعلامية وأجندته ضد أسلمة وأخننة الدولة، إلى الملايين التي بذرت على الترويج لهفوات قياديي الحزب البوجادي الشخصية وتناقضاتهم مع مبادئهم في منابر داخلية وخارجية، إلى ابتعاد الملك اليوم ما استطاع عن فك البلوكاج الحكومي وتجنبه لبنكيران وضغطه عليه بخطاباته التي تجر أذنه ليشكل حكومة كفاء ات (تكنقراط) لا حكومة وزيعة (بمعنى مع حلفائه بن عبد الله وشباط) وضغطه عليه بإرسال مستشاريه ليطالبوه بتسريع تشكيل الحكومة وترك بنكيران يموج في بحره، رغم أن بنكيران حاول جاهدا طيلة الخمسة أعوام الماضية أن يطمئن الملك على ولائه التام وتبعيته العمياء له ولمستشاريه بعبارات لم يقلها أكابر العياشة في عهد البصري: “يلى بغيتي أسيدنا تديني للحبس أنا معاك”!
لابد أن هناك شيئا ما في هذا الحزب يزعج الملك ويزعج محيطه إلى أبشع حد.. هل هي مرجعية الحزب الإسلامية؟ وهل للحزب مرجعية بعد كل ما رأيناه من برلمانييه الذين لم يتركوا تعليما ملكيا بتقنين الإجهاض والمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة وباقي التوصيات المناهضة لكنه الدين الإسلامي المجموعة في “بروتوكول سيداو” وفلوس الشراب وغيره إلا مرروها بابتسامات بالإجماع! هل هي مبادئ الحزب لمحاربة الفساد؟ وهل للحزب مبادئ وقياديوه غرقوا في الكاطكاطات والمرسيديسات والديور والمشاريع والصفقات التي يلوكها موظفو وزاراتهم وموظفو الجهات والجماعات والبلديات مقابل سياسة التقشف التي تمت ممارستها على مساكين وموظفي الشعب المغلوبين! أم هي قوة الحزب التنظيمية وتماسكه الداخلي الذي يزعج القصر الذي تعود على أحزاب هرئة صدئة ضعيفة مبيوعة مخترقة سهلة الانقياد ولم يتعود أبدا على حزب بهذا التماسك وهذه القوة وهذه الثقة الزائدة في النفس لدى قيادييه وأمينه العام وهذا التشاور الداخلي وهذا الدهاء والمكر في المناورات التي يكشف عنها الباجدة يوما بعد يوم وهذا التوسع والتمدد الذي يقوم به الحزب بغرس أتباعه في الوزارات والدواوين وتوزيع المناصب السامية والدنيا عليهم حتى يغرز جذوعه ويثبت أوتاده في مفاصل الدولة وقواعدها ولاينفك منهم أحد أبدا.. كأنه انقلاب أردوغاني ناعم ببعد نظر، نظر بعيد وأجندة عقود قادمة لنجد أنفسنا يوما تحت حكم أثرياء حزب العدالة والتنمية!!
المخزن فطن لتغلغل حزب العدالة والتنمية داخل المجتمع المغربي مذ كان في المعارضة، وظن أن سهولة استغلاله لتهدئة الشارع من رياح الربيع العربي ستتبعها سهولة اقتلاعه، لكن إلى يومنا هذا لم يستطع، وكلما حاول زاد الباجدة تعاطفا وشعبية.. لماذا؟ لأن أساليب المخزن غبية، ومتخلفة، ومباشرة، وسطحية، وقديمة، أشبه بكذبة “مشغول” أو “مريض” حين يتغيب أحدهم عن موعد، أشبة بعذر “أنا مسافر” حين يريد أحدهم عدم رؤيتك، أشبه بتلك الأعذار المباشرة الواهية حين لا تأبه إن صدقك الآخر أم لم يصدق.. ولكن المصيبة أن المخزن يمارس طرقه البسيطة الساذجة المباشرة ويتوقع من الشعب أن يصدق: تمويل حزب الأصالة والمعاصرة الذي يحارب الإسلاميين للدفاع عن المسلمين، من صدق؟ لا أحد، والكل يعلم أن رئاسة الجهات والاستحواذ على مجلس المستشارين والمقاعد البرلمانية التي نالها الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة أغلبها جاء بالرشاوي والتبزنيس، وحيدوها للشعب من راسو! تمويل وتنظيم مسيرة ضد أخونة أو أخننة الدولة، من صدق؟ لا أحد، والكل يعلم أن وزارة الداخلية هي التي أمرت أعوانها بجمع نساء ورجال المغرب المنسي المساكين للخروج في مسيرة لا يعرفون حتى هدفها، وحيدوها للشعب من راسو! عدم اكتراث الملك بالبلوكاج الحكومي ومحاولته عدم التدخل.. والكل يعلم. انتهى الكلام!
ولو فقط علم المخزن، أنه لا يحتاج إلى كل هذا الهراء لإسقاط حزب العدالة والتنمية لأنه حزب غير جاهز للحكم، حزب بنى شعبيته على الاتجار بالدين وعلى شعارات وجدها أشبه بالأحلام بعد توليه المسؤولية، حزب أغلب قيادييه انتفخت أوداجهم وبطونهم وشهيتهم على مزيد من المال والڤلل والسيارات والأراضي (الله ينجيك من المشتاق إلى فاق وذاق وعاق) وأصبحوا أشبه بوحوش من الصعب أن تتخلى على مناصبها وعلى السلطة حتى لو داست على الشعب برمته، حزب مستعد لتمرير كل توصيات كريستيان لاكار ومزيد من الاقتراض ومزيد من الخوصصة ومزيد مما يسمونه “إصلاحات” يريدون الاستمرار فيها ومزيد من التقشف على الشعب بالاقتطاع من رواتبه ورفع أسعار معيشته دون أن يمارسوا أدنى تقشف على أنفسهم.. لو يعلم المخزن أنه لو احترم هذه الشرعية التي صدعوا رؤوسنا بها، شرعية مليون لاروب من بين 40 مليون مغربي صوتوا عليهم، وتركهم المخزن يشكلون حكومة كما يريدون بالتحالف مع عدو الأمس صديق اليوم وسخار المخزن بن عبد الله، وتركهم يزيدون 5 أعوام أخر من سياسات التفقير سيبدأ المواطنون بالبصق على وجوههم دون عناء من المخزن.
أيها المخزن العزيز، إن كان اليوم نتقاسم معك امتعاضنا من حزب العدالة والتنمية لأسباب جد جد مختلفة، حبك أنت للسلطة وكرهك لمن ينافسك القوة، ورغبتنا نحن بمن يحقق لنا مطالب بسيطة تضمن لنا الكرامة والعيش الكريم، فإننا نقول لك: يا خوفنا أن تكون تحارب البوليزاريو بنفس الطريقة التي تحارب بها هذا الحزب، الذي كلما حاربته زدته شعبية وتعاطفا! ابتعد قليلا أرجوك.. واترك الديمقراطية والانتفاضة الشعبية تأخذ مجراها الطبيعي مع من باعنا الوهم وخذلنا إن غضب الشعب أشد قوة وآثارا في الأرض.
كاتبة مغربية