بعد قرابة 6سنوات من سقوط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، ما زال الصراع السياسي والعسكري في ليبيا مستمر رغم المساعي الدولية والإقليمية لوقف نزيف الدماء من خلال محاولات المصالحة بين الفرقاء إلا أن جميعها باءت بالفشل.
وعاشت ليبيا فترة قصيرة من الاستقرار السياسي عقب ثورة 2011، لكن سرعان ما بدأت الانقاسمات السياسية والتي تحولت لصراعات عسكرية على الحكم موزعة بين 4 سلطات تبحث عن الشرعية وهم حكومة الوفاق الوطني التي تحظى بدعم دولي، وحكومة الإنقاذ، وحكومة برلمان طبرق المنحل، واللواء خليفة حفتر قائد الجيش الليبي.
وتغلب المكونات السياسية المصالح القبلية والمناطقية على المصلحة العامة للبلاد، الأمر الذي تسبب في إطالة عمر الأزمة الليبية، لكن ثمة أملا يلوح في الأفق مع الحديث عن تعديل اتفاق الصخيرات.
وينص اتفاق الصخيرات، الذي توصلت إليه الفرقاء بعد 14 شهرا من جلسات الحوار في الصخيرات المغربية عام2015، على تشكيل حكومة وحدة ترأسها فايز السراج، وتقود مرحلة انتقالية من عامين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية.
وفي 17 ديسمبر 2016 انتهت المدة القانونية المحددة للعمل بحكومة الوفاق الوطني بموجب اتفاق الصخيرات،و احتدم الجدل في ليبيا حول الخيارات المطروحة أمام الأطراف السياسية التي يتمسك بعضها بالصيغة الحالية للاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة، فيما يطالب آخرون بإدخال تعديلات على الاتفاق كي يتلاءم مع الوضع القائم.
خلافات اتفاق الصخيرات
وكانت لجنة الحوار السياسي الليبي اتفقت في يناير الماضي على إجراء تعديلات على بنود اتفاق الصخيرات، وذلك استجابة لمبادرة المصالحة الوطنية الشاملة التي طرحتها تونس وتبنتها دولتي مصر والجزائر.
وتفاقمت النزاعات بين نواب البرلمان المنعقد في مدينة طبرق بشرقي ليبيا وبين أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني على الأحقية بالمناصب السيادية في حكومة التوافق.
وعطلت الكتلة البرلمانية المعروفة بكتلة السيادة الوطنية في مجلس النواب الموالية للواء خليفة حفتر -وهي تضم رئيس البرلمان عقيلة صالح- التصويت على منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني مرتين خلال العام الماضي.
ويحمل بعض الليبيين البعثة الأممية إلى ليبيا مسؤولية الإخفاق في إدارة الحوار بين الفرقاء، خاصة أن جولات الحوار لم تقدم حتى الآن إلا اتفاق الصخيرات رغم عشرات الجولات التي مرت بها الحوار الليبي.
أبرز محطات الحوار
ومن أبرز الجولات التي مر بها الحوار السياسي الليبي هى الجولة الأولى عام 2014 في مدينة غدامس جنوب ليبيا برعابة الأمم المتحدة، ثم انعدقت نفس الجلسات في غدامس عام 2015، ثم انطلت الجولة الأولى من الحوار في جنيف عام2015، حتى استقبلت مدينة الصخيرات المغربية أطراف الأزمة الليبية ونتج عن هذا اللقاء اتفاق الصخيرات.
بدوره قال المحلل السياسي الليبي المستشار صالح الطرشول، إن الحوار السياسي لم تكن له قاعدة شعيية أساسية فأعضاء الحوار لم يتم اختيارهم شعبيا سواء من خلال المكونات الاجتماعية المتكونة من القبائل والعشائر ذات الثقل الاجتماعي أو من المكونات العرقية التى تحاول إثبات وجودها كجزء هام وأصيل في البناء الاجتماعي الليبي .
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن الحوار السياسي منذ بدايته لم تمثل فيه قيادات سياسية شعبية من الساحات بالمدن والمناطق الليبية ذات الثقل الشعبي، وإنما جاء اختيار أعضاء الحوار من اختيارات خارجية قد تكون للاستخبارات الدولية والإقليمية يد فيها.
انتقال الحوار للخارج
وأوضح أن الحوار كان في بدايته بين أعضاء من مجلس النواب المتواجدين بالمجلس فعلياً وأعضاء المجلس الذين قاطعوا جلساته منذ البداية وانضموا إلى المؤتمر الوطني المنتهية مدته باختيارات مجلس النواب، وذلك بمدينة غدامس غرب ليبيا.
وأشار إلى أنه فجأة ودون مقدمات تحول الحوار من حوار بين أعضاء مجلس النواب الملتزمين بالحضور وأعضائه المقاطعين إلى حوار بين أعضاء مجلس النواب المكلفين منه بحضور جلسات الحوار وبين أعضاء من المؤتمر الوطني المنتهية مهامه إضافة إلى إدخال شخصيات أخرى مستقلة ليس لها ثقل بالشارع الليبي من ضمن فريق الحوار.
ولفت إلى أن انتقال الحوار لجنيف وبعض الدول الأخرى مع إدخال عناصر أخرى كعمداء البلديات في الحوار أدى إلى موت الحوار في كل جولة قبل ولادته، كما أن ممارسة ممثلي الأمم المتحدة يبدو أنها مبنية على توجيهات مسبقة من جهات خارجية وهذا يؤكد الجهل بطبيعة ليبيا الثقافية والاجتماعية والسياسية.
سيولة سياسية
فيما يرى الباحث المتخصص في الشأن الليبي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كامل عبدالله أن القبائل الليبية كانت أكبر معرقل لأي عملية حوار ليبي خلال المرحلة الانتقالية، وذلك لعدم خبرتها السياسية.
وأضاف في حوار لـ"مصر العربية" أن الدولة الليبية ابتعدت عن الأزمات وفوضت القبائل لحلها، وهذا خطأ استراتيجي وقعت فيه ليبيا وساهم في إضعاف دور الدولة وسيطرة القبائل.
وأوضح أن الوضع الليبي الراهن في غاية التعقيد والتشابك، ولا يمكن التنبؤ بأي مسار في ظل حالة السيولة الكبيرة التي يتصف بها المشهد الليبي حاليا مع تعدد الفاعلين السياسيين والعسكريين على الأرض.