هناك ازمة في العلاقات السعودية الإماراتية محورها الخلافات بين البلدين حول كيفية إدارة الحرب في اليمن، التي دخلت قبل أيام عامها الثالث دون تحقيق معظم الأهداف التي انطلقت من اجلها “عاصفة الحزم”.
الزيارات متوقفة، او بالأحرى معدومة، بين الجانبين، وهناك مصدر دبلوماسي موثوق كان متواجدا في كواليس قمة عمان العربية الأخيرة، ابلغ “راي اليوم” ان وزيري خارجية البلدين السعودي عادل الجبير من ناحية، والاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، لم يتجاذبا اطراف الحديث طوال الاجتماعات، حتى ان السيد الجبير سأل نظيره الاماراتي عن أسباب هذه القطيعة، ولم يجد جوابا شافيا، ومن الصعب علينا تأكيد هذه الرواية وان كنا نميل الى ترجيحها.
الاماراتيون غاضبون لتعاون القيادة السعودية مع حزب الإصلاح اليمني الذي يشكل واجهة لحركة “الاخوان المسلمين”، وازداد غضبهم عندما أطاح الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بحليفهم خالد بحاح من رئاسة الوزراء، ومنصبه الآخر كنائب للرئيس، وتعيين اللواء احمد عبيد بن دغر في منصبه الأول رئيسا للوزراء، واللواء محسن الأحمر في منصبه الثاني نائبا للرئيس، الى جانب قيادته للجيش اليمني الموالي لهادي.
الغضب الاماراتي انعكس في منع طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن أولا، واستقباله له بشكل مهين ثانيا، عندما طار الى ابو ظبي قبل ثلاثة أسابيع لحل الخلاف، حيث لم يجد في استقباله في المطار الا احد قادة المخابرات، وليس حتى وزير الداخلية الشيخ سيف بن زايد، او مستشار الامن الوطني الشيخ هزاع بن زايد، ورفض رجل الامارات القوي الشيخ محمد بن زايد استقباله رسميا تعمدا لاهانته، وايصال رسالة بأنه شخص غير مرغوب فيه في الامارات.
هناك مؤشرات سياسية جرى رصدها في وسائل اعلام إماراتية، او مقربة من ابو ظبي تصدر في الخارج، تؤكد ان هناك “مراجعة” سعودية شاملة للملف اليمني، ابرزها التخلي عن حزب الإصلاح، والرهان على القبائل اليمنية في مواجهة التحالف “الحوثي الصالحي”.
اذا صح حدوث هذه “المراجعة” فان هذا يعني الإطاحة باللواء محسن الأحمر المحسوب على حركة الإصلاح، وربما السيد بن دغر أيضا، وإزالة الخلافات مع دولة الامارات، وعلينا في هذه الحالة توقع عودة السخونة الى خط الاتصالات، وربما الزيارات بين الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي والمسؤول عن ملف الحرب في اليمن، و”صديقه” الشيخ محمد بن زايد.
هناك تطوران رئيسيان يرجحان احتمالات حدوث تغيير، او مراجعة، في الموقف السعودي تجاه ملف اليمن:
الأول: دعوة القيادة السعودية لشيوخ قبائل يمنية كبرى الى الرياض لحضور اجتماع موسع في محاولة لكسبها وتحشيدها ضد التحالف “الحوثي الصالحي”، ودعمها بالاموال والسلاح، واعتمادها كبديل عن “حزب الإصلاح”.
الثاني: ما ذكرته وسائل اعلام يمنية عن اعتراض قادة امن سعوديين على القاء السيد حميد الأحمر، نجل الشيخ عبد الله الأحمر، واحد زعماء حزب الإصلاح الاصولي، كلمة امام حشد من شيوخ قبائل استدعتهم السعودية الى الرياض في فندق “موفيمبيك”، وجاء هذا الاعتراض بطريقة غير لائقة، الامر الذي دفعه للمغادرة غاضبا الى مقرة المؤقت في مدينة إسطنبول.
هذه “المراجعة” في السياسة السعودية في الملف اليمني، ربما جاءت بضغط من إدارة الرئيس دونالد ترامب كشرط لتدخلها عسكريا بشكل اكبر في اليمن، واعتمادها لموقف الامارات الذي يشن حربا ضد “الاخوان المسلمين”، ومن غير المستبعد ان تكون إدارة ترامب قد أوصلت هذه المطالب الى الامير محمد بن سلمان اثناء زيارته الأخيرة لواشنطن.
الحرب في اليمن مرشحة لمرحلة جديدة من التصعيد من الجانبين، فعلى الجانب السعودي الاماراتي هناك رهان كبير على الدور الأمريكي المتوقع، والأكثر تدخلا عسكريا، في تغيير موازين القوى على الارض، وبما يؤدي الى استعادة ميناء الحديدة تمهيدا لاستعادة العاصمة صنعاء، وعلى جانب التحالف “الحوثي الصالحي” بدأت تظهر معدات وصواريخ عسكرية جديدة في حوزته، الى جانب طائرات “درون” إيرانية الصنع، بدأت تستنزف المخزون السعودي من صواريخ “باتريوت”.
ما يمكن ان نختم به هو القول بأن هذه الحرب مرشحة للتصعيد وللاستمرار، ولكن دون نجاح أي من الأطراف لحسمها لصالحه، وستتحول الى مسابقة عض على الاصابع، ولا نعتقد ان الطرف اليمني سيصرخ أولا، لانه يراهن على الصمود واستنزاف الجار السعودي “المعتدي”، على حد وصف ابرز قياداته.
“راي اليوم”