لأزيد من أربعة أسابيع وأنا متردد في الحديث عن هذا الموضوع بعد أن فاتحني فيه بعض النشطاء. وقد ظللت أسأل وأحدث من ألتقي حول الموضوع وأجمع ما أجده من أدلة إلى أن باتت عندي قناعة بضرورة الكتابة وإنارة الرأي العام. ففي مثل هذه الأوقات تحتاج الشعوب الشجاعة والصراحة.
إن الهدف من التعديلات الدستورية الحالية ليس العلم ولا النشيد ولا حل مجلس الشيوخ ولا تمجيد المقاومة ولا غير ذلك. فكل تلك الأشياء هي للتورية. إن الهدف الأساسي هو المجالس المحلية. وهي مجالس إن كتب للتعديلات أن تمر، ستمنح لها صلاحيات واسعة.
لماذا المجالس المحلية بصلاحيات واسعة
منذ عدة عقود والدولة تتحكم فيها اقتصاديا وسياسيا وشيء ما عسكريا مجموعات تنحدر من مناطق الساحل. في الآونة الأخيرة استشعرت تلك المجموعات أنه في ظل الانفتاح الحالي ستأتي صناديق الاقتراع يوما ما وليس ببعيد، برئيس ينحدر من المناطق ذات الكثافة السكانية وخاصة من الشرق الموريتاني (يسمى سكانه في أدبيات تلك المجموعات النافذة برعاة البقر). وبما أن النظام الموريتاني الحالي يجعل كل الصلاحيات في يد الرئيس الذي يستغلها لصالحه وصالح مجموعته والمقربين منه فإن طبقة جديدة من رجال الأعمال والسياسيين وأصحاب النفوذ وحتى قادة الجيش ستتشكل على حساب المجموعات السابقة من جهات الساحل.
لهذا رأت تلك المجموعات النافذة أن تستبق الأحداث وتنشئ مجالس محلية تمنحها صلاحيات واسعة. وهذا سيضمن لها السلطة والنفود والمال حيث أن جل الثروات الموريتانية يوجد في المناطق الشمالية. فمثلا مؤسسة اسنيم ستكون تابعة للمجلس المحلي في "تيرس زمور" يسير مواردها ويعين مجلس إدارتها ويعطي عقودها لمن يشاء، ثم يمنح الدولة المركزية شيء من مداخيلها. وهكذا قس على شركات المناجم الموجودة في ولاية انشيري، وعلى بقية الثروات في الولايات الشمالية.
وقد ينشأ عن تلك المجالس المحلية فيدراليات مستقبلا ثم انفصال بالاستعانة بجهات أخرى تطالب بالانفصال في جهات أخرى من موريتانيا لا قدر الله.
إذن هذا هو بيت القصيد من التعديلات الدستورية. وهذا هو ما يفسر إصراراهم عليه رغم رفض مجلس الشيوخ له. وقد بدأ بعض النافذين من تلك المناطق يتحدث علنا عن أحقية أهل الساحل في الثروة في المنطقة الشمالية، في شبه تهيئة للرأي العام.
ولعلكم اطلعتم على فصل التصويت على العلم المقترح عن بقية التعديلات لأن تغيير العلم قد يلقى معارضة عفوية من قبل كثير من المواطنين بسبب اللون الأحمر. لذلك فصلوه وجعلوه وحده، فيمكن الآن رفضه وحده وقبول بقية التعديلات. وكما ذكر سابقا فالهدف عند القوم ليس العلم ولا النشيد ولا مجلس الشيوخ. إنما يستخدم ذلك للتورية.
كيف نواجه مخطط تقسيم موريتانيا
أولا يجب أن لا يفهم أحد من هذا الكلام أنه جهوية وعنصرية وغير ذلك. بل منطلقنا هو الوطنية والحفاظ على موريتانيا موحدة. فأهلنا في الساحل هم أول المتضررين من فساد تلك المجموعات، وهم كغيرهم في مناطق موريتانيا مهمشون، بسبب سيطرة تلك المجموعات الفاسدة والمفسدة على مقدرات البلد، واستغلالها للجيش للسيطرة على الحكم بقوة السلاح.
إذن نحن جميعا مواطنو موريتانيا يجب أن نتحد ونفتك بلدنا من فاسدين أفقروا شعبنا وجهلوه، وجعلوا بلدنا واحدا من أكثر بلدان العالم تخلفا وفي كل شيء.
الشيء الذي نواجه به هذا المخطط هو توعية المواطن البسيط في ساحل وجنوب وشرق البلاد، بمآلاته وخطورته على وحدة البلد. وعلى المعارضة بكل أطيافها وحتى الوطنيين المواليين للحكم الحالي أن يتنبهوا لهذا المخطط الخطير ويقفوا صفا واحدا في وجهه.
وعلى أعضاء مجلس الشيوخ أن تتضح لهم الصورة أكثر وأن يزيدوا من تحركهم في سبيل إيقاف المخطط بكل السبل القانونية المتاحة لهم.
وفي النهاية لن يكون هناك مخرج من كل هذه المخاطر وغيرها إلا إذا تنحى الجيش عن الحكم، وتُرك الشعب يختار بحرية أكثر أبنائه قدرة وأمانة لقيادة البلد وانتشاله من دوامة الفشل والتخلف التي يعيشها والتي نعلمها جميعا ولا يرضاها أحد منا.
*** بقلم المصطفى ولد اعبيد الرحمن