عموماً، لا استقراءً، ليس رجال الدِّين في موريتانيا معدودين في جملة الفقراء. وهم طبقة فيها العالي والسافل؛ ولكن نجومَها يتطاولون في البنيان ويلعبون بالجواهر. وكما يقول المثل الحساني (إلِّ عندُ لِكْعَب يلعَبْ). وهم منهمِكون في التحصيل والتجميع. بعضُهم يُتفتِف؛ وبعضُهم يتراشَقُ مع الجن بالشُّهب؛ وبعضُهم يحفظ؛ بعضُهم يُرقِّي؛ وبعضُهم يُبايِعُ السلطان المَحليّ؛ وبعضُهم يُبايِعُ السلطان الأجنبي؛ وبعضُهم يبيع الحرب؛ وبعضُهم يبيع السلام؛ وبعضُهم يبيع التّكفير؛ وبعضُهم يبيع الذنوب، الخ. ومنهم- إلاّ المُعتزِلُ- السلفي والصوفي والأشعري والأممي والتكفيري. وقد خلطوا عملاً صالحاً بآخر طالح: فاستثمروا في المؤسسات التجارية الظالِمة من البنوك والبيوع؛ وتصدّقوا بفضول أموالِهم.
وما وصل إلى النهائي هو المركبات الفقهية الثلاثة. فهي راسية على أنهر من الاموال. وليس فيها غيرُ متحالِف مع سلطان: إما داخلي وإما خارجي. غير أنهّم- وخصوصاً أتباعهم- في تباغُض وتدابر؛ وما إن تحلّ النكبة بأحدِهم حتّى يفرح بذلك أتباع الآخر. وكما هو معروف فإن إبليس قد قال للمسيح إنه يبيع الحسدَ للعلماء.
ليست حروب السحرة هذه حروبنا. وحسبنا ألا تُصيبنا الشُّهب. إلاّ أن في هذه الحرب منافِع كثيرة للناس، ليس فقط على مستوى تحريك السوق؛ وإنما على المستوى المِثالي. ذلك أن المُنتصِر في هذه المعارك الأبدية ليس هذا العالم أو ذلك. كلّهم غارِقون. وإنما النموذج التاريخي والرومانسي للعالِم. وبدون هذا النموذج لا يصحُّ النقد ولا الشماتة ولا السخرية. بدونه لا تصحّ الحرب. ففي التراشق يرتفِع نموذج العالم الزاهِد، غير المرتزِق، غير المتحزِّب، المنهمِك في التأليف والتدليل، الساعي للمصلحة العامة، لا البلاطية، الذي تُفهَم فتاويه، سواء الإرشادية أو التكفيرية، بعيداً عن المصالح السلطانية أو الشخصية؛ والذي يعود في المساء وحده، غير مصحوب بإضافة مالية أو زيادة مصرفية. ذلك هو النموذج الميت والحي؛ والمُغيّب والمُنتصِر؛ والحاضِر والغائب؛ والنيء والمطبوخ.
-----------------
من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك