قليلون هم من يحفظ لهم تاريخ الإدارة الموريتانية سجلا حافلا بالانجاز المقرون بالأخلاق الرفيعة، وتزداد ندرة هؤلاء كلما دقق المرء النظر وتفحص سجل الوافدين والمغادرين للمناصب الرفيعة، و المسؤولين عن تسيير الشأن العام في بلادنا إبان الفترات المختلفة .. بدأ بالرعيل الأول، جيل التأسيس، مرورا بالحقب الانتقالية وانتهاء بحاضرنا الحافل بالوجوه والأسماء المتغيرة.
نظرة قد اتفق فيها مع كثيرين من أبناء هذا الوطن الحالمين بغد أفضل كلما لاح في أفق الإدراة سنا شخص يحمل الهم العام بأمانة منقطعة النظير، ويلبي الطموح المنشود في إرساء قواعد إرادة وطنية تركتز على الصدق والبذل.. وهي بحق مواصفات تحيل في أدق تفصيلاتها إلى الوزير الأول وشخصية الاجماع الوطني ملاي ولد محمد الأغظف.
ملاي الذي تابعت بأسف كغيري من المويتانيين ذات يوم رمضاني مرسوما رئاسيا يدعوه لتسليم مهامه لخلف لا أريد الحديث عنه، ضمن تعديل وزاري - لايوازيه سوى ما نسمع عن حاطب الليل-..ليفقدنا عطاء كفاءة وطنية بامتياز كرست الوقت والجهد لخدمة المواطن.
مرسوم بطعم المرارة، رغم ماتلاه من تأويلات تحيل في مجملها إلى منصب رفيع في انتظار ولد محمد الأغظف تماشيا مع كفاءته وحنكته وتفانيه.
وهنا لابد من تسجيل بون شاسع بين المرسوم المذكور ونظير له أطل علينا إبان حركة التصحيح، يحمل تكليف ولد محمد الأغظف بتشكل الحكومة إذ ذاك، حينها دار في خلدي أكثر من سؤال حول مؤهلاته القيادية، وطبيعة تعاطيه مع ملفات شائكة تحاصر النظام وقتها، ليس أقلها الاعتراف الدولي في خضم معارضة داخلية شرسة تتخذ من الشارع مقرا للتظاهر ومحجة للاستياء..
فالقرائن المنطقية توحي بأن الدبلوماسي القادم توا من بروكسل، قد تفوته تعقيدات مشهد محلي يختلط فيه السياسي بالبراغماتي والقبلي، وأشياء أخرى لاتخضع عندنا أصلا لأي معيار سوي.
أسئلة وقرائن كان الرد عليها منسابا و مقنعا، عبر ممارسات الرجل العملية كوزير أول ثم وزير أمين عام للرئاسة.
فكان صاحب الرأي السوي ومحل الاجماع الوطني والمبادر للم الشمل المشتت بوجهات النظر المتنافرة لدى فرقاء المشهد السياسي.
ارتبط اسم الرجل بالحوار، وتبادل وجهات النظر، وعرف باعتداله وصونه للسانه، ونأيه عن خوض المهاترات السياسية واللفظية التي كانت ولازالت السمة الأبرز لكل السياسيين و رواد الفضائين الواقعي والرقمي في المنكب البرزخي.
ملاي تجاوز في ممارساته العملية والسياسية المشهودة كل الخلافات البينية التي تطل برأسها كل حين بين أقطاب الأغلبية ذاتها، وتسامى عن لغو القول والفعل تاركا لغيره إثم التأويل، وخوض صراع وهمي، وافتعال معارك جانبية يطبعها الكيد، لينشغل بالهم العام، ورأب الصدع، والتفكير في تنمية أساسها المواطن الموريتاني، تكرس دولة الحق والحريات والمواطنة و بذلك تحول من رجل دولة إلى ظاهرة بات المواطنون متمسكون بها ويبحثون بأعين حائرة عنها أو بعضا منها على الأقل، في كل مسؤول في الإدراة الموريتانية اليوم ... فرجاء لاتجعلونا نضيع من جديد فرصة أحد الأبناء البررة بهذا الوطن الحالم بطبعه.