إثر نجاح لائحة "الإصلاح" في مباريات النقابة، انطلق قطار الحديث على الأقل عن تنقية الحقل الصحفي، على يد المكتب التنفيذي الذي ظهر دون الرجوع للمجلس النقابي، النافذون فيه بعض أعضاء المكتب التنفيذي القديم، وبدأ الخوض في موضوع حساس، وتوج هذا التحرك بفصل أحد أعضاء النقابة، التي ظلت هادئة متماسكة إلى وقت قريب.
الإصلاح مهم لكن وفق الضوابط، وبعيدا عن الأهواء، وعلى يد طليعة قادرة على هذا الإصلاح، فما ظهر حتى الآن من مكتب تنفيذي للنقابة المحترمة، ليس على رأي البعض إلا لملء الفراغ، ولا يصلح للدخول في الملفات الشائكة.
فتجربة العمل الالكتروني صنعت هواة، يحسنون أحيانا كتابة الخبر ويعجزون غالبا عن كتابة مقال رأي أو تحليل رصين، وأغلبهم له أجندة سياسية تمنعه من الموضوعية، وبصراحة الطاقم الحالي إن أقدم على موضوع حساس مثل التنقية، فمعنى ذلك ربما تفجير الحقل لأغراض خاصة، ليس إلا.
كما أن الدعوة للعناية المالية بالصحافة " المهنية" تزكية وانحياز يحتاج إلى شهادات مدققة مريحة، فأن تحكم على البعض بعدم الاختصاص وتزكي نفسك لغرض في نفس يعقوب.فهذا لا يستقيم .
إن كل خطوة في هذا الاتجاه لابد لها من ضوابط كما أشرت، وما سوى ذلك تعجل وتفخيخ، وما لا يدرك جله قد لا يترك كله.
إننا حريصون على استمرار وهدوء وتماسك نقابتنا، كما أننا أحرص على ودية وهدوء وتعاضد الصحافة في المجال الأرحب الأوسع، وغير هذا قد يخدم بعض "أعضاء مكتب تنفيذي" فحسب، دون أن يخدم الحقل.
إن الدخول في حيز تنقية الحقل دون بوصلة، أشبه بالانقلاب الفاشل ،وأقل ما يقال في هذا الشأن، خطوة مرتبكة غير محسوبة البتة، كادت أن تؤدي بما حصلنا عليه من مكسب نقابي هش، في غاية الأهمية رغم هشاشته ونواقصه، ومن كان بيته من زجاج، فلا يرمي الناس بالحجارة.
ولعل العمل الصحفي يعاني من عدة تحديات ومظاهر وظواهر مخلة، لكن" ظاهرة" شراء القراء الوهميين من دول بعيدة، لا تقرأ العربية إلا لماما وغير مهتمة بالشأن الموريتاني، رشح مواقع الكترونية محلية لتصدر واجهة المشهد الإعلامي الالكتروني بصورة مفبركة، لا تستند إلا على الاحتيال.
أليس هذا أكبر مظهر مخز في واقعنا الإعلامي الالكتروني بوجه خاص، أما العمل الصحفي الورقي، فرغم بطء الحركة والانتشار، إلا أن هذا الصنف العريق من الإعلام، غطى عليه ما سمي عندنا محليا، بـ"بشمركة الإعلام الالكتروني"، السريع مع عدم الجودة غالبا، فهل من مدكر؟.
إن الإعلام المحلي مراهق يحتاج إلى التوجيه فعلا، لكن دون كسر الخاطر، والحكمة عموما تقتضي التدرج التربوي.
لقد تجاوزت النقابة الانتخابات وبعض التجاذبات، وليس كل التجاذبات، ومن الحكمة التريث ومواجهة النواقص والمنشود، بطريقة مدروسة عقلانية متوازنة.
و المؤشرات تدل على احتمال وقوع قلاقل وتوترات غير مستبعدة، أكثر ربما مما حصل لا قدر الله، وأصبو وأتطلع إلى وعي تجربة النقيب وغيره من الزملاء في المكتب التنفيذي الحالي وميلهم لللتشاور والعمل الجماعي المنسق، بدل المبادرات الفردية المعزولة الارتجالية.
مصلحة الصف الإعلامي وتماسكه، ولو نسبيا، أولوية، وينبغي الحذر من إثارة الزوابع والخلافات بين الزملاء دون حسبان.
وقد حرص النقباء السالفون على جمع الصف، وعلى النقيب الحالي الحرص هو الآخر على أن يكون للجميع دون تخندق أو تصفية حسابات بأي أسلوب.
إن نقابة الصحفيين الموريتانيين، تضم أكبر عدد من الزملاء، بالمقارنة مع بقية النقابات والروابط، وهذا نجاح يلفت الانتباه لمستوى الإقبال على هذه النقابة، إلا أنها مازالت تعبر مرحلة المشروع الواعد الطموح، وليس الواقع النقابي المؤسس على الركائز المنيعة، مما يعني بصراحة ضرورة الحرص على وجودها وتعزيزها تدريجيا، والولوج برفق وحكمة للمواضيع الخلافية، مهما كانت أهميتها موضوعيا وإصلاحيا، إلا أن المصلحة تقتضي التفهم والنظر البعيد الحازم.