ليس من السهل كما هو معروف تغيير مجاري الأنهار خاصة إذا كان المصب عميقا، نفس الشيء يحصل مع أنهار السياسية الجارية حيث يصعب التحكم فيها ويصعب توجيهها أو التوقع بإتجاه فيضاناتها حين تفيض . حديث رئيس الحزب الحاكم في روصو عاصمة ولاية اترارزة عن نهر"صنهاجة" الخالد كما جاء على لسان ولد محم، لايخلو من دلالة، وإن كان ولد محم أراد إظهار الرمزية التاريخية للنهر العظيم تقديرا للساكنة التي جاورت النهر قرونا طويلة خبرت فيها تحولاته وتقلباته ومواسم جفافه وإزدهاره.
غير أن صورة أخرى بعيدة يمكن إستداركها من المشهد بشكل عام، وهي الوضع الدقيق الذي تعيشه قوى الدفع بالمسار نحو التعديلات الدستورية، وتقترب الصورة لتظهر بجلاء أكبر في ولاية اترارزة.
اترارزة من أكثر الولايات الموريتانية تسيسا ونخبها من أكثر النخب ممارسة ومعرفة للسياسة، ولا تخفى حساسيتها من التعديلات الدستورية عكس باقى الولايات، نظرا لإرتباط الرموز المراد تعديلها في جانب من المقترحات الدستورية بشخصيات ورموز من الولاية ، إضافة لوجود شيخ عاصمتها "روصو" وعدد من قواها الحية ضمن صفوف المناوئين للتعديلات .
قد لا يكون مستساغا القول بأن استحضار رئيس الحزب الحكم لنهر "صنهاجة" بدلا من نهر السنغال، جاء عفويا ومن دون رمزية دلالية أراد المحامي والمثقف الموريتاني الإشارة إليها، خاصة بعد نجاحه علنا في حشد نخب الولاية وأطرها ورموزها الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية، والتجاوز بهم لخلافاتهم المحلية ومواقفهم العامة والخاصة من المقترحات الدستورية، وسحب منهم ببراعة تفويضا بالحديث وإعلان تحول مجرى النهر ليصب في منابع النظام وفي أجندته السياسية .
لكن هل يستطيع الحزب الحاكم ــ ومن خلفه النظام ـــ الاستمرار في التحكم في مجرى نهر هادر، مثل نهر "صنهاجة" لصالح أجندة النظام وتعديلاته الدستورية، أم النهر العظيم الذي عرف يوما خيل بن ياسين وكان شاهدا على أصعب ملفات موريتانيا السياسية والأمنية، وبقي دائما عصيا على التطويع، يحضر لمفاجأة الجميع والفيضان في اتجاه آخر لا تشتهيه سفن النظام؟
خاص- 28 نوفمبر