كانت الصفقة الأولى بين الأردن وإسرائيل بوساطة أمريكية، والتي أسفرت عن استبدال البوابات الالكترونية بكاميرا المراقبة الذكية، مقابل عودة قاتل الأردنيين إلى عشيقته في إسرائيل، هذه الصفقة التي مثلت قمة التجاهل للقيادة الفلسطينية، التي غابت عن الصفقة، وغاب معها الحضور المؤثر للقيادة على مجريات الاحداث السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
لقد ادركت القيادة الفلسطينية معاني تجاهلها السياسي، فسارعت إلى اللحاق بركب الصفقات، فأعلنت عن تقديم موعد اجتماعها الذي كان مقرراً يوم الأربعاء إلى يوم الثلاثاء، وأكدت خلال اجتماعها على جملة من القرارات السابقة، بما في ذلك مواصلة تجميد التعاون الأمني إلى حين عودة الأمور في المسجد الأقصى إلى ما كانت عليه قبل 14 تموز.
تعجيل موعد اجتماع القيادة يشير أولاً إلى تخوف القيادة من الابعاد المستقبلية للصفقة التي عقدتها الأردن مع إسرائيل بتدخل أمريكا، وتم خلاله تجاهل دور القيادة الفلسطينية، ويشير ثانياً إلى رغبة القيادة في مجاراة الحالة الفلسطينية الثائرة، واستثمارها في تعزيز مكانتها القيادية في أوساط الشعب الفلسطيني، وإثبات نفسها قوة قادرة على تحريك الشارع، ولاسيما أن المرجعيات الدينية في مدينة القدس، وهم القادة الميدانيين للانتفاضة، قد اتخذوا قراراهم بعدم قبول الصفقة، ورفض الحل التجميلي المتمثل باستبدال البوابات الالكترونية بالكاميرا الذكية.
القيادة الفلسطينية تريد أن توصل رسائلها إلى المبعوث الأمريكي أولاً، وتريد أن توصل رسائلها إلى إسرائيل ثانياً، وإلى الدول العربية ثالثاً، ولاسيما أن هذه الأطراف الثلاثة قد تكرر تجاهلها لدور القيادة الفلسطينية، حيث سبق وأن اجتمع الملك عبد الله والرئيس السيسي ورئيس الوزراء نتانياهو مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في شهر شباط من العام 2016، بشأن يخص القضية الفلسطينية متجاهلين وجود قيادة مستقلة للشعب الفلسطيني.
خلفية المشهد السياسي التي انبثقت منها قرارات القيادة الفلسطينية بالتصعيد ضد الاحتلال الإسرائيلي تقول: إن الشعب الفلسطيني على مفترق التنافس السياسي في مواجهة الهجمة الاستيطانية، وليس على طريق المواجهة الاستراتيجية المفتوحة حتى كسر الاحتلال، وهذا ما أكده محمود عباس في مستهل اجتماع القيادة الفلسطينية حين قال: إن تجميد التنسيق الأمني مع اسرائيل سيستمر حتى عودة الامور الى سابق عدها في الاقصى.
وسابق عهدها هو الاحتلال، وسابق عهدها هو مواصلة الاستيطان، وسابق عهدها هو التهويد المتواصل للمقدسات، وسابق عهدها هو الاقتحامات اليومية من قبل المتطرفين الصهاينة، فسابق عهد القدس في منتصف شهر تموز لم يكن بأحسن حالاً من لاحق عهدها.
وكان يجب على القيادة الفلسطينية أن تطمئن الشعب الفلسطيني على مصير القرار السياسي الفلسطيني المستقل من خلال العمل الجماعي الموحد، وعقد الإطار القيادي للمنظمة، وإلغاء كافة قرارات حصار غزة، والحرص على الوحدة الوطنية مع كل أطياف الشعب الفلسطيني، وتطبيق قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني لا بتجميده فقط، وكان يجب على القيادة أن تؤكد للشعب الفلسطيني بأنها تسير معه حتى تحقيق كامل أمانيه بدحر الاحتلال وذلك من خلال اتخاذ خطوات عملية مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والنزول إلى ميدان المواجهة مجال الاختبار الحقيقي.
أيام معدودات وستنجلي الصورة، وسيدرك الشعب الفلسطيني بغريزته نوايا الجميع، وهل نحن أمام تصعيد حقيقي يهدف إلى دحر الاحتلال، أم نحن في انتظار صفقة جديدة لا تختلف كثيراً عن الصفقة التي تم ترتيبها بين الأردن وإسرائيل، ولكن بواجهة فلسطينية هذه المرة.