اليوم يعلن المجلس الدستوري للموريتانيين أنه صادق على نتائج استفتاء"الأموات" قبل الأحياء وأنه يقبل ويزكي تغيير العلم والنشيد وإسقاط مجلس الشيوخ من دستور الجمهورية والحياة السياسية الموريتانية.
اليوم بلاريب يوم فارق وحزين في تاريخ هذه الجمهورية اليافعة التي لم تكمل بعد عقدها السادس، وهي تكفكف الدمع حزنا على علمها الذي شوهو بالحمرة خضرته واستباحو ألوانه بحجج واهية.
طبعا لايقيمون وزنا للكم الهائل من الشهداء الذين سقطوا عند سارية ذلك العلم دفاعا عن تلك الألوان التي سيطويها النسيان،
لم يعد هناك معنى لتذكر تضحيات أولائك الأبطال مادام تغيير علمهم يمكن أن يتم بهذه السهولة من رفاق سلاح لم يخوضوا معركة واحدة في حياتهم.
اليوم تستخرج رسميا شهادة وفاة لنشيد التوحيد"كن للإله ناصرا وأنكر المناكرا" بحجة أنه لايتناغم مع حماس المؤسسين الجدد "للجمهورية الثالثة" لم تعد قصيدة "للمرابط" الشيخ سيديا بابه تحض على التوحيد مناسبة ليرددها أبطال التأسيس من جنرالات الورق هذه الكلمات الموغلة في التثقيف الخلقي لواجب العلاقة بين العباد ورب العالمين لن تعكس هوس هؤلاء بالأمجاد الزائفة وسعيهم الحثيث لوضع بصمتهم على كل شيء في تلك الربوع
لكن الآن وبعد أن طويت صفحة الاستفتاء وبدأ عهد الجمهورية الثالثة فعلا لا قولا هل حقا تغيير و سيتغير شيء في حياتنا البائسة؟
سنحاول أن نكون ديمقراطيين وحداثين منفتحين يقبلون الهزيمة حتى وإن كانت بسلاح التزوير وليس الانتخاب وسنقبل معكم نتيجة تعلمون علم اليقين أنها لاتعكس إرادة شعب مغلوب على أمره ،سنبتلع بمرارة هذه الهزيمة ونسلم معكم بقدرنا، بل وسنتظاهر باحترام علمكم المشوه وندعي الطرب لتشيدكم المبتور، لكن هل سيغير كل هذا من الواقع المرير لهذا الشعب الفقير حد البؤس؟
جولة قصيرة في شوارع الجمهورية الثالثة مع بداية تاريخها تكفي لفهم أن الواقع بائس ومرير لدرجة لاتوصف، المستشفيات المتهالكة التي تغص بالمرضى والطرق الغارقة بالوحل والطين والمدن البائسة التي يعشعش الحزن في جنباتها ستفضحكم أيها السادة.
الكهرباء المقطوعة والمياه الملوثة وطوابير العاطلين وجيوش المتسولين التي تجتاح كل الطرق ستحرج علمكم ونشيدكم وستقضي على جمهوريتكم الوليدة وهي في المهد.
سيكون من العسير على السواد الأعظم من البسطاء المطحونين أن يصدقو أن جمهورية جديدة ولدت من رحم المعناة، لايعني لهولاء هذا الميلاد أكثر من نكتة يتسلون بها في زمن الحزن والوجع الموريتاني.
سيكون عليكم أن تقنعو الشباب الذين أقفلت في وجوههم كل طرق العيش الكريم أن شيئا قد تغير، سوف يسخر منكم البسطاء الفقراء عندما تتحدثون بزهو عن العلم والنشيد والجمهورية الموعودة، لاتعني هذه الكلمات شيئا لمن يقاسي لتأمين وجبة واحدة في اليوم لعائلة عريضة تعيش تحت عريش متهالك في إحدى "كزرات العاصمة" لايفيد منطق التخوين والبحث عن أمجاد زائفة في تغيير واقع مرير لاتصفه الكلمات ولاتغيره العبارات مهما كانت جميلة وساحرة وحالمة.
سيطرح الجميع عليكم كل يوم نفس السؤال ماذا بعد؟ غيرتم ورسمتم ووضعتم الألوان لكن ماذا بعد؟ هل سيجني المواطن المطحون فائدة من جمهورية الماندرين التي أعلنتم ميلادها؟ طبعا ستجيبون إنها في يومها الأول فلاتتعجلوا الحكم عليها، هنا فقط يحس الفقير بمرارة أنه خدع ليس فقط لأنه عاش على أمل التغيير وحياة أفضل طيلة عشر سنوات، إنما أيضا لأن هذه الفترة بكل آلامها ساقطة من حسابات مؤسسي الجمهورية الثالثة الذين هم نفسهم من سحق بهدوء الجمهورية الثانية وهم مستعدون لاختلاق كذبة أخرى تغطي على فشلهم الذريع تماما كما ابتكروا كذبة الجمهورية الثالثة.
سيعود الفقير المنهك إلى عريشه يناجي أمعائه الخاوية وفِي رأسه آلاف الأسئلة عن حكامه وجمهورياتهم الموعودة ثم يخلد إلى نوم عميق يستيقظ بعده في اليوم الثاني للجمهورية الثالثة متمنيا حظا أفضل من الجمهورية السابقة وسيكتشف أنه فقط تغيرت الأسماء لا أكثر ولا أقل.