كاتب صحراوي قبلى: يعلن الحرب على وحدة موريتانيا |
الجمعة, 17 يناير 2014 20:43 |
إلى متى يظل النظام العسكري الموريتاني يحتقر سكان و ينهب ثروات المجتمع الصحراوي... تحت هذا العنوان هاجم كاتب صحراوى وحدة موريتانيا مدعيا مدينة ازويرات كجزء لايتجزأ من الصحراء، واصفا الأنظمة المتعاقبة باستغلال موارد ازويرات وتهميش السكان الأصليين وجاء في نص المقال: تعتبر مدينة ازويرات مدينة صحراوية بإمتياز، لا من حيث الموقع فقط، بل كذلك من حيث التاريخ و التركيبة السكانية، فالزويرات هي عاصمة الركيبات أولاد موسى وأولاد غيلان و قبائل من الشرفاء لحراطيين و بعض عائلات لمعلميين غيرهم...و بها كاتب مشايخ قبائل تيرس- زمور أول معاهدة للسلام مع السلطات في الجمهورية الفرنسية سنة 1939، تلتزم بموجبها الحكومة الفرنسية بوقف الغارات الجوية ضد خيام و عائلات المجاهدين و المقاومين، وتخصص نسبة مئوية من الثروات المعدنية المكتشفة الى عائلات الشيوخ الموقعين على المعاهدة طيلة 99 سنة من تاريخ توقيع المعاهدة، وجهتهم يتعهد و يلتزم المشايخ الموقعون برئاسة الشيخ محمد ولد الخليل على توفير السلم و راحة البال للقوات الفرنسية في تحركاتها و بحثها عن الثروات المعدنية و الطبيعة هنا و هناك، و عدم الإقتراب من قواعدها أو مهاجمة مواقعها، و احترام المستكشفين البيظان من الرحالة المتعاونين معها، ومنذ عشرات السنين ظلت ومازالت الزويرات هي أهم المدن الموريتانية على الإطلاق، فبدون عاصمة تيرس، لا يمكن الحديث عن وجود دولة موريتانية قائمة أو موجودة، فهذه المدينة هي عصب الاقتصاد الوطني في موريتانيا والقلب النابض لأهم مورد اقتصادي في البلاد، منذ ما قبل الاستقلال حتي اليوم. وعلى مدى أكثر من خمسة عقود، ظلت المناجم الحديدية في ولاية تيرس الزمور عرضة للاستغلال اليومي مقدمة لخزينة البلاد الشنقيطية واحدا من أهم شرايين حياتها.
لكن الغريب في الأمر، هو أن الوضع المنجمي للمدينة، لم ينعكس علي واقع ساكنيها الأصليين من الصحراويين الذين عرضهم الجيش الموريتاني في حرب الصحراء الغربية لمذابح عرقية منظمة و فظيعة للغاية لم تشهد شمال أفريقيا مثيل لها، لدفعهم الى ترك بلدتهم و التخلي عن أرضهم و الهجرة عن ثراواتهم، و بالفعل فقد شرد و قتل الآلاف و سجن الآلاف وذبح الأطفال و النساء و الشيوخ و بطش المرتزقة المجندون في صفوف الجيش الموريتاني بأرواح الناس و عبثوا بممتلكاتهم، و فقدت الناس مئات الآلاف من الإبل و باقي الممتلكات التي سرقها فلول المرتزقة الجبانة من فصائل القوات الموريتانية الغازية، و تم تهجير الركيبات من مدينتهم و من بقي منهم هناك، فرض عليهم أن يظلوا يرزحون تحت وطأة الكثير من المعاناة كالفقر والبطالة والعطش والعزلة الخانقة.
المناجم والأثر السلبي على السكان الأصليين.
وفي وثيقة مهمة للغاية حصلت عليها عن طريق صديق يقيم في العاصمة الفرنسية، أنه في منتصف القرن الماضي، جاء عقد الخمسينات لتبدأ مرحلة جديدة كان عنوانها الأبرز هو استغلال المناجم وتصدير الحديد عبر سكة حديدية يصل طولها إلى أكثر من 600 كلم. تفاءل قبائل أولاد غيلان و الركيبات أولاد موسى وأهل الشيخ الولى و غيرهم خيرا، وحسبوا الأمر بداية الغيث. وقع الفرنسيون عقودا مع شيوخ القبائل التي تسكن المدينة و منطقة تيرس بموريتانيا برمتها. و قد ظهر منها بعض الأسماء التي نعرفها، و بها أسماء ربما مستعارة ، لأني لم يسبق لي السماع بها في مجتمع البيظان، وقد كانت تلك العقود والإتفاقيات الموقعة في مثل هذا الشهر من سنة 1948، تضمن لأبناء منطقة تيرس الأسبقية في التشغيل والأولوية للمنطقة في التنمية انطلاقا من عائدات الحديد الوفيرة. لكن عندما وصل سكان جنوب موريتانيا الى السلطة في العاصمة نواكشوط، لم يحترموا في يوم من الأيام أي حق من حقوق سكان تيرس، بل و الخطيرفي الأمر كله، هو أنهم عمدوا الى الدفع بتهجيرهم من منازلهم و طردهم الى الشتات في دول الجوار ليستريحوا منهم و يستفردون بعائدات أكبر مناجم معدنية في العالم، تدر على خزينة الدولة مليارات الدولارات في السنة، تتم سرقتها من طرف أبناء قبائل وسط و جنوب موريتانيا المتحكمون في شؤون الدولة المركزية منذ الإستقلال، بينما أبناء قبائل الشمال، المالكون الأصليون لهذه الثروات، يموتون جوعا و عطشا و تهميشا و منهم من أصبح يأكل الجراد يسقي عطشه مع المواسم المطرية، حيث الجوع بلغ أشده في الزويرات عاصمة هذه المناطق الثرية، و مؤامرات الحكومات العنصرية القائمة في نواكشوط مستمرة في النهب و البطش و الظلم.
ولمدة خمسين سنة، منذ أن وقع أجدادنا معاهدة في هذا الخصوص مع السلطات الفرنسية و ليس مع حكومة الميز العنصري القائمة في نواكشوط ، ظلت مناجم الحديد تستغل وبشكل يومي في مرحلتها الأولية. كان القطار يجر خلفه 300عربة حمولة الواحدة منها 80 طن على الأقل، أما اليوم فتضاعف العدد ليصبح عدد القطارات أربعة، كل واحد منها يجرأكثر من 300 عربة، حمولة كل عربة 80 طنا.
خلال كل هذه الفترة، شهد قطاع المناجم والحديد في موريتانيا عدة تحولات، كان أولها تأميم ميفرما عام 1974، ثم بعد ذلك تضاعف الانتاج واصبحت شركة اسنيم هي تاج الاقتصاد الموريتاني بلا منازع وصاحبة اكبر احتياطي من العملة الصعبة وطارقة أبواب أكبر الأسواق الدولية.
كان حظ الموطن التيرسيي جد زهيد؛ فلا توفير للسكن ولا تحمل لتكاليف العلاج لمدينة تلوث مناخها ومرض سكانها و انتشر السرطان في أجساد جميع ساكنها تقريبا، بفعل انبعاثات المناجم السامة وانتشار عدة أنواع من الأمراض الصدرية القاتلة والمزمنة التي تتستر الحكومة المركزية عليها،لأنها تعتبرها مفيدة للقضاء على ما تبقى من الساكنة الأصلية.
أما التنمية فقد غابت كليا من عاصمة ولاية تيرس الزمور، إذا ما قيست بأي مدينة من المدن الأخرى في العالم التي تملك عائدات اقتصادية جوهرية، فالتعليم منهار عن آخره في الزويرات، وأفضل أيامه، كانت في عهد الحماية الفرنسية، حيث كانت فرنسا توفره من التحضيري الى الجامعي لجميع ابناء مدينة الزويرات، و تمنحهم منح لمتابعة دراساتهم الجامعية في ارقى الجامعات الدولية، أما في ظل النظام المسلح الحاكم بالنار و الحديد و الظلم و العنصرية و الدكتاتورية في دولة موريتانيا الجمهورية، فإن التسرب المدرسي منتشر والعزلة سارت تقتل المدينة، الموت يوميا بسبب غياب المرافق الصحية و انتشار الأزبال و تلوث المياه الجوفية. أما من حيث العمالة فالبطالة منتشرة بين صفوف ابناء المدينة الأصليين الذين زاحمهم في سوق العمل ابناء الوطن الذي تساعدهم الدولة في الهجرة من مدنهم الى الزويرات، في مساعي لتغيير الطابع الديمغرافي الأصيل للمدينة ، فكان انعكاس ذلك سلبيا على ابناء مدينة ازويرات مع الغياب الكلي لحقهم في ولوج قطاع العمل في المناجم، ولئن قدر لأحدهم ولوج العمل في قطاع المناجم، فسيكون بكل تأكيد من باب عمل الجرنالية(أصحاب الأعمال الشاقة اليومية براتب نصف دولار في اليوم و دون الحق في التأمين و لا في أي حق من الحقوق، و "الجرنالية" وهي أوسع باب من ابواب الإحتقار و المعاناة التي تتعامل بها الحكومة المركزية مع أبناء الساكنة الأصلية في مدينة ازويرات، بل وتعتبر من انواع الاسترقاق المفروض في سوق العمل. بينما الوظائف الرسمية في الشركة، فهي حكرا على المنحدرين من عائلات و معارف قادة مؤسسة الحكم المركزية في العاصمة نواكشوط.
العزلة والجوع و العطش وأنتشار الأمراض السرطانية و الوبائية الخطيرة
لقد كان النجاح الباهر الذي حققته شركة اسنيم ليجعلها ايقونة الاقتصاد الوطني الموريتاني امر يدعو للفخر. وقد رام من خلاله ساكنو مدينة ازويرات، أن يحقق ذالك النجاح طفرة في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وهوما لم يتحقق. لقد أنشأت شركة "سنيم" شركة تابعة لها لتشييد وبناء الطرق المعبدة والمدعمة، وهي الشركة الموريتانية للطرق التي استطاعت ان تحقق عائدات مادية فاقت التوقعات من خلال نجاحها في تشييد الطرق في اكبر دول المنطقة، و هي أيضا ممنوع على أبناء تيرس عموما العمل فيها، و هذه الشركة المختصة في بناء الطرق المعبدة وهو ما اعطاها صيتا قويا في السوق الدولية عموما وفي شبه المنطقة خصوصا، وما جعل سكان مدينة ازويرات يترقبون في أي وقت لفتة كريمة من شركة عصب حياتها هو معادنهم ومناجمهم. لقد شيدت هذه الشركة اكبر الشوارع والطرقات في ارجاء الوطن الشنقيطي، لكن لم يكن أبدا لمدينة ازويرات منها أي حظ او نصيب، وهو ماجعل المدينة اليوم منعزلة عن البلاد بشكل شبه كلي مقصود من سلطة الحكم المركزي، وهي اليوم تعود كما كانت الى وقعها الطبيعي اكثر ارتباطا وتواصلا مع المدن الصحراوية من تواصلها مع المدن الموريتانية.
والأغرب من كل هذا وذاك، أن مدينة ازويرات الخمسينية، لا تتوفر على شبكة مائية، وتحتكر الشركة الموريتانية للصناعة والمناجم "اسنيم" الماء من أجل رش وتثبيت المعدن على مدار القطار خلال عبوره لمسافة 600 كلم بين ازويرات ومدينة انواذيبو، حيث يصدر الى الأسواق الدولية، بينما يبقى حق المواطن في الماء، مرتبط بتوزيع جزئي لا يغطي حاجة المواطن من الماء، تلك الحاجة التي تتضاعف بشكل غير متوقع في فصل الصيف، حيث ترتفع درجة الحرارة الى ما فوق الخمسين.
- الموساوي موسى ولد لولاد
|