‘اعلان الكويت’: نهاية ‘دبلوماسية تقبيل اللحى’
الخميس, 27 مارس 2014 00:08

رأي القدس: اختتمت القمة العربية الخامسة والعشرون اعمالها في الكويت امس باصدار ‘اعلان الكويت’ الذي تضمن ‘قرارات’ بشأن الاوضاع والازمات في عدد من البلاد العربية الى جانب إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الاوسط.

وحيث ان حصيلة القرارات تبلغ 15000 كلمة (نعم خمسة عشر الف كلمة)، اي ما يكفي لتأليف كتاب، فليس واردا التعرض هنا الى كافة جوانبها. وبعيدا عن ‘كليشيهات’ من نوع ان اغلب هذه القرارات لا تستحق ثمن الحبر الذي كتبت به،(وهو الواقع للاسف)، نكتفي هنا بهذه المحطات السريعة في قراءة نتائجها الحقيقية.

اولا: شهدت قمة الكويت تغييرا في خريطة ‘توزيع القوى التقليدية’ داخل اجتماع القمة، اذ لم تعد السعودية العضو الاكثر هيمنة على مقرراتها بغض النظر عن البلد الذي تنعقد فيه، كما كان الحال في الماضي. فها هو مقعد سوريا يظهر خاليا بعد ان هددت اربع دول (ويقال سبع) بالانسحاب اذا منح المقعد للائتلاف المعارض. وهو ما ادى الى انزعاج سعودي واضح، عبر عنه ولي العهد السعودي في كلمته. وبالطبع لم يعدم الامين العام للجامعة العربية الاعذار والتبريرات التي فشلت في التغطية على مدى عمق الانقسام العربي بشأن الوضع السوري، رغم الاتفاق على كارثيته.

وهكذا بدا ان ثمة جبهة عربية جديدة تتبلور في اتجاه التحفظ وربما الرفض للتوجه الذي تقوده دول خليجية بشأن سوريا. وليس واضحا ان كان الائتلاف سيتمكن من استعادة المقعد السوري في قمة القاهرة المقررة في آذار/مارس 2015. كما ابرزت القمة ظهور جيل جديد من القادة العرب، قد يكون اكثر براغماتية في التعامل مع القضايا الخلافية، بعيدا عن دبلوماسية ‘تقبيل اللحى’ التي طالما لم يعل صوت على صوتها في كواليس القمم العربية السابقة، طالما اثبت الماضي هشاشة ما نتج عنها من مصالحات وتسويات، دون ان يعني هذا تجاهل الحقائق الاستراتيجية والحسابات الجيوسياسية التي تحكم العلاقة بين البلاد االعربية، والتي قد تفرض نفسها على الواقع بحكم قوانين الطبيعة.

ثانيا: اثبتت النتائج الواقعية للقمة خطأ ما كان يقال قبلها، من ان مجرد انعقادها يعد ‘انجازا’، حيث اتسعت الهوة في العديد من الازمات وبينها الانقسام الخليجي. وهو ما بدا واضحا عندما قرر ولي العهد السعودي الخروج عن الترتيب التقليدي لالقاء الكلمات، وطلب ان يتقدم على كلمة الامين العام للجامعة، حتى يتمكن من الرد مباشرة على كلمة امير قطر، التي تضمنت انتقادات ضمنية لكن واضحة لبعض السياسات السعودية.

وبالرغم من ان كلمة الامير السعودي لم تكن مسموعة تماما بسبب عطل اصاب الميكروفون، وايضا لاسباب صحية جعلت الاجزاء المسموعة منها غير مفهومة، الا انه كان واضحا انها اتسمت بالغضب، وهو ما تأكد بقراره مغادرة الكويت بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية مباشرة. وهكذا ضاعت فرصة حقيقية على العرب جميعا، اذ ان امير الكويت كان يتطلع الى العمل في الكواليس على بذل جهود جدية وصادقة لرأب الصدع، وخاصة في البيت الخليجي.

ويبدو جليا لكثير من المراقبين ان الازمة قد تتجه الى تصعيد وليس تهدئة. بل ان البعض قد يعتبر ان ‘اعلان الكويت’ هو في حقيقته ‘اعلان لوفاة مجلس التعاون الخليجي’ حتى اذا بقي قائما من الناحية الشكلية، وهو ما يجعل البعض يتساءل اذا كانت القمة في محصلتها ساعدت في الحل ام عمقت الصراع وصعدت التوتر، الى درجة ان اعلان الكويت قد تجاهل هذا الملف بالكامل.

اما النتيجة فهي ان الخلافات سرقت الاضواء، بالرغم من بعض المصافحات، وبعض العبارات الدبلوماسية، والاهم تحذيرات امير الكويت للجميع في خطابه من ان الخلافات اصبحت تهدد الوجود العربي نفسه.

ثالثا: بالرغم من ان ‘اعلان الكويت’ يقول في ديباجته ان القرارات قد صدرت عن ‘مجلس قمة الجامعة العربية’، الا انها في الحقيقة ابعد ما تكون عن ذلك. وبدا هذا واضحا في غياب ليس فقط بعض الزعماء بل ووزراء خارجيتهم ايضا عن الجلسة الختامية التي القي فيها. وهذا اسلوب دبلوماسي للتنصل من القرارات والاعلان المسبق عن عدم الالتزام بها.

اما كنه القرارات، فان بعضها ليس سوى نسخ من قرارات سابقة، وهو يكشف عمق المأزق والعجز العربيين، سواء عندما تتحدث عن الذهاب الى مجلس الامن بشأن سوريا او فلسطين، او تبني مواقف متناقضة تجاه اسرائيل، ومن بينها التأكيد على الالتزام بمبادرة السلام العربية، ثم التشكيك في جدوى مواصلة الالتزام بها، في ضوء المواقف الاسرائيلية المتعنتة.

واخيرا فان القمة لم تكن كلها سيئة، كما قد يسهل القول. فقد اظهرت تقلصاتها حتمية التوصل الى مقاربات بعيدا عن سلك طرق قديمة عفا عليها الزمن.