أوباما ـ بوتين: دبلوماسية القوة وقوة الدبلوماسية! |
السبت, 29 مارس 2014 00:50 |
عبد الحسين شعبان تركة الرئيس جورج دبليو بوش لا تزال ثقيلة على الرئيس أوباما، وخصوصاً تداعيات غزو أفغانستان العام 2001 واحتلال العراق العام 2003، ناهيكم عن تدهور سمعة الولايات المتحدة، خصوصاً ما حصل في حروبها وسجونها، من تورا بورا إلى قلعة جانكي ومن أبو غريب إلى الفلوجة، ومن السجون السرّية الطائرة والعائمة إلى غوانتانامو، وصولاً إلى الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة التي ضربتها بالصميم، واحتاجت إلى تدخّلات من جانب الدولة لدعم مصارف عملاقة وشركات تأمين جبّارة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه… كل ذلك واجه أوباما منذ بداية أزمة العام 2008 العالمية التي انعكست على الولايات المتحدة على نحو حاد وأدّت إلى انهيارات اقتصادية ومآزق مالية، فاضطّر إلى الانسحاب من العراق في نهاية العام 2011 وأعلن عن رغبته في الانسحاب من أفغانستان خلال العام 2015. ومنذ توليه دست الرئاسة واجه أوباما تحدّيات كبرى، خصوصاً الخيارات المتعارضة بشأن الستراتيجية الأمريكية على المستوى العالمي في القرن الحادي والعشرين، استمراراً وتأكيداً للنظام العالمي الجديد الذي انبثق في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتحوّل الصراع الآيديولوجي العالمي من مساره السابق إلى مسار جديد، لاسيّما بعد سقوط جدار برلين العام 1989 وتفكّك الاتحاد السوفييتي العام 1991. كان الاتجاه الأول يدعو إلى تقليص النفقات العسكرية والأمنية، والتركيز على بناء الأمة عن طريق تطوير الاقتصاد والبنى التحتية والتعليم والصحة وغير ذلك. أما الاتجاه الثاني، فإنه يريد استمرار التفوق العسكري الأمريكي العالمي، الأمر الذي يستلزم إدامته، لأن الانصراف إلى الداخل سيؤدي إلى العزلة، وبالتالي ستكون نهاية الدولار كعملة احتياط عالمية متسيّدة ومعها الرفاه الاقتصادي الأمريكي، وذلك هو ما يميّز الولايات المتحدة ومجتمعها عن سائر المجتمعات العالمية الكبرى. ظلّ أوباما “محتاراً” بين اتجاهين أو لنقل بين تيارين ورؤيتين، وتتجاذبه عوامل ضغط من الفريقين في إطار المجمّع الحربي- الصناعي، علماً بأنه دخل إلى البيت الأبيض خلفاً لسلفه بوش، الذي اندفع في استخدام قوة الولايات المتحدة الضاربة على حروب خارجية ونفقات عسكرية، ناهيكم عن خسائر تعرّض لها الجنود الأمريكان، الأمر الذي أثار سخط الرأي العام الأمريكي، وهو ما دفع أوباما إلى التدقيق بخيار الحرب، وحتى لو أراد الحفاظ على القوة الأمريكية المتفوقة، لكنه كان يحاول المداورة باتجاه الداخل، مع تغيير في الوجهة الخارجية أحياناً، من أوروبا والأطلسي إلى آسيا والباسفيك. ما يتفق عليه الاتجاهان هو العمل بكل الوسائل دون العودة إلى نظام القطبية الثنائية، والعمل على إبقاء الولايات المتحدة القوة العظمى الأولى، وخاصة بعد انحلال الاتحاد السوفييتي الذي برز كقوة عظمى منذ انتهاء الحرب الباردة في العام 1945 وقيام الأمم المتحدة، لكن ذلك لم يمنع واشنطن من العمل لإبقاء تفوّق الدولار وفي إطار سباق محموم للتسلح، دفع الاتحاد السوفييتي ثمنه باهظاً، خصوصاً ببرنامج حرب النجوم، حين خصصت واشنطن تريليوني دولار لها العام 1983، وتلك كانت بداية نهاية الاتحاد السوفييتي. هل يمكن لروسيا اليوم وبعد ربع قرن على انحلال الامبراطورية الاشتراكية العودة إلى سباق جديد للحرب الباردة؟ تجيب ستراتيجية موسكو حول الأمن القومي الروسي لغاية العام 2020، إلى ضرورة العمل لتحويل روسيا إلى دولة كبرى مجدداً، بحيث يكون اقتصادها إحدى الدول الخمس الأكبر اقتصاداً في العالم. روسيا قبل المأزق السوري والورطة الأوكرانية، لم تفكّر في مجابهات مكلفة مع حلف الأطلسي، بل قرّرت بناء ستراتيجية أساسها المساواة والمصالح المشتركة معه ومع واشنطن بالذات، لكن روسيا تدرك أن واشنطن لم تعد تقوى على الانفراد بالقرار الدولي، باعتبارها القوة الآحادية الأعظم لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، ولعلّ مرحلة ما بعد الحرب الباردة 1947-1989 قد وصلت إلى نهايتها خلال ربع القرن الماضي، لكن ذلك شيء وقيام نظام دولي جديد، بديل عن النظام القائم أو تعديله جذرياً لا يزال لم يتبلور حتى الآن، لا على الصعيد النظري ولا على صعيد توازن القوى الدولي، حتى أن الكثير من القوى الدولية التي تتصارع مع القوة الكبرى لا تريد المواجهة، وقد لا تقوى عليها، سواءً كانت الصين أو الهند أو اليابان أو الاتحاد الأوروبي أو البرازيل، خصوصاً والأمر يتعلق بمضمون الصراع، إضافة إلى شكله وسيناريو إخراجه، فضلاً عن تبعاته الباهظة. والسؤال الكبير: لكن هل من السهولة تغيير دور الزعامة الأمريكية التي تم بناؤها لبنة لبنة، اقتصادياً وعسكرياً وعمرانياً وثقافياً وتنموياً واجتماعياً وقانونياً وفنياً وأدبياً وعلى جميع الصُعد أم إن ذلك ضرب من التمنّي في الوقت الحاضر؟ لا شكّ إن الأمر يحتاج إلى حشد من المتغيّرات وظروف تساعد في تحقيق ذلك، دون إسقاط الرغبات على الواقع. ولكن صمود دولاً مثل الصين واليابان والهند والبرازيل إضافة إلى روسيا، قد يسهم في التسريع للمشاركة في اتخاذ القرار الدولي، لاسيّما من خلال نفوذها الاقتصادي ونمائها ووزنها المالي، وقد تندفع بعض المجموعات نحو التغيير، لكنها قد لا تحدث شيئاً سوى المزيد من الفوضى الجديدة، إذ لم يحن الظرف بعد لمنافسة حقيقية للقطبية الأمريكية الآحادية، حتى وإن بدت ضعيفة. إن حدود القوة والدبلوماسية التي تمتلكها روسيا قد تقود إلى صراع القوميات وصدام المصالح، كما هو الأمر في سوريا وأوكرانيا، والأمر لا يتعلّق بالقواعد العسكرية الروسية في طرطوس أو سواستبول فحسب، أو بقرارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل بمدى استعداد الرئيس الأمريكي أوباما، للمواجهة الحاسمة، أما إصدار التحذيرات والانكفاء للداخل، فقد يحدث ثغرة تتسع مع مرور الأيام. قد لا يكون الأمر بمعزل عن الصراع الداخلي في كلا البلدين، وقد تستمر القوى الدولية المتصارعة بالنظر إليه على طريقتها: لا ربح ولا خسارة، لا نصر ولا هزيمة، والحل السياسي حتى الآن صعب المنال، ما لم تتوفر قاعدة للتسوية في المصالح وتبادل المنافع، وقد تكون هزيمة روسيا في سوريا أو في أوكرانيا مكلفة للغرب نفسه قبل روسيا، خصوصاً ما قد تسببه من خسائر اقتصادية للغرب ذاته، فقد كلّفت عملية احتلال العراق نحو ثلاثة تريليونات دولار، ولا تزال آثارها باقية حتى الآن، ثم هل يمكن مواجهة روسيا بعمل عسكري لو قرّرت فصل شبه جزيرة القرم التي أهداها نيكيتا خروشوف القائد الشيوعي الأوكراني الأصل، العام 1954 إلى بلده الأصلي أوكرانيا، أيام التحالف الآيديولوجي- السياسي بين الروس والأوكرانيين وسائر الشعوب والأمم المنضوية تحت عنوان الاتحاد السوفييتي؟ الروس يعتبرون أن ظروف معاهدة بودابست لعام 1994 وتصويت مجلس الدوما العام 1992 وضمان مجلس الأمن الدولي وحدة أراضي أوكرانيا والامتناع عن استخدام القوة ضدها قد تغيّرت، لاسيّما معاناة الروس في شبه الجزيرة وهم أغلبية، ولهذا أجرت روسيا مناورات حربية شارك فيها 150 الف جندي على طول الحدود البرية بين البلدين، وللسبب ذاته تعتبر معادلة سوريا، بعد خسارة ليبيا وقبلها العراق وقبلهما مصر، إنما هي التي تقف في حدود دبلوماسية القوة، لكن دبلوماسية القوة الروسية قد تؤدي بها إلى ماراثون للتسلّح أقرب إلى حرب النجوم الذي اختارته واشنطن للاطاحة بالاتحاد السوفييتي السابق، فهل تقوى روسيا عليه اليوم؟ وهل تستطيع واشنطن اختيار هذا الطريق مجدداً؟ فروسيا اليوم هي غير الاتحاد السوفييتي، وهي تدرك أن القوة بالاقتصاد وليس بالسلاح أو بالآيديولوجيا، تلك التي تريدها قوة الدبلوماسية الجديدة، وفي الوقت نفسه دبلوماسية القوة!
باحث ومفكر عربي |