ليبيا بعد القذافي |
الاثنين, 19 مايو 2014 20:30 |
يونس السيد سقط نظام معمر القذافي في ليبيا ورحل ثالث زعيم أطاحت به “الثورات العربية” بعد هروب زين العابدين بن علي في تونس وإقصاء حسني مبارك في مصر، لكن القذافي لم يسقط وحده في المعارك التي حسمتها أساطيل حلف “الناتو”، من دون توفير أي بديل وطني – ديمقراطي، كما بشرت به تلك “الثورات” وداعميها، لتسقط ليبيا كلها في براثن الفوضى والمجهول وتتحول إلى ساحة لصراعات دموية وحروب قبلية وميليشياوية مفتوحة على كل الاحتمالات . بهذا المعنى، فإن ما يحدث في ليبيا الآن لم يكن مفاجئاً، بعد انهيار مؤسسات الدولة ومعها الجيش والقوى الأمنية، والدخول في متاهات الصراع على السلطة وفرض النفوذ، في ظل مخاطر التجزئة والتقسيم . لقد سبق أن أعلنت مناطق بكاملها انشقاقها عن السلطة المركزية في طرابلس، كما هو الحال في “إقليم برقة” شرق البلاد، أو التهديد بالإعلان عن إقامة “إمارات قاعدية”، كما جرى أكثر من مرة في بنغازي وغيرها، ووصل الأمر إلى حد تعطيل عجلة الاقتصاد وإغلاق الموانئ النفطية، بل إبرام اتفاقات نفطية مع شركات أجنبية من دون علم السلطة المركزية لتمويل تلك “الإمارات والإقاليم”، لا بل وصل الاقتتال إلى داخل ساحة البرلمان، وخطف واعتقال رؤساء حكومات وحتى إقالة الحكومات وتعيينها . الأسوأ من ذلك، أن هذه الفوضى “غير الخلاقة” امتدت تداعياتها إلى الجوار الإقليمي، حيث أصبح الشرق الليبي ملاذاً لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقاعدة لوجستية لتدريب عناصر التطرف والإرهاب، ومدها بالسلاح، لتعيث فساداً وتخريباً في البلاد، فيما بات الغرب الليبي يشكل تهديداً واضحاً لجيرانه في تونس والجزائر، بينما تحولت ليبيا إلى واحدة من أكبر مصدري أدوات القتال من سلاح وتمويل وعناصر مقاتلة إلى تنظيمات إرهابية من نوع “داعش” و”النصرة” في سوريا لتزيد الأمور تعقيداً . الاحتراب الداخلي في بنغازي الآن، يعكس صورة المشهد الليبي في أبرز تجلياته، وهي صورة بات يخشى معها عودة استدعاء التدخل الخارجي لضبط الساحة المنفلتة من عقالها ومحاولة اخضاعها من جديد . فليبيا لا تزال تحت “الفصل السابع” كما يذكرنا مسؤولون أمريكيون وعرب، وهناك إشارات كثيرة عن احتمالات تفعيل القرار الأممي وإمكانية إرسال قوات أطلسية مجدداً بذريعة حماية البعثات الدبلوماسية والمصالح الغربية، من دون أن تتحدث عواصم الغرب صراحة عن ارتدادات ما صنعته بنفسها، ليس داخل ليبيا فقط، بل في عقر دارها هي . نبوءة القذافي التي أطلقها قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، بالتحذير من تحول ليبيا إلى قاعدة للإرهاب تحولت إلى لعنة تطارد ليبيا والغرب معاً، وتهدد المحيط الإقليمي برمته، فهل أدركت واشنطن وعواصم الغرب ما فعلت بليبيا، أم أن ذلك كانت مقصوداً؟
* نقلا عن “الخليج” الإماراتية |