غزة .. بين المبدئية و الرياء السياسيᴉ |
السبت, 19 يوليو 2014 03:16 |
من الأمور التي أفسدت حركة النضال القومي العربي ، و خصوصا في الربع الأخير من القرن الماضي ، هو غياب المبدئية عن مفرداته ،و الإخلاص في مقاصده .ففي الماضي ، بحسب ما وصل إلينا ، كان النضال في مفرداته و بغض الطرف عن عناوين إنجازه ، كان يعني أشياء اصيلة ، تنعكس ؛ ليس في سلوك المناضلين و طيبة سريرتهم ، و لا في صيغ التعبير ، و انما في اتساع زاوية النظر و شمولية الطرح و نزاهة الهدف .أما اليوم ، فاليافطة الغامقة التي تغطي على سواها من العناوين ، هي يافطة النفاق . و النفاق المقصود ، هنا تحديدا ؛ النفاق السياسي ، الذي تتشعب أبعاده ، و تختلف صوره تبعا لأهداف المنافقين من ورائه . ودعونا نأخذ مثلا على النفاق السياسي .فقضية العدوان الصهيوني الآثم على الفلسطينيين في غزة لا تشكل موضوع جدل ، لأنها محل اجماع من الامة . ولذا ، يتوجب وفقا لكل القيم و المرجعيات دعم أهل غزة خاصة ، وفلسطين عامة . ونقول أهل غزة على وجه الخصوص لان الثقل الأكبر و الاقسى من العدوان ينصب على سكان القطاع ، لاعتبارات من أهمها وجود حركات مقاومة عسكرية للاحتلال الاستيطاني الصهيوني .و الدليل على هذا الاجماع أن الامة – ممثلة في كافة عناوينها المقاومة –انتخت لأهلنا في قطاع غزة ، وقبل ذلك في سلسلة العدوان السابقة .ولكن أليس المبدأ الديني أو القومي أو الإنساني الذي حملنا على مناصرة أهل غزة هو ذاته المبدأ الديني او القومي او الإنساني الذي يدعونا لنصرة الثورة العربية في العراق للتخلص من الكرب العظيم ، الذي أحله الاحتلال المزدوج الأمريكي و الإيراني في ديارهم الآمنة ؟..أليس الدم الفلسطيني و الدم العراقي و الدم السوري و الموريتاني ...واحد ؛ أليست قضية المقاومة للاحتلال و إجراءات المحتل ، هي قضية عادلة في فلسطين و لكن أيضا في العراق ..و في أفغانستان؟ ألا يعتبر تحرير العراق من الاحتلال الصفوي و رموز العملية السياسية الاستخباراتية جزءا أساسيا من عملية التحرير الشامل لفلسطين ؟ ألا تتضاعف المسؤولية الأخلاقية و الدينية و القومية و الإنسانية إزاء الدعوة لنصرة الثورة في العراق ، عندما نتذكر أن ما جرى في العراق من احتلال ، و ما انجر عنه من كوارث و تدمير للدولة العراقية و تفكيك للنسيج الاجتماعي لشعبه –على أيدي الأمريكيين و الإيرانيين و الصهاينة –كان بسبب قضية فلسطين و ما قدمه نظام صدام حسين من اسناد معنوي و مادي لهذه القضية ، دون توقف عند العناوين ودون اختزال للقضية في فصيل معين من فصائل المقاومة ، ودون أن يكون استجابة لتكتيك دعائي ظرفي عابر ، أو تعمية على ضعف أو هوان مبدئي هنا أو هناك .فصدام حسين و نظام حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق دعما الشعب الفلسطيني بغض النظر عن ابن حماس أو ابن الجهاد ، أو ابن الشعبية أو العربية ... لأن النظرة كانت مبدئية و شاملة وواعية بالأهداف الاستراتيجية للامة في كليتها .فأين هذا الفعل المبدئي من هذا الصمت الكامل و المشين للنخب العربية أولا إزاء مفاعيل إفرازات المحتل الأمريكي –الإيراني في العراق ،وثانيا تجاه الثورة العربية التي فجرتها العشائر العراقية في وجه حكومة الاحتلال؟.. ألا تقتل ايران و عميلها المالكي في اليوم أضعاف أضعاف ما يقتله الصهاينة اسبوعيا في فلسطين ؟..هل يجوز ان نكافئ الشهيد صدام حسين و رفاقه الذين صعدوا مشانق الإعدام من اجل القضية المركزية في فلسطين ، نكافئهم بالتعتيم على ثورة رفاقهم على هذا النحو الشائن ؟ ألم يكن بالأحرى أن تكون تلك الوقفات أمام سفارات العملاء ، وأن يصل بصاق الاحتقار و أحذية الإهانة إلى وجه ممثلي العميل المالكي ᴉ ؟ انه عمل غير مدروس ، ومقصده على بعد أرنبة الانف ᴉ وليت تلك الإدانات التي قام بها أصحابها من أجل غزة ، و نسوا فيها الثورة في العراق ، ليتها كانت «صادقة» حتى نتأمل أن يصل إلى و عيهم ، و لو بعد حين ، أن فيه شعبا عربيا آخر ، يسمى العراق العربي – ربما نسوه بعد 2003 – وان من الانصاف التاريخي و من القومية و الإنسانية و الإسلام أن يقفوا من أجله ، و ان يدعموا ثورته ليخرج من احتلال إيراني قاس و ملتبس على كثير من عوام المسلمين .إنني اخشى ان تكون تلك الإدانات في تمييزها بين غزة و الثورة العربية في العراق هي النفاق بعينه ، أو أن تكون من باب الهوس بالرياء الإعلامي ، أي أن تكون غزة بما تحظى به من تغطية إعلامية (الجزيرة – الميادين – المنار – العالم ..) هي السر في التسابق لتسجيل المواقف ، و ان يكون الاجماع العالمي – في المقابل – على التعتيم الإعلامي على الثورة العظيمة ، و قبلها المقاومة الأعظم في العراق هو العائق امام مناضلي العدسات لتسجيل مواقف مساوية .ذلك أن النضال (الجاف) أي وفقا للقناعة و المبادئ لم يعد مقنعا لزمر ممن تنصلوا من مبدأ الصرامة في توحيد الجهد ، و شمولية الفعل ، و حل محله النضال المحظوظ بالتسويق الإعلامي ، و المنقول عبر العدسات ᴉ وفي سياق متصل ،حدثني أحد "المتواقفين " مع غزة . لماذا لا ترسل الحكومة الموريتانية مساعدات إلى غزة لمواجهة العدوان ؟..فأجبته : هذا ما يجب فعله بالتأكيد .و أردفت قائلا : وقبلها ترسل مساعدات لسكان مدينة "امبود" ،ثم ترسل مساعدات أخرى للثورة العربية في العراق .فدهش محدثي و بلع لسانه . وانا عارف بالسبب .. و السبب أنه لا ينظر إلى المسألة من زاوية مبدئية ، ولكن من جهة المزاودة ؛لان سكان مدينة "امبود " الموريتانية المنكوبة بالفيضانات ليسوا في بؤرة اهتمامه . و من جهة أخرى ،لان إخوانه في الأيديولوجيا جاءوا يتسللون إلى العراق خلف المحتل الأمريكي ،و كانوا ضمن أدواته في تشكيل أول مجلس للحكم، و في الحكومة العميلة تحت الاحتلال . مثلما اني عارف بأن بعضا ممن يشاركون في الوقفات المصورة مازالوا يعتبرون إيران دولة "مقاومة "و "ممانعة " برغم انكشاف سوآتها القبيحة في العراق و البحرين و اليمن و السعودية و الامارات و لبنان و سوريا... اما بعض آخر فهم لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، و انما تعودوا ان يحلبوا مع كل قوم في إنائهم . محمد الكوري ولد العربي |