النخيل بين الإهمال والاستغلال/عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير
الاثنين, 04 أغسطس 2014 19:11

شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم النخلة بالمؤمن، فهو خير كله ، وعلفها اقتصاد ونماء ، كذلك غذاء للحيوان منفوعه أسرع من كثير من المغذيات. ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: هي النخلة. قال فذكرت ذلك لعمر، قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا.

ووجه الشبه بيان بركتها، وكثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام، وكون أَصْلهَا ثَابِتا وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء، وعدم سقوط شيء منها لا يستفاد به، تشبيها ببركة المسلم، واستجابة دعائه، وثبات الإيمان في قلبه، وكثرة عمله الصالحات.

 قال النووي في شرح مسلم في بيان وجه التشبيه:

قال العلماء: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للإبل، ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخيروجمال، كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك، فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه، قيل وجه الشبه أنه إذا قطع رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر وقيل لأنها لا تحمل حتى تلقح. والله أعلم.

 

 

وسبحان الله، لا تكاد عجائب النخيل تنقضي، وليس هذا سوى مجرد مبرر لإثارة موضوع النخيل، التي هي شتى عديد مديدة، لا تكاد تعد أو تحصى، وهي مفيدة حتى بالنسبة  للذين خلفوا من السكريات، أذا اخذوا ثمارها رطبا فلا تكاد نظرهم، ما لم يفرطوا، وفي الإفراط شر بين، وفي التفريط والإهمال ضياع منفعة كثيرة إن شاء الله.

إننا معشر الآدراريين مفرطون في نخيلنا، وقد هجرناه إلى أرض "الكبلة" الباردة التي لا يصلح فيها النخيل طبعا، وحسبنا منافع العواصم، مثل نواكشوط نواذيبو و"كيطنة الحوت" أحيانا، لا تغني عن كيطنة الأصل قبل الفرع.

في جلسة نبوية مع بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم سألهم عن الشجرة، التي تشبعه المؤمن، فجال في خاطر ابن عمر دهاء وذكاء مشعا والأول والأقوى، إلهاما ربانيا هاديا للإيمان والجواب الصحيح، وهو النخلة، الإجابة التي فتحت الآفاق  أمام أصحاب النخيل واهتمامهم المستمر إلى يوم القيامة، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر المسلمين بغرس الفسيلة، أي النخلة الصغيرة، حتى لو قامت  عليك القيامة، ولم تكتمل بعد غرسها، فلا تتوقف عن تلك المهمة الإيمانية الإنمائية المقدسة حتى تكملها، لأنها لله وليس القصد الأثمار والنتائج الدنيوية فحسب

النخلة هي والمؤمن صنوان، فهي نفع لا ضر بإذن الله، إلا من لم ينتبه لشروط الانتفاع السليم من إيجابياته الجمة بإذن الله.

أحذر أن تأكل "تجب" في "انهار الحامي"، إلا متحيزا للماء الحامي المستخلص من لحم  "الجديان" أو ما شابه ذلك حتى لا تأخذك تجب وأنت تصفق لعزيز، وتقول أقيم هذا المهرجان تحت رعاية لرئيس محمد ولد عبد العزيز، فثمارنا مفيدة، ولكن لها شروط استعمال دقيقة سهلة الفهم والتطبيق، ف"أتمر"لا يأكل وحده غالبا، إلا معه ما "يحم" بيه ونعني هنا الرطب، وإلا فإن الأسودين الماء والتمر الجاف، يمكن عند الحاجة وفقدان ما يضاهيما، الإكتفاء بهما غذاء كاملا بإذن الله.

وعندنا من نوادر الثمار نخلة عايشتها في ترون "5 كلم شمال مدينة أطار"، عند حديقة اهل اسحاق ولد اعبيدن في السبعينات، تسمى "لخذيرة" لون ثمرها  يميل قليلا للون الأخضر، وكأنها بين الصفرة والخضرة جمالا وطعما متميزا غريبا.

كان ابن خالتي م، أ عندما يكون قافلا من "ازرايب" إلى المساكن إلى "اظلع" يهديها إلى بعض التيات مستميلا بذلك ودهن وحق الجار، وهن شريفات جميلات كن يسكن قربنا، من أصل بوتليميتي، إلا أن والدهن عندما ذاق طعم الكيطنه في أطار وترون، القرية التي ترعرع فيها معاوية حفظه الله وهداهللصلح مع خصومه في الدنيا قبل الآخرة،

أقول عندما ذاق هذا الشريف البوتلميتي طعم كيطتنا سكن ووقر في أطار، وظل يكيطن دائما في ترون، القريبة من الدشرة - أطار طبعا -

بصراحة، ربما يصدق قول بعضهم عن الكيطنة " لا تحدثوا عني ما يعرفني فمعترفي كفيلة باجباره ـ رغم كل الظروف على القدوم، أمام من لا يعرفني فحدثوه واشرحوا له، عسى أن لا يفوته نفعي، وكأننا نحدث مثل أهل الصوفية، المستقيمين منهم طبعا، عن ثمار الذكر وحلاوته في القلب، بعض الغافلين، لعله يصدق ويؤمن أن ما نقوله حق وصدق، فما دام شبهها صلى الله عليه وسلم بالمؤمن، فهي مشابهة في طعمها المادي لحلاوة الإيمان والذكر في القلب، سكينة ووقارا وهدوء وصحة، وتهيجا واستعداد للطاعات.

فكذلك جو الكيطنة الصيفي غالبا، مفيد لأصحاب الروماتيزم، وأن ثماره "الصالح"، بعد انقضاء الكيطنة، فقد جربه البعض لعلاج الملا ريا، وحدث ولا حرج، فما دام شبهها صلي الله عليه وسلم،أي النخلة ، بالمؤمن فهي خير كله، لأنه صلى الله عليه وسلم قال عن المؤمن، عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن إصابته سراء شكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر كان خيرا له رواه مسلم في صحيحه..

كذلك النخبة أمرها خير كلها لمكيطتنها ومرتاديها لكن النخيل في آدرار وتكانت ولعصابة وكافة التراب الوطني أهمل وزوج به في ودية النسيان للأسف البالغ، ونادرا ما تحمل المناسبات الاحتفالية، إلا الضيوف على كاهل الأطاريين، رغم إهمال السياحة عموما ،وعقاب الأطاريين جماعيا بحجة أنهمأخذوا أكثرمن حصتهم "امسيكينين" وما  ينبغي اتهام - على رأي البعض - "والمتهم بريء حتى تثبت إدانته " إلا زمرة قليلة صودرت أموالهم ومازالوا مغرمين، باستمرار وابتزاز مذل، رغم خدمتهم للنظام وتوبتهم منذ سنوات من المعارضة المشروعة، المنصوص عليها أخلاقيا ودستوريا المحرمة عمليا.

المهم، عودة إلى الموضوع، مهرجان الكيطنة أيام7،8،9 أغشت 2014 الجاري يخاف الكثيرون أن يتحول على فرصة للكيطنة فحسب، وهذا مهم، لكنه ليس هو المطلوب بإلحاح وأولوية.

فمعشر أهل النخيل جميعا، والذين سيتنادون، جزاءهم الله خيرا، من كل فج عميق، خصوصا من الولايات المهتمة بالنخيل، يريدون أن يعرضوا مشاكل النخلة وإهمالها، وأمراضها وعاهاتها، مثل البيوض وغيره كثير من داء النخيل، وسائر التحديات التي تواجه باستمرار واحاتنا، عسى أن تعرف العلة والمعاناة، فيبدأ البحث، على الصعيد الرسمي وغير الرسمي عن العلاج بجديدة وإخلاص ما -أصعبه-  والمشكلة أساسا في الدوام والاستمرارية، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول بحكمة وعبقرية نبوية هائلة: "خير الأعمال أدومها  وإن قل"

إننا بحاجة لإنشاء قطاع خاص بالنخيل في وزارة التنمية، فهو ثروة أمة وشعب شنقيطي عريق، كاد أن يفقد سائر عناونيه، فما النخلة والناقة وطبعا المكتبات على ظهور العيس، إلا علما وشارة لأمة مترامية الأطراف، هي الأمة العربية المسلمة وخصوصا في شنقيط، أرض المنارة والرباط.

 

فنحن عندما نكافح ونسهر الليالي، رغم الخلاف السياسي المشروع السلمي، مع بعض المشرفين على مهرجان الكيطنة أطار2014، ونصرف ما عندنا وما ليس عندنا من أجل "الستره" لوجه الله تعالى، فإنما نفعل ذلك لوجه الله وابتغاء لرضوانه، لأن الله شبه نخلتنا بالمؤمن، وهي إشارة لعدم ترك أي محفل يحظى ولو بنزر يسير من الجدية، رغم الاستغلال السياسي، فالوقت وقت وفاقاستراتيجي مؤقت، من أجل الصالح العام الوطني الواحاتي المشترك، وليس وقت إثارة النعرات السياسية الضيقة، معارضة أو موالاة أو حيادا.

إننا بحاجة لرص الصف معشر أهل النخيل، وخصوصا في مدينة أطار وولاية آدرار عموما، لنقدم خدمة ملموسة، لواحات تحتضر خصوصا في منطقة الباطن بآدرار، أي جهة أطار، ما تحت الجيل، وأما ما فوق الهضبة فيسمى أظهر آدرار، وتعتبر واحاته أجمل واقرب ماء، وما جاور أطار اختفى منه الكثير، خصوصا واحة ترون التي بقي  منها القليل والقليل جدا، سبحان الله، وكذلك أزوكي كادتواحاته أن تختفي تقريبا، بالمقارنة مع ماضي الأيام والسنون، وهو مرقد الإمام الشهيد اليمني المرادي الحضرمي، وكذلك "اكصير الطرشان" خفت وهج الكيطنة فيه لتناقص أعداد نخيله الجميل وواحاته المباركة الغناء.

وفي "أطواز"، عبرة لمن يعتبر، عيون قتلت أعيان أهل خيري وغيرهم من السكان الأصليين، لطولها وعمقها وغور مائها النادر، الذي لا يحصل عليه بضم الياء إلا بعد صرف الملايين، لأن المطر منذ خمسينات القرن المنصرم، أصبح نادر الهطول، وإن وجد بعضه لكثرة الربا وعصيان ملك الملوك، أصبح والعياذ بالله، قليل النفع، كثير الهدم وإغراق البشر أحيانا، تذكر معي فيضان أطار84، الذي كان من أسباب انقلاب12-12-84 عندما أصر صاحبنا الحالي، العسكري المخضرم بين الموالاة والمعارضة،" مرسول" ولد هيداله رجله الثالث بعد ابريكه على الاكتفاء بإقامة السياج " سد"  على مدينة أطار، وعدم تعويض المتضررين الأطاريين، من معونة فهد رحمه الله.

فكان ذلك على رواية البعض من أسباب إغاظة معاوية على هيدالة وصديقه وقتها ولد باب مين، مع الإشارة رئيس منتدى الديمقراطية والوحدة الحالي.

وباختصار ماء أطار لكي يكون مباركا غير ما حق، لابد له من عنصر التقوى، مصداقا لقولة تعالى: "ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض". فهطول الأمطار، المباركة، لابد لها من العمل الصالح والدعاء المستجاب إن شاء الله، اللهم صيبا نافعا.

ففي اطواز تكاد كبير من الواحات تلفظ أنفاسها عطشا وتضررا من مختلف العاهات.

وقد قتل البيوض وغيره - ملايين النخيل في المغرب العربي، خصوصا في الجزائر والمغرب وموريتانيا - ورغم جهود الجهات الرسمية مازال المرض، وفيروسه القاتل يتنقل عبر أثير القارات، عابرا طليقا دون جهد رادع كاف معالج، لأنه صلى الله عليه وسلم قال جازما: "ما أنزل الله داءا إلا وأنزل له دواء".

أكل الكثيرون باسم "البيوض" وهم يعرفون أنفسهم، وتزوجوا وأنجبوا ولم ينجب النخيل، لفرط خيانتهم وتهاونهم، وربما لصعوبة مكافحة المرض، فما حملوا من ادوية وتقنيات ستظل بدائية، ما لم يحالفها الإخلاص والاستمرار.

إننا في هذا الأيام القادمة نترقب، ضيوفا نخاف بعضهم على بناتنا، لفرط سفههم وربما سفه بعض عيالنا، إننا ندعو  أهلنا للالتزام وندعو الضيوف للاحترام المجتمع الوافدين عليه، وأما النخيل فقد لا يحظى به إلا الذكر المحدود العلمية والمهنية في وسائل الإعلام الخاصة قبل العمومية.

فمتى تتحول هذه المناسبات الاحتفالية الفلكلورية إلى جهد حقيقي ناجع نافع، مهما قل هذا النفع المنشود بإلحاح!؟.

ونكررها معه صلى الله عليه وسلم: "الأعمال خيرها أدومها وإن قل" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وكل مهرجان تمور أو كيطنة وأهل غزة في أمان ونص،ر والمسلمين جميعا في خير عميم، إن شاء الله.  

النخيل بين الإهمال والاستغلال

بقلم" عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى"

فيديو 28 نوفمبر

البحث