وفاء صندي من اجل الحق في التعليم والحق في الشغل والحق في حياة كريمة والحق في الانتماء السياسي او الاختلاف الايديولوجي شباب في عمر الزهور انتهت حياتهم بين مدرجات الجامعات او خارج اسوارها وهم اما يعبرون عن اختلافهم او يطالبون بحقوقهم الدستورية، او فقط طالتهم يد العنف من زملائهم او من السلطات الامنية..
وكل ذلك يعبر عن فشل سياسات الحكومة او دخولها في مواجهة مع الحلقة الاضعف داخل المجتمع وهم الطلبة الجامعيين والاطر المعطلة.
فبعد وصول الحكومة الاسلامية الى السلطة في المغرب باسابيع قليلة، وعلى خلفية تراجعها عن التزاماتها فيما بات يعرف بقضية اطر محضر 20 يوليوز، اهتز الشارع المغربي يوم 18 يناير 2012 على خبر وفاة الاطار المعطل عبدالوهاب زيدون، احد ضحايا المحضر المذكور، بعد وصول النيران الى جسده التي صب عليها البنزين رفقة ثلاثة من زملائه، اثناء اعتصامهم داخل ملحقة وزارة التربية الوطنية، كتهديد ورد فعل على منع السلطات الامنية وصول المواد الغذائية والأدوية للمعتصمين، ومحاولة منه وزملاءه بهذا التهديد استعادة ما تم حجزه من مواد غذائية عجز المتضامنون مع الأطر المعتصمة ايصالها اليهم.
وفي فاتح ابريل من نفس السنة (2012) أصيب العديد من طلبة جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إثر تدخل أمني عنيف شملهم في وقت كانوا متوجهين فيه إلى ساحة النافورة بالمدينة للإحتجاج تضامنا مع طلبة تعرضوا قبل أيام لتسمم غذائي. قبل ان تشهد جامعة فاس في يناير 2013 وفاة الطالب محمد الفيزازي البالغ من العمر 22 سنة وهو في سنته النهائية في اجازة الادب الانجليزي، على اثر اقتحام قوات الامن للحي الجامعي مما اسفر حالة الوفاة وعدة اصابات متفاوتة.
اما الطالب عبد الرحيم الحسناوي ذو الانتماء لمنظمة التجديد الطلابي، فقد كان ضحية اخرى للعنف والصراع الايديولوجي داخل الجامعات، بعد تعرضه إلى اعتداء سافر داخل الحرم الجامعي بفاس المغربية يوم 24 ابريل 2014، من طرف طلبة منتمين إلى فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، وذلك على هامش الاعداد لندوة كان احد المدعوين للمشاركة فيها متورطا او مساهما في وفاة طالب اخر يدعى محمد بنعيسى ايت الجيد سنة 1993، مما استفز مشاعر اصدقائه المنتمين لنفس الفصيل ليبدأ الصراع بالتهديد بمنع انعقاد الندوة ولو بالقوة والتعبئة والتصريح بذلك داخل المدرجات وأمام مرأى ومسمع من إدارة الكلية دون ان تحرك هذه الاخيرة ساكنا، لينتهي المشهد باللجوء الى القوة والعنف الممنهج واستعمال السيوف التي قطعت بها اوردة الضحية واودته قتيلا داخل الحرم الجامعي.
حالة وفاة اخرى اهتز عليها الرأي العام المغربي قبل اسبوع وهي وفاة الطالب مصطفى المزياني بالمستشفى الجامعي بفاس، نتيجة دخوله في إضراب عن الطعام لمدة 72 يوما، بعدما تم رفض المطالب التي طالب بها داخل السجن، على ذمة التحقيق، وعلى رأسها متابعة دراسته بجامعة ظهر المهراز بفاس، بعدما تم منعه من التسجيل في سلك الماستر لاتهامه بمقتل زميله عبدالرحيم الحسناوي، وهو الاتهام الذي لم تبث فيه المحكمة بعد، والسبب الذي بررت به الجامعة منع التسجيل دون وجه حق.
وهذه نماذج من حوادث متفرقة تشهدها الجامعات المغربية، وعلى رغم اختلافها الا ان العامل المشترك بينها هو الطالب المغربي الذي لا يزال ضحية لتعنت الحكومة، او ضحية للعنف او انتهاك حرمة الجامعة، وضحية للاختلاف في الرأي والفكر السياسي، وضحية للسياسات العمومية الخاصة بالجامعة المغربية، وهو الطالب الذي لايزال يسخر كأداة لتصفية حسابات وصراعات ايديولوجية وهمية.. والسؤال الذي يفرض نفسه بشدة: ما الذي أعاد أجواء القلق والترقب إلى محيط المؤسسات الجامعية؟ ومن المسؤول عن عودة العنف الى الحرم الجامعي؟ ولماذا اختارت الحكومة الحالية العودة الى المقاربة الامنية للتعاطي مع قضايا الطالب والجامعة، مما يذكرنا بسنوات الثمانينات والتسعينات او ما يعرف بسنوات الجمر والرصاص؟ والى متى ستظل جامعاتنا معسكرا للتدريب على العنف وحقلا لزرع الحقد والكراهية بدل ان تكون فضاء للتلاقح الفكري والحوار وقبول الاخر؟ واين هو حق الطالب بعد مسيرة نضاله ورعبه داخل الجامعة في حقه في الشغل خارجها؟
منذ ان وصل السيد عبد الاله بنكيران الى السلطة قبل ثلاث سنوات، لم يجد غير الاطر المعطلة، الحائط القصير داخل المنظومة، من اجل استهدافه ومحاربته، بدل محاربة الفساد والرشوة والحيثان التي طالما تعهد بالقضاء عليها. اختار ان يقف في وجه مستقبل الاطر المعطلة وخاصة تلك المشمولة بمحضر 20 يوليوز، وهدد بتقديم استقالته من منصبه ان تم توظيف هؤلاء توظيفا مباشرا كما ينص عليه الالتزام الذي وقعوه مع الحكومة السابقة، كحركة بئيسة من رئيس حكومة من المفترض ان يظل كبيرا في مواقفه. فكانت اول كارثة في عهد حكومته، ولم تكن الاخيرة، بوفاة احد الاطر المعطلة، واستهداف الالاف الاخرين المعتصمين في شوارع العاصمة منذ اكثر من 3 سنوات.
اما العنف الذي عاد يطفو على سطح الجامعات المغربية فهو يعكس ما وصل إليه مستوى التعليم العالي وحال الجامعات في المغرب من تخبط وسوء في الادارة والتدبير، وهو نتيجة للحلول الترقيعية التي اعتمدتها الحكومة للمشاكل المختلفة التي يعاني منها الطالب بدءا من سوء البنية التحتية للجامعات، الى غياب افق وبرامج توفر سوق الشغل للخريجين، مرورا بغياب ابسط الشروط الأساسية لمتابعة الدراسة وغياب الخدمات الاجتماعية وعدم توفر المنح لجميع الطلبة، وعدم توفر السكن والمطاعم الجامعية، في الوقت الذي من المعروف فيه ان اغلبية من يلج الجامعة هم ابناء الشعب المطحونين والمحتاجين الى غطاء اجتماعي من اجل اتمام دراستهم.
اما عودة الحكومة الحالية الى المقاربة الامنية داخل الجامعات المغربية، بعد سنوات من القطيعة، من خلال المذكرة التي وقعها وزير التعليم العالي رفقة وزير الداخلية والقاضية بالسماح لقوات وزارة الداخلية اختراق حرمة الجامعات لحفظ الامن، بمبادرة منها، ومن دون انتظار الحصول على إذن، إذا ما ثبت لديها أن هناك تهديدا للأمن العام داخلها، كحل للحد من العنف داخل الجامعة، فهو حل هلامي وسطحي ولا يخدم سوى مصلحة السلطة التي تهدف من خلال هذه المذكرة والاجراءات التي تلتها الى ضرب العمل النقابي الطلابي، والتدخل في قرارات الادارة من خلال التضييق على انشطة الطلاب المنتمين الى فصائل معينة، وعودة القمع والتدخل الامني داخل الجامعات وفي السكن الجامعي.. وكان اولى بالحكومة ان تفكر في ايجاد حلول للمشاكل التي تولد العنف داخل الجامعة، وان تنشر ثقافة الحوار والرأي والرأي الاخر، وليس مواجهة العنف بعنف اكبر منه في محاولة لعودة السلطة الى سابق عهدها عندما كانت منزعجة من دور الجامعة في ستينيات القرن الماضي، حيث كان هدفها حصار الجامعة وتوليد العنف وإلهاء الفصائل الطلابية في الصراعات فيما بينها وصرفها عن الاهتمام بمشاكل البلاد.
ناقوس الخطر يدق داخل اسوار الجامعات المغربية، واذا كان من المفروض ان تكون هذه الاخيرة قبلة للعلم وقبول الاختلاف، ومركز للإشعاع الثقافي وأداة للبحث العلمي في اتجاه المساهمة الفاعلة ضمن المشروع المجتمعي العام، فعلى الحكومة ان تنظر بعين الجدية وروح المسؤولية الى ما وصل إليه حال الجامعة من تدهور يهدد بعزلها نهائيا وإفراغها من رسالتها العلمية والتنويرية. بدل العودة بالمغرب الى سنوات المداهمات والاعتقالات والمحاكمات التي طالت طلاب جامعاته.
اما وفاة زيدون والفيزازي والحسناوي والمزياني وغيرهم ما هي الا نتيجة الفشل الحكومي في التعاطي مع ملفات حساسة مثل ملف الجامعات. وعلى الحكومة ان تجد حلا للبطالة الشبح الذي يهدد الشباب المغربي، وعليها بمشاركة الاحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني العمل جميعا من اجل منع تحول الاختلاف الفكري والسياسي بين الطلبة إلى عنف يولد عنفا ويقابل بعنف لينتهي للأسف بادارة موت.
|