بوركينا فاسو.. وتجربة «الربيع الأفريقي» |
الخميس, 20 نوفمبر 2014 12:00 |
أطلقوا على أحداث «بوركينا فاسو» في نوفمبر 2014 وبسرعة ملفتة صفة «الربيع الأسود»؛ أي “الربيع الأفريقي”، كما نطق بذلك بعض المتظاهرين المحتجين في «واجادوجو » العاصمة، أو في «بوبا ديالاس»، ثاني أكبر المدن. وقد شوهدت بالفعل لافتات تحمل كلمة Degage بمعنى إرحل ، بل إن المخلوع «بليز كومباورى» صرح قبل رحيله «أنه فهم الرسالة» بنفس طريقة «بن علي»، وسحب مشروعه لتعديل الدستور لصالحه كما فعل «مبارك»! لذلك كله استحق الحدث أن ينسب إلى حالات «انتفاضات الربيع»، حتى عندما انتهت المظاهرات، قام الشباب بكنس الشوارع كما فعلوا في ميدان التحرير! كما أن وجود حوالى نصف مليون حول القصر الجمهورى ومقار الدولة والتلفزيون، وبدعم بعض الجنود، يشير إلى تمرد حقيقي ارتفع باستمراره لبضعة أيام إلى درجة «الانتفاضة»، التى عادة ما يتحرك حولها الأُصلاء، ومختطفوا الثورات في وقت واحد ! فظهر الجيش بقياداته التقليدية وبشبابه أيضاً! وظهر بعض قادة الحركة السياسية المعروفة بماضي حضورها في الحياة السياسية، رغم فترة قهر الرئيس المخلوع «كومباوري» وظهر رؤساء قبليون. وخاصة من القبيلة الكبرى المسيطرة على وسط البلاد، قبائل «الموسى»، بل وملكها المنسي «موجو نابا» ! وبسرعة أيضاً ظهرت القوات الفرنسية لتصاحب «كومباوري» الهارب من القصر، إلى حدود «كوت ديفوار» وأمنها الفرنسي أيضاً هناك، بل وظهرت قوة فرنسا كقوة استعمارية سابقة لتعلن ضرورة عودة الحياة المدنية في أقرب وقت ( نمط فرنسي) أو إعلان الترقب (نمط أميركي) .. كان كل ذلك مبشراً بانتفاضة تكررت في «بوركينا فاسو» عام 2011 ( بعد مقتل طالب) بل وقبل ذلك في عام 1982 . وفي كل الحالات السابقة يسارع ضباط الجيش باحتواء الموقف في شكل انقلابي ، وادعاءات متنوعة، لكن بعضها أيضاً كان بحجم حركة «سانكارا» الثورية (1983-1989). وفي ظل ظروف صعبة بمنطقة الغرب الأفريقي ، تواجه فيها كافة المصالح الآن ضغوط الموقف المضطرب من ليبيا إلى عناصر تهريب وإرهاب واسعة النطاق في كافة منطقة الصحراء الكبرى حتى حدود موريتانيا وجنوب الجزائر، فإن القوى الغربية والإقليمية، لابد أن تندفع لضمان الاستقرار والأمن في «بوركينا فاسو» …حيث جيش هذا البلد بقيادة «كومباوري» كان الشرطي الأقوى في المنطقة بدعم فرنسي ومساعدات القيادة الأميركية لأفريقيا «أفريكوم». وكان الرئيس «كومباوري» هو عراب المصالحات في حالات ساحل العاج ، ومالي، ومشاكل تشاد والنيجر مع ليبيا، كما جعل بلاده تشتهر أنها الممر الآمن للسلاح والمخدرات، وتبييض الأموال! لم يكن ذلك هو حال هذا البلد في عهد « توماس سانكارا» بشهرة جيشه الوطني وإصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية وسمعته الدولية الواسعة، لكن هذا حال اختلاف الأزمنة فاختلفت معها قيمة «بوركينا فاسو» ! حتى وقعت الانتفاضة، وبسرعة ملحوظة تحاول أطراف كثيرة تدارك الموقف، فقفز دور قوى محلية وإقليمية ودولية، وتحركت المنظمة الفاعلة في المنطقة وهي «الإيكواس» (منظمة دول غرف أفريقيا الفرانكفونية والأنجلوفونية على السواء)، لضمان الاستقرار في الإقليم حتى لو لم تتعاون مع الاتحاد الأفريقي نفسه، بينما تحرك الاتحاد الأفريقي، ضامناً هذه المرة تعاون الكثيرين معه في اتخاذ مظهر الأمين على النظم الديمقراطية في أفريقيا. ثم بدت الرغبة في سرعة استقرار تقليدي مع القوى السابقة والدستور القديم لترشيح مدني للسلطة الجديدة يكون مناسباً لخيارات أصحاب المصالح، ذلك أن ثمة خوفاً واضحاً من ميراث الحركة الوطنية القديمة وتراث «سانكارا» الوطني الاجتماعي في نفوس الجيل التالي ممثلاً في حوالى ثمان منظمات «سنكاراوية» من بين أكثر من 50 تنظيماً سياسياً واجتماعىاً آخر معلنين حالياً، ممن واجهوا «كومباوري» طيلة هذه السنوات ولم يفلحوا في خلعه لكثرة ما واجهوا من عسكر «كومباوري» وتجاهل الغرب لمطالب الديمقراطية التقليدية التي ترفع فرنسا والولايات المتحدة شعارها عند الضرورة . والآن تتحرك الأحداث بسرعة، تثبت فيها القوى السياسية ذات التاريخ الشعبى أنها يمكن أن تواصل الضغط مستفيدة من أجواء المنطقة المتخوفة من فكرة الربيع الديمقراطى، ولذا يتراوح الموقف عند كتابة هذه السطور بين رغبة العسكريين في البقاء لأطول فترة ممكنة لترتيب الأوضاع ، وبين رغبة الجميع في التوازن السياسي خلال العام المقترح لنقل السلطة في ظل توازن مماثل بين قوة العسكريين والقوى السياسية الوطنية.
* نقلا عن “الاتحاد” الإماراتية |