دلالات الطائرة «الانتحارية» الإيرانية |
الاثنين, 29 ديسمبر 2014 01:29 |
أعلنت إيران أنها جربت طائرة «انتحارية» من دون طيار «تهاجم هدفها وتنفجر فيه» وذلك خلال مناورات عسكرية أجرتها في مضيق هرمز في الخليج العربي. في المعلومات التي نقلتها وكالة «إيرنا» الإخبارية الإيرانية نقلت عن أحمد رضا بوردستان، قائد القوات البرية الإيرانية أن مدى الطائرة المسماة «رعد» يبلغ 250 كيلومترا، وأنها قادرة على تدمير أهدافها ضمن هذا المدى باستخدام القنابل او الصواريخ. يمكن اعتبار مفهوم «الطائرة الانتحارية» تطويراً لأسلوب «الكاميكاز» الذي استخدمه الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، والفارق بالطبع أن «الكاميكاز»، أو الطيار الانتحاري الياباني كان يضحّي بحياته ليهبط بطائرة محمّلة متفجرات على هدف كبير للعدو كالبارجة أو المعسكر أو القوافل العسكرية. واقتراح طائرة «انتحارية» من قبل إيران يهدف لمنع استنزاف قوة علمية وكادر ثمين كالطيارين مع تنفيذ عمل عسكري مشابه لما كان «الكاميكاز» اليابانيون يفعلون. الطائرات من دون طيار (أو الدرونز بحسب اسمها الانكليزي)، اختراع بدأ عسكرياً (كما حصل مع أشياء أخرى كثيرة كالكومبيوترات)، وتوسع من الاستطلاع والتجسس إلى الاغتيالات والقصف، انتقل إلى حقول علمية ومهنية كثيرة، فعلماء الأحياء، على سبيل المثال لا الحصر، يستخدمونه بعد أن عانوا من معدل وفيات كبير نتيجة حوادث هبوط الطائرات في مناطق غير مأهولة في العالم، بل إنه وصل إلى الصحافيين الذين يستخدمونه للوصول إلى مناطق صعبة أو محظورة للتحرّي والاستقصاء عن قصص الفساد وغيرها. توصيف إيران للطائرة بـ«الانتحارية» يهدف لبث رسائل عسكرية وسياسية عديدة، كما أن استخدامها في مناورات في مضيق هرمز وتعيين مداها بـ250 كم يقول بصراحة إن المنطقة المستهدفة مباشرة هي دول الخليج والعراق.
التغيير العملياتي لمجال اشتغال الطائرة من دون طيار إلى «انتحارية» يقترح عمليا بروتوكولا عسكريا جديدا في المنطقة، وربما يعتبر، اذا تم استخدامه فعلا، اختراقاً إيرانياً جديداً لمحظورات عسكرية إقليمية وعالمية. والحقيقة أن إيران كانت أول دولة في «الشرق الأوسط» في استخدام المفهوم الانتحاري أثناء معارك الحرب العراقية ـ الإيرانية، وقد استخدمت الدعاية الحربية هذا التكتيك كما يفعل تنظيم «الدولة الإسلامية» حالياً، وهو استخدام نفعيّ للفكرة الدينية في صراعات عسكرية وسياسية دنيوية، وهو أيضا ما يفعله «حزب الله» اللبناني والعراقي والسعودي، وما فعلته المرجعية الشيعية العراقية بعد سقوط الموصل، كأسلوب لجذب متطوعين شباب ودفعهم نحو الموت بدعاوى دينية، وقد طبق «حزب الله» هذا الأسلوب خلال هجومه الشهير على قوات البحرية الأمريكية والجنود الفرنسيين في بيروت عام 1983، وشهدت المنطقة تصاعداً خلال عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الجيش الاسرائيلي بعد اجتياحه لبنان عام 1982، واسهمت فيه أحزاب علمانية كالحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي، ولزيادة المفارقة فإن بعضاً من أشهر منفذي العمليات الانتحارية كن من الفتيات، اللاتي تحوّلن إلى ايقونات ثورية، مثل سناء محيدلي التي فجرت نفسها في تجمع لآليات الجيش الاسرائيلي على حاجز باتر – جزين عام 1985، في متابعة لخط بدأته الفدائية الفلسطينية دلال المغربي التي قامت بعملية ضد اسرائيل عام 1978، غير أن السياق المفهوميّ للعمل المقاوم بدأ يتغير عملياً من مفهوم «الفداء» وهو مفهوم وطنيّ عام ولا يحمل طابعاً دينياً (أو مذهبيا) إلى مفهوم «الاستشهاد» الذي تم تكريسه مع انحسار المقاومة الفلسطينية عن لبنان، واحتكار «حزب الله» الحصريّ لرمزية المقاومة مع المنع العنيف لأي وجود حقيقي للفلسطينيين أنفسهم يُخرج فلسطين من حالة وضع اليد الإيرانية عليها. ومع انتقال النضال إلى الداخل الفلسطيني وتزايد الثقل الديني الذي دشنته إيران في المنطقة تزايدت العمليات الاستشهادية /الانتحارية (بحسب وجهة الناظر إليها) وتم تكريسها بفتاوى سنّية شهيرة. استعادة إيران للفكرة الانتحارية بعد أن استقرّت وازدهرت ودخلت طور التعميم مع نشوء تنظيمات مثل «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» يبدو تتويجاً رمزياً لدائرة هائلة أدخلت المنطقة، حرفياً، في حقول الدماء، وبعد استخدامها النفعي في المسألة الفلسطينية، عادت لتكون آلية للاحتراب الطائفي والأهلي، وهي وظيفة سرعان ما ترتدّ، بالضرورة، على مستخدمها الأصلي.
رأي القدس |