الوجع الصحراوي يغزو مصر |
الأربعاء, 31 ديسمبر 2014 19:15 |
كانت غـُـرَف وقاعات فندق الأوراسي، بالجزائر العاصمة، تعج بالضيوف المناصرين والداعمين لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة.. أوربيون من مشارب شتى، أمريكيون لاتينيون برطاناتهم المختلفة، أفارقة من كل حدب.. أما العرب، وكعادتهم، فلم يكن لهم خرير ولا حسيس ولا فحيح.. وفجأة نلتقي بثلاثة صحفيين يتحدثون لهجة مصرية ويُنـَـكـّـتون على سفرهم المرهق.. كم هو جميل أن نرى مصر داخل المشهد الصحراوي!.. تحدثنا قليلا.. تعارفنا قليلا. فهمنا أنهم كانوا جزءًا من قافلة صحفية مصرية زارت المخيمات، على مراحل، وعادت منها بأفكار جديدة ومعلومات جزيلة ومواقف رائعة. لقد أنجبت تلك الزيارات كتابا تاريخيا، شكـّـل سابقة من نوعه، إذ قدم للقارئ المصري النهـِـم مجموعة مقالات وتحليلات وانطباعات ضمن 168 صفحة عن موضوع كان يجهله تماما وفق معادلة "الغياب- والتغييب".
كتاب "الصحراء الغربية بعيون مصرية" كان بالفعل "مغامرة صحفية" كما وصفه جامعـُـه ومدققه أسامه إبراهيم. مغامرة لأنه كسّر جدار الصمت العربي، ومغامرة لأنه تحدى المحظور المخزني وأماط اللثام عن شعب مظلوم ومخيمات صابرة وقضية عادلة ظلت، بالنسبة لمصر (بوابة القراءة والنشر العربييْن) ملفوفة في خمائل الإهمال المتعمد والتغييب المقصود بفعل سياسات متمالئة رعناء لم يعد لها محل من الإعراب في زمن الانفتاح.. مغامرة أيضا لأنه يطلق رصاصة غير رؤوفة على فكرة "الانفصال والبلدان القزمية" كما روّج لها كل التوسعيين عبر التاريخ.. إنه، إذن، كتاب تاريخي بكل المعايير، ليس لمحتواه أو شكله فحسب، بل لأنه يتحدث عن القضية الصحراوية، ويستهدف النخبة والعامة المصرية، ويـُـنشر لأول مرة في "أم الدنيا".. ها قد وصلت، إذن، سفينة الأمل الصحراوي إلى بلاد النيل وعبد الناصر والأهرامات.. ولا أعتقد أنها ستعود من هناك مهترئة المراسي، خائبة.
كتاب "الصحراء الغربية بعيون مصرية" عصارة مجهود كوكبة بارزة من الكتاب المصريين.. جالوا فيه وصالوا، ابتلعوا في سبيله عجاج "لحماده"، والتقموا قساوة مناخها، وتدثروا بحرها الملتهب، والتحفوا زمهريرَها الشديد، فجادت قرائحهم بمادة دسِمة غير مسبوقة عن هذا الشعب الأبي الغضنفري.. لذلك تصعب الإحاطة به في سطور عَـجـْـلى، وإن كان من الضروري القيام بجولة خاطفة في زبدة أفكار مقدمته حين تــُـعادل كفةُ الصحراء الغربية كفةَ فلسطين على ميزان الحق. جاء في تلك المقدمة الرصينة أنه "منذ أربعين سنة، استيقظ العالم على وقع انفجار قضية الصحراء الغربية العادلة، عندما استهل الصحراويون نضالهم بهدف التحرر من ربقة الاستعمار الاسباني البغيض.. ومنذ ذلك الحين قاتلوا، وضحوا، واستشهدوا حتى حققوا الانتصار بعد معاناة طويلة وثمن باهظ دفعوه من دمائهم وأبنائهم. لكن الأشقاء في المغرب لم يتركوا لأبناء الصحراء أي مجال للاستمتاع بثمار تضحياتهم، حيث عمل النظامُ المغربي على التحايل من أجل سرقة الفرحة من شفاه الصحراويين". وتمضي تلك المقدمة البارعة متسللة إلى المأساة الصحراوية في قولها: "وعلى مدى عقود طويلة، نجح النظام المغربي في تحييد الإعلام العربي، بل تمكن من تطويع هذا الإعلام من خلال انتهاج أساليب عدة، بعضها سياسي وأغلبها صفقات ومصالح، بهدف اختطاف ثمرة النضال الصحراوي بمزاعم واهية". لقد "كانت الصحراء الغربية واحدة من القضايا التي تم التعتيم عليها إعلاميا وتعليميا في العالم العربي، كما أن ندرة المعلومات وشح المصادر ساهما في إضفاء مزيد من الضباب والغيوم على أجواء هذه القضية التي لا تقل في خطورتها وأهميتها عن القضية الفلسطينية".. كم هي عظيمة هذه الخلاصة، فعندما تتساوى في الفهم المصري قضية مّا مع القضية الفلسطينية ، فذلك يعني أن تلك القضية أصبحت في أعين المصريين مقدسة وعادلة وعظيمة.. فهل نحن بصدد تحقيق حلم قديم؟ هل بالفعل سنرى مصر، الوازنة عربيا وإفريقيا، وهي تغيّر نهجها تجاه أبناء جلدتها ودينها وثقافتها ومحيطها المقهورين المسلوبين المستعمَرين؟ هل سيكون كتاب "الصحراء الغربية بعيون مصرية" بداية العد التنازلي لمصر متصالحة مع القضايا العادلة، ذابـّـة عن حوزة المظلوم، شامخة في وجه التوسع، صارمة تجاه القوانين والأعراف الدولية، ساعية إلى بناء إفريقيا خالية من التوتر، رافضة لعالم عربي ينهش فيه بعض العرب لحوم بعضهم؟.. ذلك ما نرجوه وذلك ما نقرأه في ما بين سطور تلك الخلاصة الكبيرة. ولعل من يعلم بمدى ارتباط المصريين جغرافيا وتاريخيا واستراتيجيا بالقضية الفلسطينية، سيفهم أن القضية الصحراوية في طريقها السليم إلى جذب القلوب المصرية والتحليق في سماء الحل العاجل، لأن "الدور التاريخي الذي لعبته مصر في حركات التحرر لا يمكن أن يُـنسى، ولأن الدور المصري لا غنى عنه للمساعدة في حل القضية الصحراوية" حسب تعبير الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز في ثنايا هذه "المغامرة الصحفية" المصرية التي سعت إليها، وتعبت من أجلها، ونجحت في تحقيقها، شاعرة الوجع الصحراوي: النانه لبات الرشيد. نقلا عن صحيفة نواكشوط |