«الجزيرة» و«العربية» تحرضان على «الإرهاب»! |
الأربعاء, 07 يناير 2015 01:43 |
بتوجيه من كتاب صادر عن «هيئة الإعلام والاتصالات» العراقية وبتوقيع من «معاون وكيل وزارة الداخلية للاستخبارات والتحقيقات» أصدرت وزارة الداخلية العراقية قراراً بإدراج 12 قناة فضائية عربية وعراقية، بينها قنوات «الجزيرة» و»العربية»، على لائحة القنوات المحرضة على الإرهاب. كتاب الهيئة المذكورة كان قد طالب «المديرية العامة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة» بحق هذه القنوات، وبذلك جمعت القنوات التي استهدفها القرار دمغة الجريمة المنظمة إضافة إلى الإرهاب، وصار التعامل معها من اختصاص أجهزة الأمن والاستخبارات والتحقيق. مجيء ذلك في الوضع الذي يعيشه العراق حاليّاً، وبعد أيام من تعهد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعدم تقييد الحريات الإعلامية ومعارضته إغلاق القنوات الفضائية، يبدو لمسة ساخرة جديدة على حال مأساويّ لا يحتمل أي وجه من وجوه التهريج. والواقع أن كتاب الهيئة وقرار الداخلية ليسا إلا شرحاً توضيحياً للصورة الحقيقية لآليات إدارة العراق على أيدي الجهات المتنفّذة فيه، والتي تستخدم الدولة وأجهزتها استخداماً نفعيّاً وآنيّاً بحيث تنقض كل معنى لمصطلحات «القضاء» و»القانون» و»الأمن»، حين تخلطها كلها في طاحونة الفساد الموجّه، وتتعامل معها كالخادم المطيع أو كمكابس جهاز توجيه التلفزيون. أول هذه الاستخدامات العكسية للمفاهيم، في دولة «القانون» العراقية، وكتلته الحاكمة باسمه، أن تصدر مذكرات الاعتقال لأسباب سياسية لا علاقة لها بالنزاهة، ثم يأتي دور القضاة ليبصموا على أحكام الإعدام والتجريم والسجن. لكنّ هذه الجهات، في مسلكها التسلويّ بالقانون، قد تسأم من استطالاته المعقدة، فتحرّك طواقم المجرمين الذين انتخبتهم من ميليشياتها لانتهاك البيوت والأعراض والأموال، متجوّلة، جهاراً نهاراً، بسيّارات الشرطة وقوات «التدخل السريع»، وتعيّن قادة الميليشيات المبقعة ثيابهم بدماء مواطنيهم مسؤولين كبارا ووزراء وضباطاً، وتخترع جيوشاً كرتونية تسد رواتب ضباطها وجنودها الملفقين نهمها للفساد والإجرام… وكل ذلك طبعاً باسم العدالة التاريخية والقانون النزيه وإعادة الحقوق للمستضعفين في الأرض… وثارات الحسين! يكشف القرار أيضاً مظاهر التخبّط العربيّ في أوركسترا الإرهاب المرفوع راية في كل مكان، والذي يقرأه كل طرف لحسابه الخاص موجّهاً إيّاه نحو خصومه المباشرين، فالقرار المذكور موجه نحو وسيلتي إعلام قطرية وسعودية، فيما توجه إسرائيل تهمة الإرهاب نحو حماس (والسلطة الفلسطينية حين تريد الضغط عليها)، والسلطات المصرية توجهه نحو الإخوان المسلمين، ونظام الأسد يوجهه ضد معارضي إجرامه المعمّم، وبعض الأحزاب الشيعية توجهه ضد السنّة تحت مسمّى «التكفيريين»، وفي حين توجه الإمارات اتهام الإرهاب ضد جمعيات خيرية معترف بها في أوروبا وأمريكا، فإن تركيا تعتبر المقصود به «حزب العمال الكردستاني» الذي تقوم أمريكا حالياً بدعمه جويّا وبالذخائر والأسلحة، بينما يغض مجلس الأمن النظر عن قراره ضد «المقاتلين الأجانب»، حين يتعلّق الأمر بهذا التنظيم، وهكذا يتكاثر المتهمون بالإرهاب فيستخدمه الكل ضد الكلّ في لعبة تتقصّد التعمية والتجهيل وخلط الحابل بالنابل ليضيع أثر المجرم بين الضحايا. واللعبة الكبرى هي منع ربط الإرهاب بظلم الحكومات الباطلة وإجرامها وفسادها، وتحويل الانتباه إلى السماء بدل الأرض. وما يحصل في عالمنا العربيّ جذوره في الأرض وليست في السماء.
28 نوفمبر نقلا عن صحيفة القدس |