خريف الجامعة العربية !/بقلم | محمد السودي |
الخميس, 05 سبتمبر 2013 09:11 |
لم يحدث قط أن كانت الجامعة العربية إحدى أهم ركائز العمل العربي المشترك التي تأسست في الثاني والعشرين من شهر أذار عام 1945 م ، على هذا الشكل الهزيل الذي بدت علية في العقود الأخيرة حيث فقدت مبررات وجودها كمنظمة إقليمية فاعلة موزونة يحسب لها الحساب تكون خيمةً يستظّل بها كل العرب نظراً لخصوصية الروابط السياسية والإقتصادية والإجتماعية فضلاّ عن عوامل اللغة والدين والمصير إسوةً بباقي شعوب الأرض التي تجمعهما أكثر من أي أمم أخرى استطاعت بناء قواها واستثمار القواسم المشتركة بينها ، قوة تنافسية قادرة على مجاراة نظيراتها الإقليمية والتكتلات الإقتصادية الدولية الأخرى في أوروبا وأمريكا اللاتينية أو حتى دول جنوب شرق أسيا “أسيان” أساسها التكافؤ والتعامل بالمثل مع الأخرين ، حيث فشلت فشلاً ذريعا في الدفاع عن القضايا الجوهرية للأمة وأهدافها المشروعة الطموحة كما ورد في نصوص ميثاق الجامعة العربية نفسها. بالرغم من البدايات المتعثرة غير المبشّرة حين منعت حكومة فلسطين الوليدة برئاسة أحمد حلمي من حق العضوية بعد إعلان انتهاء الإنتداب البريطاني لفلسطين تحت ذرائع مختلفة ، إلا أن وجودها شكّل بارقة أمل لدى المواطن العربي التوّاق للحرية والإنعتاق من مخلفات الماضي السحيق لتحقيق الوحدة المنشودة في مواجهة تحديات العصر بعد أفول عصر الإستعمار القديم ، غير أن زرع كيان استعماري إحلالي دخيل له وظيفة الحارس والراعي للمصالح الرأسمالية الحديثة وكذا طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي التناحري ثم أطماع القوى العظمى في المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية والذهب الأسود أبّان فترة الحرب الباردة جعلت منها مجال استقطاب حادّ ماتركها عرضةً لحالةٍ من عدم الإستقرار نتيجة الإنقلابات العسكرية المصطنعة المتتالية ، والحدّ من نهوض الحركات والأحزاب الوطنية التحررية المتنامية التي لعبت الدول الإستعمارية وكيان الإحتلال وبطش الحكومات دوراّ محورياّ لإجهاض وتهميش فاعليتها الأمر الذي لم يمكنّها من إحداث التغيير المطلوب البديل عن تبعية الأنطمة الرسمية. لقد شكّل اتفاق كامب ديفيد وملحقاته بين مصر وإسرائيل إثر حرب اكتوبر برعاية الإدارة الأمريكية منعطفاّ خطيراً في العلاقات العربية العربية وبداية التفكك الملموس لمؤسسة الجامعة العربية نهاية سبعينات القرن الماضي حيث علّقت عضوية مصر في الجامعة ونقل مقرّها الى تونس العاصمة لمدة عقدٍ كامل قبل أن تعود ، كان من أبرز سماته اشتداد الخلافات والإنكفاء باتجاه القطرية المنغلقة وهو ماسعت اليه الإدارات الأمريكية وحلفائهاعلى الدوام ، حيث ظهرت تكتلات لم يكتب لها النجاح على غرار مجلس التعاون العربي واتحاد دول المغرب العربي بينما استطاع مجلس التعاون الخليجي الحفاظ على استمراره باتخاذ خطوات مشتركة بطيئة حذره نتيجة الخلافات بين اعضاءه. أما مصير معاهدة الدفاع العربي المشترك والأمن الغذائي والسوق العربي المشترك فلم تخرج إلى النور ومازالت محفوظة في ادراج الجامعة واصبح مصيرها طي النسيان ، بينما قدّمت أوروبا المتصارعة بينها في الماضي نموذجاً اتحادياً يسير بخطى ثابته نحو التكامل السياسي والإقتصادي وقيام البرلمان الأوروبي الموحّد وضمان حرية حركة الأفراد والإستثمارات بل وضعت خطط طارئة لإنقاذ اقتصاديات الدول الضعيفة المنضوية تحت لوائها للحاق بالدول المتقدمة وتقليص الفجوة بينها ، هكذا تحول دور الجامعة العربية إلى جسدٍ مريض متهالك يعكس سياسات الدول الأنانية التي ذهبت بعيداً لطلب الحماية من القوى الكبرى وجلب الغزاة الجدد إلى أراضيها بما لايتوافق مع تطلعات وأماني شعوبها وجيرانها مقابل الإحتفاظ بالسلطة والإستحواذ على مقدرات الشعوب ، حتّى أضحت لاحول لها ولا قوة كما قال احد قادة هذا الزمان المغمورين الذي أعماه غروره وبالتالي فقد منصبه حين استنفذ دوره المريب وتباهى بوصف حال أعضاء الجامعة العربية بالنعاج الخانعين لما يملى عليهم من الخارج. إن حقبة التسعينات التي شهدت انفراط عقد حلف وارسو واتحاد الجمهوريات السوفياتية بعد انتهاء حرب الخليج الأولى وما تلاها من تطورات أسست لمرحلة جديدة من الإصطفافات والإنقسامات العربية غير المسبوقة إثر احتلال العراق لدولة الكويت ، وبدل أن يكون لها الدور الحاسم في حل المشاكل العربية مهما بلغت صعوباتها اختارت الرضوخ لمخططات المحافظين الجدد الرامية إلى غزو العراق وتدمير مقوماته العسكرية والإقتصادية ووفرت الغطاء السياسي له وأعدت قواتها للمشاركة الفاعلة بعاصفة الصحراء في السابع عشر من يناير عام 1991 م، ومنذ ذلك الوقت بدا واضحاً للعيان أن هذه الحرب العدوانية بشقّيها الحصار ثم الغزوتحت يافطة أسلحة الدمار الشامل لن تتوقف عند حدود دولة معينة إنما لم تكن سوى البداية لمشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على نشر الفوضى وانهاك أسس الدولة القومية وخلق الصراعات وبؤر التوتر العرقية والمذهبية كما نرى ماتعرضت له الدول العربية ولا زالت في الوقت الراهن ، ولأجل ذلك عقدت مؤتمر مدريد وبعده رعاية اتفاقات أوسلو لتهدئة أي عوائق تقف في طريق تنفيذ مشاريعها المعدّة للمنطقة التي ستنال اسرائيل حليفتها الإستراتيجية حصة الأسد بما في ذلك امتلاكها الترسانة النووية وتوفير الوقت اللازم لفرض سياسة الأمر الواقع من خلال ارتهان القضية الفلسطينية لهذه الإتفاقيات المجحفة. اليوم تقف الجامعة العربية على مفترق طرق أزاء القضايا العربية المركزية في المقدمة منها القضية الفلسطينية التي يتعرض شعبها وأرضها ومقدسات العرب والمسلمين إلى هجمة شرسة تستهدف تاريخها وحاضرها وتهدد مستقبل وجودها نتيجة تخلّي الأنظمة الرسمية عن مسؤولياتها بل أضحت أداة ضغط للتنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني تساهم معظمها في حصاره وتسرف بقرارات الدعم والمساندة اللفظية ، ولم تفعل شيئا ذو جدوى تجاه ممارسات العربدة والبلطجة لحكومة الإحتلال والإنحياز السافر للإدارة الأمريكية الشريكة فعلاً وقولا بهذه الجريمة المستمرّة منذ ستة عقود ونصف ، كما ينبغي أن يكون لها صوت مرتفع يرفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية والتهديدات السافرة بشن الحروب عليها وفقاً لانتقائية مقيتة وحفاظاً على مصالحها ومصالح اسرائيل ولا يجلب سوى الخراب والدمار يعيدها إلى العصور الغابرة ، نريد من الجامعة العربية أن يرتق خطابها السياسي والحواري بالحّد الأدنى إلى مستوى مجلس العموم البريطاني الذي وقف في وجه حكومته رافضاً توقيع شيكاً على بياض ، من حق الشعوب العربية التي تتعرض للقتل بلاذنب أن تعرف قاتلها إما بالمشاركة المباشرة أو بالدعم الخفي او الساكتين عن حق جلاّب الغزاة فهم إخوة الشياطين . |