عبد الباري عطوان يكتب: دول الخليج والتحريض على الضرية الامريكية |
الاثنين, 09 سبتمبر 2013 00:16 |
في الوقت الذي بات تأجيل الضربة العسكرية الامريكية لسورية في حكم المؤكد، ولو لبضعة اسابيع، انتظارا لصدور تقرير المفتشين الدوليين حول المجزرة الكيماوية لسورية وموافقة الكونغرس الامريكي، يخرج وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي السبت في الرياض بمطالبة المجتمع الدولي بـ”تدخل فوري” في سورية بهدف “انقاذ” الشعب السوري من بطش النظام. من المؤكد ان هذه المطالبة جاءت من اجل دعم الرئيس الامريكي باراك اوباما وتحريضه على الضربة ان فشل فشلا ذريعا في الحصول على الدعم العسكري من حلفائه الاوروبيين لشن عدوان على سورية، ولتوفير الغطاء العربي له، في محاولته اليائسة لاقناع الكونغرس الذي سيعقد جلسة الاثنين بالتصويت الى جانيه، واعطائه التفويض الذي يريده. دول مجلس التعاون حاولت استخدام جامعة الدول العربية في الاسبوع الماضي لتوفير هذا الغطاء، مثلما فعلت طوال العامين الماضيين، بعد ان اصبحت صاحبة القرار الاول والاخير فيها، وتوجه دفتها كيفما تريد والاتجاه الذي تريد، ولكن رفض السيد نبيل اسماعيل فهمي وزير الخارجية المصري لاي عدوان امريكي على سورية وقع وقوع الصاعقة على هذه الدول والسعودية على وجه الخصوص، وافسد كل حساباتها الامر الذي دفعها الى العودة الى مظلتها الاقليمية الخليجية واصدار بيانها المذكور. حتى السيد نبيل العربي امين عام الجامعة الذي كان حتى يوم اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الاخير الناطق الرسمي باسمها، غير لهجته فورا، وعاد الى مصريته دون تردد، واصبح يردد ما قاله السيد فهمي وزير خارجية بلاده، وليس ما يقوله الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ويعارض اي تدخل عسكري امريكي في سورية ويطالب بالذهاب الى مجلس الامن الدولي. *** قلق دول مجلس التعاون الخليجي على الشعب السوري، ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لحمايته وتوجيه الضربات العسكرية ضد النطام ليس جديدا ويمكن فهم دوافعه واسبابه ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن عدم اقدام هذه الدول، مجتمعه او متفرقة، على اخذ زمام المبادرة بنفسها وبعضها يملك ترسانة ضخمة من الاسلحة الحديثة بانواعها كافة من القاذفات من كل “الإيفات” اي “اف 16″ و”اف 15″، وهي اسلحة جرى انفاق مئات المليارات من الدولارات لشرائها من شركات صناعة الاسلحة الامريكية والاوروبية. لا شك ان النظام السوري ارتكب جرائم في حق شعبه، ويتحمل المسؤولية الاكبر في كل ما لحق بالشعب السوري من مآسي، ولكن علينا جميعا ان نسلم بان الحل السياسي هو الطريق الاسلم والاقل تكلفة، والانجع لوقف حمام الدم في سورية وليس التدخل العسكري الامريكي الذي يمكن ان يتطور الى حرب عالمية ثالثة تحرق المنطقة باسرها وتقتل مئات الآلاف وربما الملايين من ابنائها، وفي دول الخليج البعيدة عن سورية القربية من ايران خاصة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجه رسالة قوية بالامس الى امريكا وكل حلفائها بانه سيحمي سورية، ويقف في خندقها، في حال تعرضها لعدوان امريكي، فارتجف فرانسوا هولاند رئيس فرنسا، وخفف من حدة اندفاعه في تأييد حليفه الجديد اوباما، وقرر عدم المشاركة في اي عمل عسكري قبل صدور تقرير الامم المتحدة وخبراؤها، اما الاخير، اي اوباما، فأعاد التأكيد بان اي ضربة امريكية ستكون محدودة وضيقة. بعض دول مجلس التعاون تتدخل عسكريا في سورية وتنفق مئات ملايين الدولارات لدعم الجيش السوري الحر باسلحة حديثة، نجحت صباح اليوم في اسقاط طائرة تابعة للنظام ولكن دعمها للاجئين السوريين الذين يقترب عددهم من الاربعة ملايين ما زال مخيبا للآمال، ومن يزور مخيم الزعتري في الاردن ومخيمات مماثلة في كردستان العراق وتركيا يدرك هذه الحقيقة جيدا، ويكفي التذكير بان آلاف الاجئين السوريين فضلوا العودة لمظلة النظام الذي هربوا من قمعه والمخاطرة بحياتهم واطفالهم على البقاء في هذه المخيمات المهينة التي لا تصلح للحيوانات، والزعتري على وجه الخصوص. *** الضربة الأمريكية، المحدودة او الموسعة، التي يطالب بها وزراء مجلس التعاون الخليجي قد لا تطيح بالنظام، بل ربما تؤدي الى تعزيزه وتقويته، وإطالة عمره، بما تجعله وحلفاءه ينتقم من كل من وقفوا ضده في ما هو قادم في أيام، ويكفي التذكير بانه يقف في خندق اكثر الدول قدرة مع التآمر وتنفيذ عمليات إرهابية ضد خصومها في عقر دارهم، والقائمة طويلة لا تحتاج الى شرح. ولعل ما هو اخطر من كل ذلك ان هذه الضربة ستضفي شرعية على الجهود والطموحات الإيرانية لإمتلاك أسلحة نووية وربما إستخدامها مستقبلاً، فاذا كانت أمريكا تحتدى الأمم المتحدة، وتتجاوز القانون الدولي، وتغير أنظمة، وتحتل بلدانا، وتعاقب هذا وذاك بالقصف الصاروخي، فان حق الدفاع عن النفس أمر مشروع ومبرر خاصة في ظل هذا التغول الأمريكي، والتهديدات النووية والتقليدية بشكل مباشر او غير مباشر. دول الخليج اتسمت مواقفها في معظم الأحيان بالتعقل، وكانت “تعاير” الدول الجمهورية والثورية العربية بالطيش والتهور، ويبدو ان الآية انقلبت رأساً على عقب وما نراه حالياً هو الدليل الأبرز. ما زالت هناك فرصة لتسوية سياسية تحقن الدماء، يجب ان يعمل الجميع من اجل الوصول اليها، وأولها دول مجلس التعاون، لان الخيارات الأخرى لا تقود الا الى الكارثة والمزيد من القتل والدمار. |