في انهيار الكلمة |
الاثنين, 17 نوفمبر 2014 16:32 |
ماذا فعلنا بأنفسِنا؟ لقد قوّضنا "الأمير" الحديث. هذه هو المتعالي الذي يجب تعزيتُنا عن قتله. في كلّ مكان سحلنا "الطليعة". رفاقُنا في اليسار ضحكوا من المفهوم، فهو بالنسبة لهم لم يكن إلا محاولة البرجوازية (الدؤوبة طبعاً) سرقة الثورة. والقوميون والوطنيون، في إخلاصهم لإبعاد "العملاء" طفقوا مسحاً بالسوق والأعناق. ومع الحقيقة القومية، ماتت النخبة الطلائعية، لأنها "مستغربة". وإخواننا الإسلاميون، نقصد الإسلاميين الجديين لا الهجهعات المنتشرين، هم قوم يعيشون في التقاليد، لا يستوردونها. إنّهم معايشة أنطلوجية، لا تأملية للوجود. وهكذا هم أيضاً يتخلصون من الذوات الديكارتية والهوسرلية، التي تريد اختزال العالم في التفكير، لا التقاليد. هذا أيضاً يقتلُ الطلائعية لأن الرعية تُصبحُ الوجود في العالم، في التقاليد، في الموروث.
وبطبيعة الحال فأنا أنخرطُ في هذه التقاليد وأتعاطف معها. ولكن ما أريد قوله هنا مختلف: جزءٌ من تردي الحالة الموريتانية يعود بالذات إلى موت النخب، وليس بسبب مشاكل النخب. المثقفون العضويون تخلّوا طواعية عن أدوارهم؛ ومفكرو الأجيال رضوا بأريحية البرج العاجي. والقلائل الذين بقوا يمارسون التفكير اليومي من النخب القديمة إما باعوا أرواحهم للشيطان أو حاصرهم جمهور جاهل أو تنازلوا للديماغوجية أو حوّلوا أقلامهم إلى سبحات أو ذووا في النفاق.
لم يعد يوجد كُتاب في هذا البلاد. يوجدّ ممارسون. صحيح أن البعض يُسميهم مفكرين، ولكن هذا لا يُغيّر شيئاً كثيراً. وحتى بعض "الكُتاب" الذين صار لهم قولٌ مسموع حصّلوا سمعتهم الجديدة ليس بفعل كتاباتهم الجديّة (إن وجدت) بل بسبب صُراخِهم الفيسبوكي. ويوجد "كُتابٌ" لا كتابات لهم أو توجد كتابات لهم في الأرشيف تستحي منها البغال. وباستثناء الإشارة إليهم في عرائض القنوات بأنّهم "كُتّاب" فإنه من الصعب التوطيد أنهم كذلك. المواقع الكبيرة تضع صفحة الرأي الفيسبوكي في واجهاتها، لأنها تفتقر إلى صفحات الرأي والرأي الفيسبوكي الخالي من أي أبجديات مدرسية وإنشائية، يتفوّق على صفحات الرأي في كبريات الصحف.
هؤلاء عمّموا الجهالة: الصحف الصفراء، التي تنشُر أخبار اقتراب الساعة واحتلال الجن للمنازل وعودة الأموات للحياة وتناكح البشر والديناصورات؛ مثقفو العنف اللفظي والشخصنة والضحالة، الوثوقيون التصحيحيون، الذين ينخرطون بعنف عجيب في نقاش الأفكار التي لا يفهمونها، سفهاء المرجعيات وأولاد الجهل المقدّس، تُجار الكلمة. حالة التعصّب القائم هي الحالة الطبيعية لريادة هؤلاء. إنّها لمعجزة أن رؤوسنا مازالت على رقابنا. ------------------ من صفحة الأستاذ العباس ابرهام على الفيس بوك |