"شارلي أبدو".. لعنة الإفلاس! |
الأربعاء, 14 يناير 2015 23:24 |
علي أن أعترف أولا أنني لست ممن ينظر بمنطق الأبيض أو الأبيض، ولا من يتلذذ بخلط الأوراق؛ فيتحدث من باب حرية التعبير ليخرج من نافذة اجتياح العراق أو احتلال فلسطين؛ رغم إدراكي للعلائق والتواشج بين مختلف زوايا هذا العالم. ما حدث في باريس كان عملا قتاليا لا يمثل الإسلام الذي أؤمن به كدين يكافئ من يجتهد سواء أخطأ أو أصاب وكرحمة للعالمين؛ وحتى من غير المؤمنين به وفي عهد الرسول علية أزكى الصلوات وأتم التسليم تجاوز جهلة كثيرون حدودهم؛ وسخروا من الرسول الأعظم و آذوه وتبولوا في أماكن العبادة بحضوره، لكن رؤوسهم ظلت مكانها رغم أن العفو حينها كان عند المقدرة. إن نظرة الغرب للدين لا شك متأثرة بتاريخ كثبف من الألم سبّبه رجال الدين في القرون الوسطى، وهذا جعل حساسيتهم تجاه الدين مفرطة وظالمة؛ بل خلق لديهم روحا عدائية و هجومية ضد الدين أي دين، إلا أنني أعتقد أن دور المثقفين ليس الهرولة خلف الغوغائيين والفهم السطحي للدين ودغدغة المشاعر الدينية النبيلة لدى العامة؛ لأن ذلك قد يشكل عنصرا إضافيا يدعم قناعات هؤلاء وغيرهم بخصوص ضيق أفق المتدينين. لا يختلف اثنان أن احترام مقدسات الآخرين مهما كنا نختلف معها من صميم الحرية التي تتوقف حيث يبدأ حقل حرية الآخرين؛ ومن هنا كانت ضرورة احترام حرية الاعتقاد ما لم تمس حرية الآخرين. فرنسا التي انطلقت منها ثورة أثرت في كل العالم بتمجيدها للحرية وحقوق الإنسان لا تقبل جزء من المجتمع الفرنسي؛ وتحاول مصادرة حقه في الاعتقاد والممارسة، وهذا منعرج خطير؛ ينبؤنا بمدى تغلغل اليمين المتطرف في المجتمع و الفكر؛ وأنه ربما في العقود القليلة القادمة قد يصل حزب متطرف مثل "الجبهة الشعبية" برئاسة "لوبين" البنت إلى السلطة، وهذا ما يستدعي وقفة جديدة تسائل المسارات السياسية الفرنسية و تصوغ جزء كبيرا من العقد الاجتماعي آخذة بالحسبان التطورات الاجتماعية و المستجدات التي عرفتها فرنسا خلال العقود الخمسة الماضية. أنا ضد "شالي أبدو" وما تقوم به من عمل شعبوي وسطحي ومن جرح مجاني لمشاعرنا كمسلمين وأعتبر ذلك طريقة رخيصة لاستجلاب القراء و إفلاسا صحفيا مدويا وأنه "بحث عن السمك في بحيرة من البول" كما يقول (غيوم) صديقي الكاتب الفرنسي، لكني بالمقابل ضد الرد على الحماقات بحماقات مثلها. أنا ضد "شارلي أبدو" لكني لست مع مواجهة القلم بالمسدس.. أتمنى أن يكون ما حدث مجرد حادثة عرضية وليس تغيرا عميقا في مسارات الإنسانية المحكوم عليها بالالتقاء و العيش المشترك مهما اختلفت فكريا و دينيا وجغرافيا. ---------------------- من صفحة الأستاذ الشيخ نوح على الفيس بوك |