الْقِرَبُ ، وَالقُدُور ” …ثلاجات متنقلة على الطريقة الموريتانية |
الأحد, 27 يوليو 2014 02:25 |
تنتشر القرب والقدور انتشارا واسعا لدى المجتمع الموريتاني ، حيث يتم استخدامها لتبريد المياه في بلد ترتفع فيه درجات الحرارة .. حياة البدو والترحال جعلت الموريتاني يتمسك بثلاجاته المتنقلة ، ويبدع في مواءمتها مع الحداثة ، ففي أكثر البيوت الموريتانية تحضرا لا تعدم قربا معلقة ، وقدورا مُشرعة للتزين قبل التبريد ، إنها طريقة الموريتاني في الحفاظ على أصالته . الانتعاش الموسمي تعرف تجارة القرب والقدور بموريتانيا رواجا ملحوظا مع حلول موسم الصيف وحاجة المواطنين لتبريد مياه الشرب. وتعرف منتجاتها ارتفاعا في أسعارها؛ بسبب الطلب المتزايد من طرف المواطنين؛ بحسب مسوقة القدور فاطمة جا . في يوميات السيدة الخمسينية حركة دائبة وطواف بنقاط البيع شبه الثابتة تعهدا للزبناء وعرضا لجديد الصناعة ، التي تعرف موسمها الذهبي مع بداية فصل الصيف الحار. قِرَب للعرب وقدور للفُلّانْ !! الاختلاف العرقي داخل المجتمع الموريتاني جعله يبدع من أجل مواكبة التنوع ، مواكبة جعلت لكل مكون عرقي عاداته وثقافته الخاصة به ، وفي هذا السياق تعد صناعة القرب في موريتانيا صناعة عربية بامتياز ، بينما تنتشر صناعة القدور وتجارتها واستعمالها في أوساط الزنوج الموريتانيين خاصة الفلان منهم ، غير أن هذه المسلمة لا تنفي تبادلا للأدوار بين المكونين في موريتانيا فالقدور والقرب صناعات حرفية يقتنيها كل الموريتانيين بغض النظر عن صاحب ماركتها المسجلة . خطوات التصنيع رغم بساطة وبدائية طرق صناعة القدور في القرى الفلانية؛ إلا أن فاطمة جا لا ترى منها حرفة بسيطة فهي بحاجة ماسة، إلى كثير من الخبرة والممارسة الدؤوبة لاكتساب مستوى عال من الاحترافية يوصل لمعايير بعينها قل توفرها في جميع قدور السوق؛ تمر عملية صناعة القدور بمراحل أولها جمع بقايا القدور القديمة وأنواع خاصة من الأعشاب التي تصفى بعد حرقها وخلطها بطين أسود يتسم بصلابة تامة في وجه المياه المبردة. وفي حال انعدام بقايا القدور القديمة يتم جلب تربة خاصة من البحيرة ، وحرقها قبل خلطها بالأعشاب المصفاة وقليل من الماء لتأمين اندماج الخليط. في الجزء الأول من القدر يصب الخليط على مجسم للمؤخرة ويتم تحريكه بشكل سلس مشكلا ما هو أشبه بنصف كرة كبيرة لها قاعدة شبه حادة وتعريضها لأشعة الشمس قبل لحمها بالنصف الذي توجد به فتحة القدر. أما الهيكل المجوف من القدر فتتم صناعته باليد؛ حيث تبنى أجزاؤه على مراحل تبعا لمستوى الجفاف الذي توفره أشعة الشمس المستعرة؛ والتي تتعرض لها القدور؛ قبل حرقها وهي ملفوفة بغطاء من مخلفات البقر لإكسابها مزيدا من الصلابة والتلاحم السحري ، الذي تعتبره المصنعات سر صنعة . بدورها تصنع “قربة” الماء من جلود الأغنام، ويمر تصنيعها بمراحل عدة، تبدأ بالدباغة، باستخدام شجر الأرطى، ثم تقوم المصنعة بخرزها بعد ذلك ، وتعبئتها بالماء مضافة له أغصان شجر الأرطى البري، لضمان عدم التسرب، ولتغيير طعم الماء الذي يتأثر بالجلد ، ويتم تبديل الماء بين فترة وأخرى إلى أن يتم التأكد من جودة القربة، لتبدأ عملية التسويق بعد ذلك . حرب الحداثة تورث الكساد رغم انتشار وصناعة القدور في الأوساط الموريتانية ، إلا أن غزو الحداثة وثورتها التي أحدثت طفرة في وسائل التبريد ، جعلت نهاية تصنيع القرب والقدور لا تشكل بداية حتمية للربح وجني المال؛ الذي ينتظره المصنعون إذ لا يخلو التسويق من متاعب؛ كما تقول المصنعات . فرغم صعوبة التصنيع ومشقة النقل والعرض والتسويق فإن تجارة القرب والقدور تعرف كسادا لا نظير له خاصة في المدن وفي الفصول الباردة من السنة ، ما جعل أسعار القرب والقدور زهيدة مقارنة بتكاليف التصنيع والتسويق حيث لا يتجاوز سعر الواحدة منها 10دولارات . وعن أسعار القرب تقول خديجة “إنها تتحدد بحسب حجمها وتكون زهيدة في الغالب وتتراوح ما بين 15 و20 دولارا على الرغم من ارتفاع سعر جلود الغنم، وندرة أغصان الأرطى لما طاله من عمليات احتطاب وجفاف جراء انخفاض منسوب الأمطار المتساقطة سنويا، ولأنني غير قادرة على البحث عنه لوعورة الصحراء، أشتريه من الباعة بأسعار مرتفعة”. وتضيف خديجة ” أن عمل القربة غير مربح، واستطردت أنها لم تستطع التخلي عنها، وتنصح باستخدام القرب لتبريد الماء فيها، وعللت ذلك بأن تبريدها صحي، ويروي الظمآن ونسبة برودة الماء بالقربة يناسب جسم الإنسان “ تبقى القرب والقدور ثلاجات الموريتانيين المتنقلة ، بها يتمسكون رغم أنف الكساد وثورة الحداثة . عبد المجيد ولد ابراهيم نقلا عن موقع تقدمى
|