مؤسس البوليساريو يفتح في حوار مع 'المغربية' العلبة السوداء للانفصاليين ويكشف أسرار 40 عاما |
السبت, 26 أبريل 2014 11:06 |
كشف نورالدين بلالي الإدريسي، أحد الأعضاء المؤسسين لجبهة البوليساريو، وسفيرها سابقا بكل من ليبيا وسوريا، الخيوط الخارجية التي نسجت بواسطتها الجزائر وليبيا علاقات إقليمية ودولية لتمرير الاعتراف بجبهة البوليساريو.
وأماط بلالي، في حوار أجرته معه "المغربية" اللثام عن جوانب غامضة في علاقات بعض الزعماء، الذين كانوا يؤيدون جبهة البوليساريو، موضحا أهداف وخلفيات كل طرف كان يدعم الجبهة، وأشار إلى أنه انطلاقا من المهام التي تقلدها على مستوى العلاقات الخارجية وإبحاره في محيط السياسة الخارجية الجزائرية، توصل إلى مجموعة من الحقائق لخصت له مسار الجبهة ومستقبلها. وفي ما يلي نص الحوار الذي أجرته "المغربية" مع بلالي، الذي أدرك في لحظة معينة، مع جماعة من رفاقه أن البوليساريو طائرة مخطوفة من قبل النظام الجزائري، وأن لا أمل في الاستقلال عن الأجندة الجزائرية، ما جعله يقرر العودة إلى المغرب، واستئناف النضال من الزاوية الأخرى (المغرب) دفاعا عن الشرعية التاريخية.
متى وكيف وأين نشأت جبهة البوليساريو؟
* استمدت جبهة البوليساريو نشأتها من النضال ضد الاستعمار الإسباني، وتحرير الصحراء وإلحاقها بالسيادة المغربية تحت العرش العلوي، ففي عام 1968 شاركت شخصيا في تأسيس حركة منظمة الطليعة لتحرير الصحراء، بقيادة محمد سيد إبراهيم بصيري، الذي ينتمي إلى الزاوية البصيرية الموجودة قرب أزيلال، وكنا نعمل لتحقيق الهدف المشار إليه، ليس إلا، وفي عام 1970 عندما تعرضت الحركة للضرب والتصفية على أيدي قوات الاستعمار الإسباني لجأنا إلى موريتانيا وشكلنا فرعا للحركة في نواكشوط بمعية محمد عبد الرحمن وصالح بيروك وآخرين، وأجرينا اتصالات مع جهات مختلفة لطلب الدعم من سفارات بلدان عربية، كما أجرينا اتصالات مع مجموعة الرباط، التي كان ينشط فيها محمد علي العظمي الحضرمي، ومحمد ولد خليلي (الاسم الحقيقي لمحمد عبد العزيز الزعيم الحالي لجبهة البوليساريو)، وبطل سيد أحمد وآخرون.
عملنا جميعا من أجل طرد الاحتلال الإسباني ولم تكن لدينا أي نية في الانفصال عن المغرب، وعندما قررت مجموعة الرباط الالتحاق بنا في موريتانيا جرى اعتقال أفرادها في بئر أم كرين، وإرجاعهم عبر الزاك، لكن بعد إطلاق سراحهم تحقق لقاء زويرات في 25 أبريل 1973، وتأسست جبهة البوليساريو التي تعني جبهة تحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، وكما أسلفت لم يكن الهدف هو الانفصال، بل كان طرد الاستعمار الإسباني من الصحراء هو الهدف.
إذن فكرة الانفصال ولدت في ما بعد؟
* بكل تأكيد
كيف حصل ذلك؟
* كانت هناك أخطاء مشتركة من قبل كافة الأطراف المغربية والجزائرية والموريتانية ومن قبل الناشطين الصحراويين، أيضا، ودرست هذه الأخطاء من قبل القوتين الاستعماريتين فرنسا وإسبانيا، وجرى استغلالها لتحريك خيوط اللعبة من الخلف في الاتجاه الذي يريدونه، إذ فاجأ الاتفاق الثنائي بين المغرب وموريتانيا السلطات الجزائرية، ولم تستسغه جبهة البوليساريو، وفي غمرة ذلك دخلت ليبيا على الخط واستبقت الجزائر في دعم جبهة البوليساريو ضد الاستعمار الإسباني، ثم بعد المسيرة الخضراء ضد المغرب، وهكذا تحولت الجبهة عن هدفها الأساسي.
بصفتك عضوا في المكتب السياسي لجبهة البوليساريو، من هم أول الأشخاص الذين نسقت معهم في ليبيا والجزائر؟
* كان أول شخص أجرينا به الاتصالات داخل ليبيا هو محمد سعيد الكشاط، كان مدير جريدة، وكانت له ارتباطات قوية بالعقيد معمر القذافي، وكان يدير ملفات خاصة، وتطورت هذه العلاقة إلى أن أصبحت علاقات مؤسسات، وصار للجبهة مكتب للتمثيل الدبلوماسي تقلدت شخصيا مهام تسييره وإدارته بمنصب سفير.
وبدأت تنسج في الجزائر أولى خيوط العلاقات مع شخص يدعى جلول ملائكة، المشرف على قسم حركات التحرير بجبهة التحرير الوطني الجزائرية، الحزب الوحيد والحاكم في الجزائر، وربطنا، أيضا، علاقات عمل مع شخصين كانا من أشد الداعمين لجبهة البوليساريو، وهما المدعو هوف مان، وشريف مساعدية، وتطورت هذه العلاقات في مرحلة لاحقة لتشمل كافة القطاعات بين الدولة الجزائرية وجبهة البوليساريو.
إذا طلب منك أن تقارن علاقات الجبهة بكل من ليبيا والجزائر أيهما كانت الأفضل؟
* عندما نقارن بين علاقات البوليساريو بكل من ليبيا والجزائر، فهي في الحالة الليبية علاقات مستقلة، فالقذافي لم يكن يريد التحكم في البوليساريو أو تسييرها، كان يغدق الملايير عليها وينفق بسخاء مقابل الاستمرار في حربها ضد المغرب، لكن في الحالة الجزائرية اكتشفنا في مرحلة لاحقة أن أجهزة الاستخبارات العسكرية الجزائرية هي المتحكمة في كل شيء، وأن الجزائريين لم يكونوا يريدون للجبهة الخروج عن سيطرتهم، ولهذا كانوا يتدخلون في كل شيء ويملون على الجبهة ماذا تفعل وماذا لا تفعل، حتى إنهم على المستوى العسكري كانوا يتضايقون من تزويد القذافي لنا بالصواريخ، وكانوا يقولون لنا على سبيل النكتة "نحن الجزائريين حررنا بلادنا بالمكحلة وعليكم أن تفعلوا كذلك مثلنا".
هل كنتم تشعرون بأن الدعم الليبي والجزائري كان من أجل القضية الصحراوية أم لتصفية حسابات مع المغرب؟
* في البداية لم تكن لدينا تجربة عميقة، وكنا نؤمن فقط بالمبادئ الثورية، لكن من خلال الممارسة لاحظنا أن الجزائر عملت منذ البداية من أجل أن يكون دعمها مشروطا بتحكمها في الجبهة وتسييرها وقف مخططها، وفي ما يتعلق بليبيا اكتشفت أمرا غريبا في ما بعد، وبحكم وجودي في طرابلس وعلاقاتي بمسؤولين ليبيين من كل الرتب العسكرية والمدنية حصلت على معلومات تفيد أن العقيد معمر القذافي أسر لمسؤول ليبي بأن هدفه من دعم البوليساريو ليس فقط من أجل ضرب المغرب، وإنما، أيضا، من أجل إشغال الجزائر بحرب على حدودها الغربية، فعلاقات القذافي بالنظام الجزائري لم تكن جيدة، وكان يكره أن يرى في الجوار دولا قوية تنافسه في مشروع الزعامة.
إن الجزائريين والليبيين لا يتفاهمون، ففي إحدى المرات كان لقاء بين القذافي وبومدين، وقال الأول في كلمته "إن الحزبية إجهاض للديمقراطية"، قاصدا بذلك الإساءة إلى الحزب الجزائري الحاكم، فرد عليه بومدين بالقول "قل ما شئت يا معمر نحن صنعنا ثورتنا بالدماء أما أنت فصنعتها بالصباغة".
كيف كانت علاقتك بالعقيد القذافي؟
* إنه اليوم في عداد الموتى، والإسلام يقول "اذكروا أمواتكم بخير"، كنا نلتقي به خلال المناسبات الرسمية، وكان ينظر إلى جبهة البوليساريو على أنها إحدى بنات أفكاره، بعدما لبى مجموعة من الشباب الصحراوي نداءه وثاروا ضد "الإمبريالية"، هكذا كان يعتقد، أو هكذا كان يريد، لكنه كان يشك في صدق البوليساريو، وكان يعلم بطريقة أو بأخرى أن الحاجة هي من ألقت بالجبهة في أحضانه، وكان ينفق المال من أجل أفكاره، وتلك هوايته.
القذافي أساء إلى شعبه وارتكب آثاما كثيرة، وما يحدث الآن في ليبيا هو من صنعه، إنه ربى جيلا بكامله على عدم التفاهم وعلى الفوضى والثورة لأبسط وأتفه الأسباب.
ما أشكال المساعدات والإمكانات التي كان القذافي يضعها رهن إشارة جبهة البوليساريو؟
* من الإبرة إلى الصاروخ، يمكن أن تتخيل أي شيء تطلبه الجبهة يقدمه القذافي بأضعاف عدده، على المستوى العسكري حصلت البوليساريو على مختلف الأسلحة من صواريخ صام، ورغ ستالين، ورشاشات الكلاشينكوف، وقاذفات ومدافع، وحاملات للمدافع، وعربات عسكرية، ومتفجرات، وألغام، وقنابل وراجمات صواريخ وذخيرة حية بآلاف الأطنان، إضافة إلى التدريب العسكري الميداني، والتكوين الحربي في المدارس العسكرية الليبية.
وعلى المستوى المدني، قدمت ليبيا للبوليساريو المؤن الغذائية، والخيام، والحافلات، وشاحنات، وصهاريج، وإمدادات لوجيستيكية، وجهزت المدارس، إضافة إلى قرار القذافي استقبال التلاميذ من المخيمات في المدارس الليبية والتكفل بتعليمهم وإيوائهم.
كم استمر هذا الدعم؟
* استمر الدعم عشر سنوات، أي من عام 1975 إلى عام 1985 هل يمكن تحديد حجم وقيمة هذا الدعم؟
* يستحيل ذلك، أرقام خيالية أنفقها القذافي من أموال الشعب الليبي على البوليساريو وعلى جبهات ومنظمات كثيرة، يصعب تخيل رقم ما أو تحديد ثمن لملايين الرصاصات والقذائف والمعدات والمؤن والأجهزة، خلال عقد كامل، كل ما يمكن أن أقول أنهار من المال كانت تسكب في رمال الصحراء.
بعد إعلان وجدة وقيام الاتحاد العربي الإفريقي عام 1985 هل شعرت البوليساريو بنكسة فقدان الدعم الليبي؟
* نعم، دون شك، لا يجب أن ننسى أن البوليساريو أغضبت القذافي، ففي عام 1984 عندما كانت طرابلس تتأهب لاستقبال قمة منظمة الوحدة الإفريقية، طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الدول الإفريقية الموالية لها عدم حضور القمة حتى لا يكتمل النصاب القانوني ولا يتسنى بالتالي انتخاب القذافي لرئاسة المنظمة، فيتعذر عليه حضور دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة لتلك السنة، لأن واشنطن لم تكن تريد منحه تأشيرة دخول الولايات المتحدة.
طلب القذافي من البوليساريو عدم حضور القمة حتى يتسنى لأكبر عدد ممكن من الدول الإفريقية الحضور، ونصحها بالغياب الإرادي، وفعلت، لكن مع ذلك لم تحضر دول إفريقية كثيرة وفشل مخطط القذافي.
وفي الدورة الموالية في أديس أبابا (1985) تكرر السيناريو نفسه، لكن البوليساريو وضعت شروطا للاستجابة، ولم تنسق مع القذافي حول انسحابها. فالقذافي اطلع على موقف البوليساريو في وكالات الأنباء، وعندما كان محمد عبدالعزيز في طريقه لشرح الموقف للقذافي، طرد من باب بيت ضيافة بعبارات نابية من قبل الحارسات الشخصيات للقذافي وعاد خائبا، تاركا وراءه نهاية مؤسفة لعلاقات الجبهة مع الجماهيرية الليبية، إذ أوقف القذافي كافة أشكال الدعم، باستثناء موضوع الطلبة الصحراويين في ليبيا، لكن البوليساريو استرجعت الطلبة في خطوة متهورة وحرمتهم من استكمال مسارهم التعليمي.
هل جرى دمج أولئك الطلبة في مدارس أخرى بدول أخرى؟
* نسبة قليلة جدا، إذ جرى إرسال نسبة قليلة منهم إلى كوبا، والبعض الآخر التحق بمدارس في الجزائر، فيما حشرت الأغلبية منهم في الميليشيات لحمل السلاح.
ما هي تحديدا المهام التي قمت بها في ليبيا؟
* قمت بمهمات في مجال التنسيق على كافة الأصعدة وباتجاه كافة الدول والمنظمات، يمكن لك أن تعتبر "سفارة" الجبهة في ليبيا قاعدة للتحرك الأفقي والعمودي عربيا وإفريقيا وأوروبيا.
بخلاف القذافي، كيف كان مزاج الهواري بومدين؟
* لم ألتق به، وحسب المقربين منه كان شخصا عبوسا، يريد الظهور بمظهر الرجل الجدي والصارم.
هل كان ثمة ما يوحي بأنه قرر في آخر لحظة قبل موته عقد مصالحة مع المغرب والتخلي عن جبهة البوليساريو؟
* لم نلمس أي شيء من هذا القبيل، شخصيا علمت أن هناك اتصالات بين المغرب والجزائر وراجت وقتها معلومات تفيد أن لقاءات وشيكة بين الحسن الثاني والهواري بومدين، لكن موت هذا الأخير حال دون ذلك.
أين كنت عندما انطلقت انتفاضة 1988 في المخيمات وكيف وصلت إليك الأخبار؟
* لست من الذين تلقوا أخبار انتفاضة 1988 في المخيمات، بل شاركت في إطلاقها، حدث ذلك بعد عودتي من دمشق، حيث كنت أدير المكتب التمثيلي للجبهة، إذ عينت مديرا لمجمع مدارس 9 يونيو بالمخيمات، وكانت قيادة الجبهة وقتها تجري ترتيبات لإعادة تموقع عناصرها، وحدثت خروقات كشفت الوجه الحقيقي لجبهة البوليساريو وأماطت اللثام عن ارتباطها بأجندة خارجية، وكان المكتب السياسي الذي كنت عضوا فيه يضم 21 عضوا، إضافة إلى اللجنة التنفيذية، التي كانت تتشكل من 7 أعضاء، زيادة على أعضاء الحكومة، حيث تقرر تقديم استقالات بشكل جماعي، احتجاجا على ما اعتبرناه تجاوزا للصلاحيات واستشراء للفساد وقهر الصحراويين في المخيمات، ولم نكن نعلم أن مستوى الاستبداد سيصل ببعض العناصر في الجبهة حد القمع والتقتيل، تعرضنا بعد تقديم الاستقالات إلى السجن والتعذيب والإقامة الجبرية، وفرض علينا الحصار وعندما قررنا تطوير شكل الاحتجاج أقام لنا رفاقنا في الجبهة ما يشبه محاكم التفتيش، حيث حشروا الأشهاد وأقاموا الجموع ورتبوا كل أدوات الترهيب وقدمونا بشكل استعراضي على أننا مجرمون وخونة وعملاء للمغرب، كان ذلك أشبه بمحاكم القرون الوسطى في الساحات العمومية في أوروبا.
عذرا على المقاطعة، كان للمرأة الصحراوية دور كبير في انتفاضة 1988، كيف حدث ذلك؟
* طبعا كان للنساء الصحراويات دور مهم في تلك الانتفاضة، ومن الأمور التي يجب أن يسجلها التاريخ أن المرأة الصحراوية لم تتعرض للضرب حتى في ظل الاحتلال الإسباني للأقاليم الصحراوية، الذي استمر من 1884 إلى 1975، إلا أن البوليساريو تخطت المحظور أثناء انتفاضة 1988 وضربت النساء عندما خرجن في مسيرة للاحتجاج على اعتقال أبنائهن وأزواجهن، وما يثير الاستغراب أن قياديين في الجبهة تجرأوا على اعتقال النساء وتعذيبهن في السجون واتهامهن بالعمالة للاستخبارات المغربية، ونقلوا حكايات مفبركة من هذا القبيل إلى أزواجهن المنخرطين في الجيش وحدثت فوضى عارمة، وتفاقمت الأوضاع سوءا مع اختطاف الحضرمي، وفرضت حالة الطوارئ، وأرسل النظام الجزائري وفدا من الضباط العسكريين إلى محمد عبد العزيز وقالوا له بالحرف "إذا لم تتمكن من إخماد الثورة سوف نتدخل بأنفسنا لفعل ذلك"، ولم تخف الأوضاع إلا بعد إطلاق سراح المعتقلين، وما زلت أذكر عندما بدأت الترتيبات للمؤتمر الذي قررت الجبهة تنظيمه في محاولة لإعلان نهاية الانتفاضة، طلب مني أزلام محمد عبد العزيز أن أتحدث إلى الصحراويين بطريقة تحفظ لهم ماء وجوههم، لكنني رفضت السيناريو الذي عرضوه علي، وقلت لهم لن يسمع مني الصحراويون إلا الحقيقة، وقلت لهم "إذا تعرضت لأي سؤال سأجيب عنه بكل صراحة"، ولهذا لجأت الجبهة إلى أسلوب طرد كل صحراوي من القاعة يلقي سؤالا أو يطلب استفسارا، من شأنه أن يفتح فوهة البركان من جديد، وكان ذلك في الدائرة التي يسكن بها أهلي.
بعدها قررت الجبهة إبعادنا عن المخيمات، فأعادتني إلى دمشق، لكن مسيرة الطلاق مع البوليساريو كانت قد بدأت.
ميلاد اتحاد المغرب العربي عام 1989 شكل ضربة لجبهة البوليساريو، كيف تعامل النظام الجزائري مع الجبهة بشأن هذا الحدث؟
* بكل تأكيد، لكن قبل معاهدة مراكش في فبراير 1989، حدث لقاء بين الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بنجديد، رحمهما الله، وأعتقد أن هذا اللقاء تم بوساطة الملك فهد بن عبد العزيز، وعلى إثره توصل الشاذلي بنجديد إلى ضرورة عقد لقاء بين المغرب وجبهة البوليساريو في محاولة لكسر الجليد، والتمهيد لحل مقبول من كافة الأطراف، وحصل فعلا لقاء الطائف الذي شاركت فيه، وكنا اشترطنا حضور شخص مقرب من جلالة الملك الحسن الثاني، وشارك في اللقاء عن الجانب السعودي مستشار الملك فهد بن مسلم، وكان لقاء شكليا، لأنه لم يخضع لأي جدول أعمال ولم تتمخض عنه أي نتيجة، لكنه كان لبنة في جسر التواصل بين الصحراويين (الوحدويين والانفصاليين) من جهة، وبين جبهة البوليساريو والمغرب من جهة ثانية.
لكن كيف كان خطاب النظام الجزائري تجاهكم وهو يدفعكم للتحاور مع المغرب؟
* بصراحة وجه الرئيس الشاذلي بنجديد الجبهة إلى خيار التفاوض مع المغرب، واستدعي محمد عبد العزيز وقال له "عليكم أن تختاروا حل التفاوض مع الرباط، لأن خيار الاستقلال أصبح صعبا"، لكن عبد العزيز وجد نفسه في ورطة وعوض أن يجيب الرئيس بنجديد طلب مهلة للتفكير، وفي المرة اللاحقة رجع إلى قصر المرادية مصحوبا بوفد من مستشاريه وحاول أن يدفع الرئيس الجزائري إلى التحدث عن خيار الانضمام إلى المغرب أمام باقي أعضاء الوفد الصحراوي، وهو ما فعله بنجديد دون أي تردد، وقال أمام الوفد الصحراوي "لن تقوم دولة مستقلة جنوب المغرب".
لماذا لم ينجح الرئيس الشاذلي بنجديد في خطته، هل جبهة البوليساريو كانت حرة في رفض خيار الانضمام؟
* شعرت جبهة البوليساريو بصدمة كبيرة، ولم يكن أمامها من خيار، خاصة بعد توقف القذافي عن دعمها، لكن المفاجأة جاءت من شريف مساعدية، الذي دافع عن فكرة "لا موقف دون ثمن"، فالجزائر صرفت ثروة طائلة على جبهة البوليساريو، التي إذا رفعت راية الاستسلام أمام المغرب وفي حال ما إذا أعلنت الانضمام، ستكون الجزائر قدمت الصحراء للمغرب على طبق من ذهب، وأن المغرب كسب معركة الصحراء، فماذا ستكسب الجزائر؟
بهذه الطريقة جرى الالتفاف على مبادرة الشاذلي بنجديد من داخل النظام الجزائري، وتعرض خيار التفاوض بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى الإجهاض.
بعد تخلي ليبيا عن دعم الجبهة تولت الجزائر المهمة بمفردها كيف حدث ذلك؟
* اعتمدت ليبيا في دعمها لجبهة البوليساريو على إجراءات الطلب والاستجابة، لكن الجزائر اتبعت مخططا يقوم على برمجة احتياجات الجبهة ضمن ميزانية الدولة، فمخيمات تندوف هي ولاية ضمن الولايات الأخرى، مع فارق بسيط أن الجزائر تترك لجبهة البوليساريو إدارة الشأن المالي، وتنفق في حدود تلبية الحاجات المدنية المتعلقة بحياة سكان المخيمات، لتبقى حالة الفقر والتشرد بادية بوضوح، وهي حالة يستغلها النظام الجزائري في الدعاية لفائدة البوليساريو، من أجل جلب العطف السياسي والكسب المادي معا وتوريط أطراف خارجية أخرى في حربها ضد المغرب.
ما هو حجم الفاتورة الجزائرية الخاصة بدعم جبهة البوليساريو؟
* يستحيل تحديد رقم معين ربما بعدد شعرات رؤوس المواطنين الجزائريين، إنها ثروات بأرقام فلكية.
ما هي الأطراف الأخرى التي تدعم البوليساريو؟
* في السابق قدمت يوغوسلافيا السلاح للبوليساريو ودربت المقاتلين، وفعلت كوبا الشيء نفسه، إضافة إلى استقبالها أطفال الصحراويين من أجل الدراسة، كما أن كوريا الشمالية ساهمت بمساعدات عسكرية، أضف إلى ذلك منظمات مدنية أوروبية وأمريكية.
عملتم أيضا سفيرا للجبهة في سوريا بين عامي 1986 و1989، ما هي أهم الأحداث التي صادفتك وما هي الأدوار التي قمت بها انطلاقا من دمشق؟
* عندما قدمت أوراق اعتمادي في دمشق لم يكن ذلك بمستوى تمثيل دبلوماسي بين دولتين، ولكن سوريا استقبلتنا في إطار دعم جبهات الصمود والتصدي، تصور أن النظام السوري لم يسمح لنا حتى بطبع الوثائق الإدارية، وكنا نضطر للسفر إلى بيروت لطبع الرسائل والمنشورات ما جعلني أقتني طابعة ستانسيل وخواتم ومستلزمات العمل جلبتها من لبنان على متن سيارة السفير الموريتاني في دمشق، وكانت تحركاتنا مقيدة حتى عام 1986.
هل كان حافظ الأسد يدعم جبهة البوليساريو إيمانا بأطروحتها أم أنه كان يفعل ذلك فقط لإيذاء المغرب؟
* السوريون لم يكونوا راضين عن وجود أزمة مفتعلة في غرب الوطن العربي، تشغل المغرب والجزائر عن القضايا العربية الأساسية، ولكن الدعم الأدبي لحافظ الأسد لجبهة البوليساريو، في بعض الأوقات، كان من أجل كسب ود النظامين الليبي والجزائري.
كان التيار الإسلامي بزعامة عباس مدني قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالقيادة وكانت أطروحته مناهضة لاحتضان البوليساريو، كيف كانت البوليساريو تتفاعل مع هذا التحول في الجزائر؟
* أنتم تعلمون أن مكتب البوليساريو تعرض في أحداث 1988 في الجزائر إلى الهجوم من قبل المتظاهرين، زد على ذلك أن الإسلاميين ينظرون إلى جبهة البوليساريو باعتبارها حركة لائكية، وكائنا غير مرغوب فيه يستنزف قدرات البلاد، ويتسبب في تقسيم الأمة، ساعتها أدركت الجبهة أنها تواجه وقتا عصيبا في البلد الذي يؤويها، لكن المؤيدين الحقيقيين للجبهة كانوا في المؤسسة العسكرية الجزائرية.
عندما عين محمد بوضياف رئيسا للجزائر رفض استقبال مسؤولين في الجبهة وقال لسكرتيره "أخبرهم إذا كانت لديهم مسائل معلقة ليذهبوا إلى الرباط ويعالجوها هناك" ماذا حدث بالضبط؟
* أنتم تعلمون أن بوضياف رحمه الله كان مستقرا بمدينة القنيطرة، وكان يدير معملا للآجور في ملكيته، بمعنى أنه كان بعيدا عن تطورات الشأن الجزائري، وعندما استقدم لتسلم السلطة في الجزائر، كان يعتقد أن البلاد تسير بعقلية الثوار النظيفة، ولم تكن له فكرة عمن يسيرون الأمور من الخلف، وفي ما يتعلق بموضوع جبهة البوليساريو اضطر في الأخير لاستقبال وفد عن الجبهة، وتعامل معه بالمنطق الذي يصور الجبهة مجموعة من المسلحين فوق تراب الجزائر ولديهم مشاكل مع البلد الجار (المغرب)، وعليهم أن يجدوا حلا لمشكلتهم مع سلطات ذلك البلد أو يبحثوا عمن يستقبلهم، أي بمعنى أنه أصبح غير مرغوب فيهم في الجزائر.
كانت صدمة بالنسبة لجبهة البوليساريو؟
* بكل تأكيد، لكن موت بوضياف حملت الاطمئنان مجددا للجبهة.
انتكس التيار الإسلامي في الجزائر، واغتيل بوضياف وعاد العسكر يتحكم في السياسة، من يتصرف في الجزائر لصالح أطروحة البوليساريو؟
* المؤسسة العسكرية، هي الضامن الوحيد لجبهة البوليساريو.
يصف البعض جبهة البوليساريو بحمال الحقيبة الدبلوماسية الجزائرية، حيث ما وصلت يد الجزائر يصل صوت البوليساريو، ماذا عن وجود الجبهة في الأوساط الأوروبية والأمريكية؟
* في البداية كانت الجزائر المتحدث الرسمي، وعندما اكتسبت الجبهة الخبرة أصبحت لها علاقات مباشرة مع شخصيات وجمعيات وأحزاب في أوروبا وأمريكا وإفريقيا، ويظل المال الجزائري محركا أساسيا في تلك العلاقات.
إضافة إلى المال (الرشوة)، هل تعتمد الجزائر في دعم البوليساريو على أمور أخرى؟
* قام المال بدور فعال، لكن الجزائر وظفت، أيضا، صورة بلد المليون شهيد في بداية الأزمة لكسب المصداقية والتعاطف.
قضية الصحراء لم تبارح مكانها، منذ أربعة عقود، المغرب تقدم بمشروع الحكم الذاتي، بعد فشل كل المخططات السابقة، البوليساريو ترفض، الجزائر تعرقل، الأمم المتحدة مقيدة بقرارات مجلس الأمن، مجلس الأمن رهينة لدى الدول الكبرى ومصالحها في المنطقة، أين الحل في نظركم؟
* لا شك أن الحكم الذاتي كان له وقع كبير، وأصبح له مؤيدون حتى داخل تندوف، وهو في نظر الكثير من قياديي البوليساريو أفضل من لاشيء، لكن كما تفضلتم إن عرقلة الحل تتم عبر الأطراف الأخرى، وفي اعتقادي أن المغرب إذا نجح في تنزيل الحكم الذاتي على أرض الواقع سيقطع الشك باليقين، كما يلزم على المغرب أن يعمل من أجل إيجاد بديل للبوليساريو، فهي ليست الممثل الوحيد للصحراويين، ومن ناحية أخرى يجب تفعيل دور المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، لما لهذه المؤسسة من ثقل وقوة فلا يجب أن تظل جسدا بلا روح، فعندما أعلن عن تأسيسها أصيبت جبهة البوليساريو بالرعب، لكن عندما بدأت تشتغل بطريقة باهتة وسطحية أطمأنت البوليساريو.
كلمة إلى الصحراويين في تندوف من منبر "الصحراء المغربية"
* آن لهم أن يخرجوا أنفسهم بأنفسهم من المأساة التي يعانونها، فالحل بأيديهم وليس بأيدي غيرهم، إن الأمر يتطلب معركة حقوقية داخل مخيمات تندوف، وعليهم أن يعرفوا بأن الحل لن يأتيهم فوق حصان أبيض يحملهم إلى العيون السمارة والداخلة، أقول لهم من منطلق الخبرة والعمل. إن معركتهم الحقيقية من أجل النماء والاستقرار والقطع مع أربعة عقود من الشتات (معركتهم) هنا في المغرب تحت خيمة الوحدة الوطنية وأن الحلم بإنشاء جمهورية صحراوية جنوب المغرب هو ضرب من الخيال ولا يوجد إلا في أجندة من له المصلحة في استخدام الصحراويين لأغراض أخرى وليس من أجل القضية الصحراوية. |